ايام الزمن الاغبر / الحلقة الثانية / ( استرداد الحق من السراق )

رياض سعد

شابين كانا يستقلان دراجة نارية وبالصدفة شاهدا اعلانا حكوميا عن توفر درجات وظيفية في سلك الشرطة في عام 1991 ؛ اثر الضربات الموجعة التي تلقتها الاجهزة الامنية البعثية والقمعية الصدامية في الانتفاضة الجماهيرية العراقية الخالدة .
وانخرطا الشابان وهما : ( كاظم محمد سلمان المحمداوي وابن عمه حسين جاسم سلمان المحمداوي من اهالي مدينة الثورة ) في سلك الشرطة , بعد ان تعبا من البحث عن عمل يؤمن لهما العيش او لا اقل الكفاف , ناهيك عن نشوة بعض الشباب المحروم عندما يلبس الزي الحكومي حاملا سلاحه ويمشي فرحا متبخترا بين الناس البسطاء والمواطنين العزل ؛ فمن لم يكن حزبيا بعثيا او مجرما صداميا أكله الذئب او اضحى العوبة ( ملطشه ) بيد كل من هب ودب .
وفي ذروة جحيم ايام الحصار واشتداد وطأة العقوبات الدولية والعربية ضد الاغلبية العراقية وباقي مكونات الامة العراقية ؛ عاش العراقيون الاصلاء في ظروف معيشية سيئة بل لا تليق حتى بالحيوانات في دول الغرب , من دون ما يكفي من الغذاء أو الدواء ومن دون مأوى مناسب او بيت ولو صغير او عمل يؤمن العيش الكريم للمواطنين .
و بدأت المصانع والمعامل العراقية والمشاريع التجارية الخاصة تغلق أبوابها تاركة الشعب بدون عمل , وظل موظفو الحكومة في وظائفهم ، لكن التضخم قوض رواتبهم بحيث كان راتب الموظف المدني خمسة آلاف دينار في الشهر، أي ما يعادل 2.5 دولار.
وقد هجر المهندسون والعلماء وأساتذة الجامعات وغيرهم وظائفهم لبيع السجائر في الشوارع أو قيادة سيارات الأجرة أو الصيد من أجل لقمة العيش او العمل في المطاعم او المقاهي او البيع بواسطة : ( الجنبر او البسطية ) .
وبما ان الجوع كافر والفقر لا يرحم والعوز وطأته على المرء اشد من حمل الجبال الرواسي ؛ اضطر البعض من ابناء الاغلبية العراقية الى السرقة او التزوير او البغاء … ؛ اذ كان العراقيون مخيرين وقتذاك ( بين الموت والسخونة ) ؛ اما ان يرى عياله يتضرعون جوعا وهو لا يحرك ساكنا او بين العمل في الممنوعات والمحرمات التي لا تليق بقامة العراقي الاصيل … وبناءا على تلك المقدمات القاسية والاجراءات الدولية والعربية والبعثية الصدامية الظالمة تزايدت معدلات الجريمة والدعارة والانحراف بدرجة كبيرة وخطيرة ، حتى أن الحكومة الغاشمة الجاهلة الهجينة سنت عقوبة الإعدام لبعض المهن المحرمة مثل القوادة والبغاء وكثير من أنواع السرقات بل طبقت عقوبة قطع اليد على السارق الجائع الذي يسرق بيضة او رغيفا من الخبز ..!!
وعلى الرغم من كل تلك الاجراءات الاجرامية التعسفية وكل صنوف التعذيب استمرت وتيرة الجريمة بالارتفاع ؛ وقد تعرض ابناء الفئة الهجينة ولاسيما التكارتة الانذال الى مضايقات شجعان وابطال الاغلبية العراقية في الملاهي والنوادي الليلية بل والسطو على بيوتهم واموالهم المسروقة من خيرات الجنوب العراقي ومن استغلال العراقيين الاصلاء بشتى الحيل والطرق الملتوية ؛ فمثلا : اذ اردت ان تنقذ ابنك المظلوم – ( الذي اعتقل بتهمة التدين والتشيع ) – من حبل المشنقة وتحول حكمه الى السجن المؤبد مع بقاء كل فصول التعذيب والامتهان طبعا ؛ فما عليك الا ان تدفع مبلغا ماليا يتراوح ما بين 5 الى 25 مليون دينار وفي ذلك الزمن الصعب الاغبر .
