الفكر التنويري الآيل إلى الأفول : كأنما زرعوه في أرض اليباب والقفار
بقلم مهدي قاسم
مقولة ليو تولستوي البليغة :
ــ ” الجميع يفكر في تغيير العالم ولكن ما من أحد يفكر بتغيير نفسه ” ..
جديرة بالتأمل و الصفنة العميقة لأن تغيير العالم يبدأ حقا من تغيير الذات في الدرجة الأولى ، طبعا تغييرا فعليا ، و ليس كلاما فضفاضا و مهلهلا وبنرجسية مضحكة وفضفاضة وعلى طريقة ” طبيب يعالج الناس وهو عليل “، ففي النهاية أن التغيير يبدأ بالسلوك الممنهج الحضاري و الممارسة اليومية و ليس عن طريق إلقاء كلمات معسولة ، تشدقا بتبجح بتثاقف مضلل و لكن بلا طائل ..
فأهمية مقولة تولستوي تكمن في كونها تجعلنا نتذكر ، أنه على الرغم من حملات التنوير والتمدن التي قادها مفكرون و أدباء عرب كبار بهمة و مثابرة – من المشارق إلى المغارب – قد مرت على العالم العربي منذ بدايات الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي واستمرت حتى الثمانيات ، إلا أن الموجات الارتدادية الجماعية و الجماهيرية ” الغفيرة ” المندفعة نحو النكوص والانكماش الديني والتقوقع الطائفي ذات الطابع الإقصائي ، بل و العدواني أيضا ،في العقود الماضية -على صعيد الاحتراب الأهلي ذات الطابع الطائفي مثلا – قد أثبتت كأنما هذه البذور التنويرية والنهضوية قد زُرعت في أرض يباب قاحلة ومتشققة بالمرة ..
وقد حملتها رياح الخماسين بعيدا بعيدا نحو حتفها البطيء !..
أي ..كأنما شيئا لم يكن إطلاقا ..
فلننظر إلى مصر و العراق -مثلا وليس حصرا- من حيث كانتا مركز تنوير عظيم ومشع مهيب في تلك المرحلة من حركة فكرية ــ على فلسفية نشطة ، دراسات مرموقة في حقلي علم الاجتماع و النفس ، فضلا عن أعمال روائية وشعرية و نقدية كبيرة ، و سينمائية بارزة ، و أصوات غنائية أصيلة و مميزة كل بطابعه الغنائي الخاص به ، وترجمات رائعة و رصينة ، كيف انتهى المطاف بمصر من حيث أصبحت مرتعا لهيمنة الفكر الوهابي – على الأخوانجي الإسلامي المشكّل يا لوز !- والعراق كذلك انتهى إلى نفس المصير من الانتكاسة الفكرية والثقافية وتقهر التمدن الاجتماعي ، ولكن بنسخة خمينية من أسلمة سياسية مهيمنة ..