عشر قضايا لا يجب أن تُنسى

حمزة الحسن

هذه محاولة أخرى
لوضع الأحداث في تسلسل منطقي
بعد الفقدان المتعمد لحلقات السلسلة والدوامة والمتاهة والخلط المنظم،
لأننا عادة نبدأ من الحدث الأخير ونلغي سياقاً وتاريخاً وأسباباً:
1: الإحتلال الأمريكي مشروع قديم يعود الى
منتصف الستينات لاثارة حرب أهلية في العراق وسوريا ومصر،
طلبت اسرائيل من المرحوم مصطفى البرزاني وضع قنابل في الساحات العامة
لكنه رفض المشروع لقناعاته الدينية والقبلية،
وصدام حسين وفر بحماقاته الغطاء والذريعة
وهو في الأصل مشروع نهب وسيطرة وكل المزاعم
الأخرى هراء لأن النظام الأمريكي لم يحقق الديمقراطية
في أمريكا نفسها من دون حاجة الى تفاصيل معروفة وطيش صدام الذريعة.
2: التصدع في النسيج الاجتماعي والطائفي لم يحدث
بسبب الاحتلال لأن الشعوب الحية تتماسك في الظروف الصعبة
وتظهر أفضل ما فيها من قيم ومبادئ وتضامن وأخلاق،
وحدث هذا لدى الغزو النازي للاتحاد السوفيتي وفرنسا والنرويج والخ،
لكن الاحتلال كشف هشاشة الأسس وزيف القيم ونفاق الروابط
والاحقاد النائمة.
3: لم يتغير المجتمع العراقي بسبب الاحتلال وبعده،
وأي قناعة من هذا النوع سطحية ومبنية على مظاهر،
والحقيقة أن المجتمع كان غاطساً في السرية،
أو في” مجتمع الأنفاق” النفسية تحاشياً للعقاب وخوفاً من الظهور
بالوجه الحقيقي،
وعندما سقط النظام سقطت معه الأقنعة،
وخرج الناس من سراديب التخفي وحفلات التنكر بالأقنعة،
الى الوجوه الحقيقية،
لهذا السبب صدم الجار بجاره والصديق بصديقه،
لم يتغير هؤلاء بل أقنعة سقطت،
وخرج الممنوع والمقصي والمحظور الى العلن.
4: النظام السياسي اليوم لم يتكون في العراق بل في الخارج،
في لندن وواشنطن وأربيل،
هذا الخليط من زعماء الاحزاب ورجال الدين والقبائل
والمقاولين ونماذج من النظام القديم،
هي الخلطة المقررة قبل الاحتلال،
وقبل الغزو بشهر تقريباً كتبنا مقالاً عن هذه التركيبة التي ستحكم
من سلسلة مقالات.
5: عودة القبلية كانت مقررة سلفاً قبل الاحتلال،
وهو أمر تعرضنا له في المقال المذكور،
وهو الخيار البريطاني لخبرته بعالم القبيلة العراقي
وشيوخ الأوفيس، أي شيوخ المكتب الذين كانوا يقفون
طابوراً أمام مكتب الضابط البريطاني لاستلام ثمن الوشاية
على ثوار ثورة العشرين،
ومن هنا جاءت الإهزوجة:
” ذبّوله الجنطة وهز ذيله”،
وهذه الطبقة الفراغية المسلحة عنصر لاجم ومعرقل لكل تغيير
بذرائع الاستقرار وهو العنوان الملون للرفاهية والخدر بلا عمل.
6: التركيبة الحاكمة من القبائل ورجال الدين والملاك والتجار
والضباط القدامى والأحزاب المرتهنة للخارج المتنوع،
هي تركيبة تلجم أي تغيير وتطور،
لأنها جميعاً تكوينات محافظة تقليدية وليس من مصلحة الشيخ
والعقاري والسياسي النهاب ورجل المنظمة المسلحة ومن كان
عضواً في النظام السابق،
أي محاولة للتغيير الجذري لانه يقلب التراتبية ويلغي التمايز.
7: الانتفاضات والتمردات أو التظاهرات التي حدثت في
السنوات السابقة رسخت وجذرت النظام وأفرغت مشاعر
الغضب بأعمال غير مجدية كتنفيس،
لأنها إستعراضية مطلبية وبلا أهداف كبرى،
وليس غير الخطر الجدي من يخلق هوية جديدة بين اللصوص
حتى لو كانوا مختلفين:
الخطر يوحد كما أن تلك الحركات لم تكن لتهدف خلق قصة حياة
جديدة وتاريخ مختلف.
انتفاضة في الموعد الخطأ يعادل ضياع ثورة قادمة.
8: لم يطلب أحد خلال كل تلك السنوات تغيير النظام،
أي مؤسسة الحكم،
كانت المطالب ظرفية تتعلق بالحقوق السياسية أو الاقتصادية،
وفي حالات بحقوق عابرة كالكهرباء والراتب والمجاري والخ،
وكانت هذه المطالب مكافأة وهدية للنظام الذي يخلق
المشكلة ويوفر لها الحل ويصبح توزيع الراتب مكرمة ومكسباً.
9: النظام السياسي غير الدولة،
الدولة مؤسسة خدمات محايدة والنظام السياسي مؤسسة سياسية
متغيرة وهذا النظام تم التأسيس والتشريع له
كنظام متاهة ودوامة للتحكم السري من الأقبية والأشباح
وترك الدمى تتصرف أمام الجمهور لأجل الهيبة
كما تنص وثيقة أمريكية والتحكم الخفي به دون الظهور في الواجهة،
ومشرع له بقانون ودستور،
ولا يسمح بقوى من خارجه،
ولم يعد الصراع بين الفئة الحاكمة والناس بعد سنوات
النهب والقتل والثأر قصة خسارة سياسية فحسب،
بل قصة حياة أو موت وحكاية حياة مرفهة الخاسر فيها
لا يذهب الى المنزل بل المشانق والتقطيع.
10: منذ الاحتلال وحتى اليوم تتأسس لعبة الموت والنهب
على قواعد ثابتة:
* التآكل البطيء بدل الانهيار السريع
لاستنزاف موارد الدولة وتفسخ القيم والنفوس،
لأن الإنهيار السريع يبقي على النفوس والمدن والمؤسسات سليمة:
خذ هذا الشعب من كارثة الى أخرى،
تنقل به من الأنبار الى الموصل،
إفتح جبهة وأغلق أخرى…الخ.
* الحصار الاقتصادي في التسعينات ما زال مستمراً
لكن تغير شكله حسب الظروف،
هو القتل الأبيض بلا دماء،
وكل المشاكل الاقتصادية مفتعلة لكي يتم هدم الأسس الإجتماعية
والأخلاقية والثقافية،
وإدخال منظومات قيم منحلة كالمخدرات والقمار والدعارة والشذوذ
وكل أنواع المساوئ الأخلاقية،
فلا يمكن الانتصار على شعب ونهبه وهو في كامل صحته ونظافته الأخلاقية.
* لكي تتغير السلطة يجب أن نتغير نحن،
وبلا ثورة في النفوس والضمائر والعقول،
سيظل هذا النظام جاثماً على الصدور لعشرات الأعوام،
وعوائد النفط تزوده بالمال والقوة والحلفاء،
ولا نحتاج الى براهين ودلائل على ذلك:
يكفي النظر الى نظم الجيران.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here