مما دفع النظام الهجين والذي لا يعترف بكل القيم والمثل السماوية والانسانية الى تبني مفهوم الحملة الايمانية بل واطلق رأس النظام المقبور صدام بن صبحة على نفسه لقب عبدالله المؤمن …!! ؛ سبحان الذي حول قاتل المصلين والصائمين والعباد والنساك الى عبد الله المؤمن , كل هذه الاجراءات الشيطانية كانت تهدف الى حماية ارواح واموال وممتلكات جلادي ومجرمي الفئة الهجينة من سطوة الشعب العراقي الاصيل , بل وسمح للأغلبية العراقية بممارسة بعض العبادات والطقوس الدينية كصلاة الجمعة وغض الطرف عن بعض الانشطة الدينية في الحوزة النجفية ؛ وذلك لتحقيق اهداف ومنها : حماية الفئة الهجينة من خلال ترويض الاغلبية العراقية بالدين والطقوس الاسلامية بعد ان عجزت كل اجهزة القمع الصدامية عن ذلك , واشغال الاغلبية العراقية بالآخرة والطوباويات والصراعات والمناكفات الدينية بدلا من السعي على الحصول على الاموال والممتلكات التي كانت تحتكرها الفئة الهجينة السارقة الفاسدة المجرمة , بالإضافة الى سهولة قتل العراقي الاصيل تحت مبرر الجريمة الشيعية ومكافحة الرجعية الدينية كما فعل في العقود السابقة من حكمه الاسود وذلك لظهور الشباب المتدين امام الملأ وترك التقية التي كانت تحفظه من بطش النظام الكافر , ولا تستغرب من ذلك فالنظام البعثي الصدامي الهجين نظام التناقضات والاضداد والتخبط او باختصار هو نظام اللانظام ؛ ولعل هذه الخطة الهجينة والمؤامرة ارادت للعراقي الاصيل ان يعدم بذريعة التدين والتشيع وهو حافي القدمين اي يذهب الى ربه مظلوما مقتولا معذبا و مفلسا جائعا راضيا بقضاء الله وقدره ..!!
ولم ترد له ان يذهب معدوما بطلا مغوارا قد سلط سيفه على رقاب ابناء الفئة الهجينة لكي يأخذ منهم الاموال والثروات – والتي هي اصلا مسروقة من نفط الجنوب وهو اولى بها منهم – بل ويذيقهم احيانا حر السيف الذي منهم يهربون .
وفي الوقت الذي تضاعفت فيه نسبة سوء التغذية بين الأطفال العراقيين دون سن الخامسة من 12% إلى 23% خلال الفترة بين عام 1991-1996؛ كذلك ارتفعت نسبة سوء التغذية الحادة في الوسط والجنوب من 3% إلى 11% لنفس الفئة العمرية وتزايد معدل الوفيات للأطفال بشكل مرعب ومخيف ؛ كان المجرم الوغد صدام ابن صبحة يركب عربة من ذهب خالص ( عيار24) مسروقة من اموال العراقيين المحرومين بمناسبة عيد ميلاده المفتعل , ويقدم للفنانة المصرية رغدة ( السورية الاصل) الاف البراميل من نفط الجنوب هدية من ابن صبحة لتلك الفنانة عديمة الضمير والشرف وقتذاك ؛ اذ جاءت رغدة الى بغداد بحجة تشييع الأطفال الذين يقتلهم مرتزقة صدام من الأطباء والممرضين في مستشفيات العاصمة والعراق ؛ ليوهموا العالم أنهم ضحايا الحصار والجبروت الأمريكي وأن السلطات تعجز عن توفير العلاجات لهم بحجة نقص الدواء والتجهيزات الطبية، وكانت ترتدي ( الستريج ) وتبكي على أطفال بغداد والعراق الذين يقتلهم صدام في الحاضنات بدم بارد ثم تستلم المقسوم وتغادر الى القاهرة لتداوم على حفلات الأنس وتشتري المصوغات والشقق الفاخرة ؛ بعد ان اضحت صديقة حميمة لعبد حمود وعدي صدام ومرتزقة القصر الجمهوري يمارسوا معها البغاء .
عود على بدء ؛ سارت حياة الشرطيان بصورة طبيعية الى ان شاهدا في احدى المرات ثلاثة صبيان يسرقون محلا كبيرا للأجهزة الكهربائية يعود لاحد ابناء الفئة الهجينة واعضاء حزب البعث السافل ؛ وقد القوا القبض عليهم متلبسين , وبكى الصبيان وتوسلوا بالشرطي كاظم وابن عمه حسين بأن يعفوا عنهم ويطلقوا سراحهم لانهم ايتام ؛ قد أعدم والدهم في احداث الانتفاضة الجماهيرية الخالدة عام 1991 وتعرضت امهم لأمراض مزمنة وتحتاج العلاج بصورة مستمرة وبعد اخذ ورد بين الطرفين ؛ اطلق الشرطيان سبيل الصبيان بشرط مناصفة الاموال المأخوذة من الجلاد البعثي والسارق الهجين بينهما … وذهب الطرفان كلا الى شأنه , وقد وشى بالشرطين احد الجواسيس ؛ فجاءت ضباع الامن و وحوش صدام لتلقي القبض على الشرطين , وانتقل الشرطيان بين دهاليز مديريات الامن وتعرضا لأبشع صنوف العذاب واحدث وسائل التعذيب ؛ وذلك لان صاحب المحل من شذاذ وشراذم تكريت بالإضافة الى كونهما من الشرطة , اذ كان النظام يجن جنونه ان رأى احد رجاله او المحسوبين على نظامه يتساهل او يرحم احد ابناء الشعب ولاسيما الاغلبية العراقية .
وقد وضعا في زنزانة مساحتها متر × متر , مع اربعة اشخاص اخرين بحيث لا يستطيعا الجلوس او الوقوف على القدمين معا فضلا عن النوم او الاستلقاء او التمدد بصورة طبيعية , وكانت حصتهم من الغذاء والشراب ( لتر من الماء كل ثلاثة ايام و صمونة صغيرة من النخالة وشوائب الشعير كل يوم ) ؛ وتعرضا للتعذيب الشرس وبشكل يومي واستمر التحقيق معهما لمدة 9 اشهر مستمرة , واليكم شيئا من ذلك العذاب : اذ تم ربط خصيان المعتقلين بخيط اشبه ( بالقيطان القوي ) واعتصرت الخصيتان بشكل مؤلم ومؤذي يكاد تتفطر من هوله الارض والسماء ؛ مما تسبب عن موت الذكرين لهما , ولعل هذا التعذيب اشبه بعملية الاخصاء في القرون الوسطى ؛ بالإضافة الى تعرضهما الى الضرب المبرح والمستمر ( بالكيبلات القوية المطعمة بالنحاس ) مما أدى الى تناثر لحم الظهر والمؤخرة بشكل رهيب وتشوه معالم جسمهما بصورة جذرية ؛ وبعد تلك المعاناة العصيبة تم ترحيلهما الى محكمة الثورة سيئة الصيت , وصدر الحكم بحقهما وهو الاعدام شنقا حتى الموت , وبعد اللتيا والتي ودفع الرشاوى للتكارتة والجلادين من ابناء الفئة الهجينة ؛ حيث باع اهالي الضحايا بيوتهم وسكنوا في الايجار من أجل تخفيف الحكم الى السجن المؤبد , وتم لهم ذلك .
ومن ثم انتقلوا الى سجن ( ابو غريب ) المرعب ؛ حيث تعرضا للتعذيب فيه ولمدة ثلاثة سنوات متواصلة ؛ بسبب توصية خاصة لتعذيبهما ومما شاهدها هناك من فواجع وفظائع لا تصدق : ان جلاوزة الفئة الهجينة جاؤا بأحد شيوخ عشائر الاغلبية الاصيلة وقاموا باغتصابه امام زوجته وابناءه وسجناء الخاصة … , ومن ثم امروا البعض بالبول عليه , وبعدها امروا السجناء بضربه ( بالنعل والبصق في وجهه) … ؛ و قد اجبروا السجناء على تناول الغائط في احدى حفلات التعذيب الصدامية البشعة , وقام الجلاوزة بإلباس الشرطيين سروالا وقد شدوه من الاسفل والاعلى و وضعوا فيه جرذ وقام الجرذ ب (عض ) كل اجزاء هذه المنطقة الحساسة وبدأ يصرخا من شدة الالم … , وفي احدى المرات اطلقوا على السجناء في الزنزانة بعض الحشرات والحيوانات المؤذية ومنها بعض العقارب غير السامة … وبعد معاناة طويلة استمرت لمدة تسع سنوات من الالم والعذاب والمرض والجوع والعطش خرجا الشرطيان بالعفو الاخير قبل سقوط الصنم الطائفي والعنصري البغيض من سجن ( ابو غريب ) … كاظم البدين ( وزنه 112) ذو البشرة البيضاء صاحب شعر الراس الكثيف ؛ خرج اسود اللون ( سواد بزرقة ) هزيلا ( اصبح وزنه 54 ) نحيفا اصلعا , بلا اسنان و مؤخرة سطحت بسبب تناثر لحمها , وانزلاق بالفقرات , واصابة احدى الكليتين , وضعف في البصر , وموت العضو التناسلي …ناهيك عن الامراض والعقد النفسية ؛ فقد كفر كاظم وابن عمه حسين بكل الاعراف والقيم السماوية واصبحا ملحدين فيما بعد وقد توفى كاظم في عام 2010 بينما توفى حسين عام 2017 اثر مضاعفات التعذيب .
سلبت ونهبت الفئة الهجينة ثروات وخيرات مناطق الاغلبية العراقية منذ عام 1921 حتى سقوط الصنم عام 2003 ؛ اذ قام رجال الفئة الهجينة بتعيين أقاربهم ومعارفهم وابناء مناطقهم في دوائر الدولة واصبحت المناصب الإدارية والعسكرية لهم فحسب ،و بمرور الوقت تحولت اجزاء كبيرة من أرجاء البلاد إلى إقطاعيات شبه مستقلة لهم .
فقد كان يذهب المجرم وطبان ابراهيم بن حسن الزكلبي الى بعض مناطق تكريت بصورة شبه دائمة – ( في الاسبوع مرة )- ويلتقي بأنذال ورعاع وهمج وقرج تلك المناطق الاجرامية الارهابية … , وكالعادة يطلب هؤلاء منه تعيين اولادهم ( الويلاد ) في وزارة الداخلية او باقي الاجهزة الامنية وذلك بسبب رسوبهم في الدراسة او تركهم لمقاعد الدراسة وان كان الاغلب منهم يحصلوا على الشهادات الاكاديمية بواسطة العلاقات والمحسوبيات والوعيد والتهديد … ؛ ويسارع وطبان لقبول تلك الطلبات غير المشروعة ؛ ويتحول هؤلاء الاوغاد الجهلة والرعاع السفلة و( بجرة قلم ) الى ضباط في وزارة الداخلية والاجهزة الامنية ؛ كي تبدأ مسيرتهم القذرة في تعذيب واستغلال وسرقة العراقيين الاصلاء .
وكان من نتائج تسلط الفئة الهجينة على العراق والعراقيين ؛ حرمان العراقيين الاصلاء من خيرات بلادهم مما اشاع الفقر والعوز بينهم – ( وليتهم كانوا فقراء ) – , وكان العراقيون يشاهدوا بأم اعينهم كيف يتمتع المصري الغريب والفلسطيني المشرد والسوداني الزنجي … فضلا عن الغرباء والدخلاء من ابناء الفئة الهجينة ورعيان تكريت وقرج العوجة ومن لف لفهم من شذاذ الافاق وبقايا العثمنة والاحتلال الانكليزي بخيرات بلادهم وثروات مناطقهم … ؛ لم يستطع البعض تحمل هذه الاوضاع المزرية والقسمة الضيزى ؛ فقام البعض بسرقة بعض بيوت الحرامية والسراق من جلادي ومجرمي النظام البائد … وقد جاء في احدى الامثال ان : ( السارق من السارق كالوارث من ابيه ) , فمن الحيف ان ترى السراق يسرقون ثروات الوطن كي يعطوها للأجانب والغرباء عن يد وهم صاغرون ؛ بينما يحرم المواطن من ابسط حقوق الحياة .
هؤلاء الاوغاد السراق اولاد السراق والغرباء ابناء الدخلاء يتنمرون في مواقع التواصل الاجتماعي على ابناء الاغلبية العراقية حول هذا الموضوع وغيره ؛ فقد روى احدهم ان احد الاشخاص حاول فتح الباب الخارجي لبيتهم في ايام الحصار – بيتهم المسروق من ثروات الجنوب العراقي – فبادر هذا الهجين بقطع اصابعه ب ( الطبر ) من دون ان يراه … ويستطرد ضاحكا ان الشخص هرب وبقت اصابعه المقطوعة في باحة الدار ..!!
ويد تكبّل وهـي مما يُفتدى … ويدٌ تقبّل وهي مما يُقطـع
ويصان ذاك لأنـه من معشر… ويضام ذاك لأنّه لا يركـع
يمشي العراقي الاصيل وكل شيء ضده … والفئة الهجينة تغلق دونه أبوابها … ؛ فقد هرع العراقيون الاصلاء للعمل بالقرب من الاسواق المركزية ايام الحصار؛ فأسعار تلك الاسواق كانت مدعومة من قبل الدولة , ومن كان عنده بطاقة الاسواق من الموظفين والمحسوبين على النظام البائد يستطيع التسوق منها وبالأسعار المدعومة بينما يعجز العراقيون عن شراء المواد الغذائية من السوق لأنها غالية الثمن قياسا بتلك التسعيرات الحكومية , فيأتي البعض من الاغلبية العراقية الكادحة ليشتري من اصحاب البطاقات من الموظفين واصدقاء وجواسيس و( كواويد) الرئيس النذل صدام بن صبحة , ومن ثم يبيعوها في الاسواق للحصول على الربح البسيط … وفي احدى المرات ينقل الكاسب السيد اسماعيل الموسوي انه قد جاءت احدى عاهرات الفئة الهجينة من منطقة زيونة قرب سوق الثلاثاء صارخة بأعلى صوتها : (( هذولي الشروقية ( وباللهجة السوقية المبتذلة ) اخذوا كل المواد ما خلونه شيء ..)) لم تكتف الهجينة العاهرة بنت الدخلاء بسرقة خيرات وثروات العراق ولمدة 83 عاما حتى راحت تستكثر على العراقيين الاصلاء الحصول على فتات موائد الفئة الهجينة القذرة .
بينما ينقل المواطن علي قاسم انه وبمعية اصدقاءه الثلاثة الشباب البسطاء ذوي الملابس الرخيصة – كانت اعمارهم تتراوح بين 17 و18 عاما وهم من مدينة الشعلة – ذهبوا في احد الايام اثناء الحصار الاقتصادي الى سوق المستنصرية المركزي للتفرج على البضائع , وعندما دخلوا وصعدوا الدرج واذا بوجه مكفهر قبيح لشخص ضخم البنية وبيده عصا خيزران وكان يراقب دخولهم ؛ واذ به يحاصرهم في احدى الزوايا ومن دون سبب واضح وقد ضربهم ضربا مبرحا بالعصا , صارخا فيهم : (( يله ياول بره دير بالكم اشوفكم تجون هنا مرة ثانية اضيعكم يله بره … )) ؛ كان هؤلاء الشباب الابرياء يعتقدون انهم مواطنون ولهم الحق في التسوق من الاسواق العراقية والمشي في شوارع بغداد عاصمتهم الا انهم لم يكونوا على علم بأن بلادهم محتلة ومستباحة من قبل شراذم ومجرمي الفئة الهجينة منذ عام 1921 .
ان رجال الفئة الهجينة عملوا جاهدين على ابقاء الاغلبية العراقية جاهلة متخلفة محرومة بعيدة عن مركز القرار وادارة شؤون البلد ؛ وقد استعان هؤلاء الاوغاد الدخلاء بالأجانب والغرباء والمرتزقة وشذاذ الافاق للإيقاع بالأغلبية العراقية والضحك عليها من خلال الشعارات الكاذبة والمسرحيات التافهة والمؤامرات المستمرة , ومن نتائج حكم الفئة الهجينة انقلاب المفاهيم وتغير القيم وتدهور الاخلاق ؛ اذ اصبح كل فرد من ابناء الفئة الهجينة لصا مجرما جلادا يحلل ويحرم يجوز ويمنع يفعل ويبرر كيفما يشاء ؛ وخارج منظومة القيم والمثل العراقية الاصيلة , فقد تسبب هؤلاء بفقدان المجتمع العراقي لكل الروابط والاواصر التي كانت تمسكه وتشده منذ القدم ؛ كالرحمة والغيرة والعطف والحمية والكرم والايثار والتضامن والتكافل ومشاعر المحبة والمرحمة والاحترام ؛ لتحل محلها قيم الفئة الهجينة المشوهة كالعنف والظلم والجور والجهل والسطحية والعنصرية والطائفية والاقصاء والتهميش والسرقة والرشوة والشك والريبة والخوف والرعب وانعدام الشعور بالوطنية والامن والامان والطمأنينة والسكون …انه صراع القيم والمعايير , وقد استحالت هذه الامراض والعاهات الى ظواهر اجتماعية مدعومة من قبل السلطات , ومن المعلوم ان هذه الانحرافات والتشوهات تعتبر مقدمة اكيدة لانهيار وتقوض الدول واضمحلال القيم في المجتمع , اذ يصبح المواطن المتدين المسالم البريء متهما ومجرما من وجهة نظر الحكومة والفئة الهجينة بل والمجتمع , لأنه تخلف عن ركب حزب البعث والصداميين الجلادين ؛ ويصبح الجاسوس الجلاد القاسي الارعن رجلا وبطلا و وطنيا من هذه الرؤية الهجينة ؛ لان المعيار الاخلاقي تحطم وحل محله معيار الفئة الهجينة المشوهة .
وسأنقل لكم قصة مغايرة كي تقارنوا بين اخلاق الفئة الهجينة القذرة وبين اصحاب الضمائر الانسانية الحية ؛ اذ في كتاب “عدوى الأمل” للدكتور محمود الخطيب قصة ذات مغزى ودلالة عن الحكم الَّذي أصدره قاضٍ عَلى صبيٍّ عمره 15 عامًا تمَّ القبض عليه متلبِّسًا بالسَّرقة من دكَّان في أمريكا وخلال محاولة الصبيِّ الهرب حطَّم أحد الرُّفوف.
في جلسة المحاكمة
سأل القاضي الصَّبيَّ بعد أن سمع تفاصيل الحادثة:
“أحقًّا سرقت شيئًا؟ سرقتَ خبزًا وجبنة وحطَّمت أحد الرُّفوف؟”
أجاب الصَّبيُّ في خجل وهو مطأطئ الرَّأس:
نعم.
القاضي: “لِـماذا سرقتَ؟”
الصَّبيّ: كنت محتاجا
القاضي: ألم تستطع شراءها بدل سرقتها؟
الصَّبيّ: لـم أكن أملك مالًا.
القاضي: كان باستطاعتك طلب الـمال من والديك.
الصَّبيّ: لديَّ فقط أمِّي الـمريضة الَّتي ترقد في الفراش وليس لديها عمل.. من أجلها سرقت الخبز والجبنة.
القاضي: وأنت.. أَلا تعمل شيئا؟ ألا يوجد لديك عمل؟
الصَّبيّ: اشتغلت في غسيل السَّيَّارات. أخذت إجازة ليوم واحد لكي أساعد أمِّي، وَلِهٰذا السَّبب فصلوني من العمل.
بعد انتهاء الـمحادثة مع الفتى، أعلن القاضي الحكم:
“السَّرقة، خاصَّة سرقة الخبز، هٰذِهِ جريمة مخجلة جِدًّا.
وجميعنا هنا مسئولون عن جريمة السرقة هٰذِهِ. اليوم، جميع الحضور في هٰذِهِ القاعة، بمن فيهم أنا، مسئولون عن جريمة السرقة هٰذِهِ”
وَهٰكَذا، فإنَّ جميع الحضور، سيغرَّمُ كلُّ شخص بعشرة دولارات، ولن يخرج أيُّ شخص من القاعة قبل أن يدفع 10 دولارات”
أخرج القاضي من جيبه ورقة من فئة 10 دولارات، وأخذ قلمًا وبدأ بالكتابة:
“بالإضافة، حكمت بغرامة 1000 دولار، عَلى صاحب الدُّكَّان الَّذي سلَّم الصَّبيَّ الَّذي يعاني الجوع، إِلى الشُّرطة، وإذا لـم تدفع الغرامة في السَّاعة الواحدة، سيظلُّ الدُّكَّان مغلقًا”.
اعتذر جميع الحضور في القاعة للصَّبيِّ وسلَّموه الـمبلغ كاملًا. خرج القاضي من قاعة الـمحكمة، وهو يحاول إخفاء دموعه.
بعد أن سمع الحضور قرار الحكم، كانت أعينهم تفيض بالدُّموع.
أضاف القاضي: “إذا تمَّ القبض على شخص ما يسرق الخبز، فيجب أن يخجل جميع السُّكَّان، والـمجتمع في هٰذِهِ الدَّولة”. (1)
……………………………………………………………………..
1- مقالة (قاض عادل ورحيم! ) / للكاتب القس رفعت فكري / بتصرف .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here