طريق الشباب (حلقة ثقافية)
ـ الصحة والجمال ! (*) د. رضا العطار
من مساوئ مجتمعنا في الوقت الحاضر ان نعد العمل طريق للكسب فقط. ونتمنى لو اننا كنا قادرين على الاستغناء عنه وعلى ان نعيش في بطالة، وهناك من الاثرياء الوارثين من يعيشون في البطالة فخورين بثراهم حتى لينظر اليهم غيرهم من العاملين المكدورين بعين الحسد، يودون لو انهم ايضا كانوا قد ورثوا وقد هنئوا مثلهم بالبطالة.
تعد البطالة في بعض اوساطنا ميزة، اذا لم تكن الفرص تتيح لنا تحقيقها فلا اقل من ان يدفعنا الزهو الى التظاهر باننا قادرون على ان نعيش فيها. حتى لنرى المالك الوارث الذي لا يملك سوى بضعة بيوت، يتباهى ببطالته. ويقضي وقته فراغا كاملا في حركة الجسم والذهن.
انظر الى سيدة البيت وهي تقعد وتتعفن في مقاعدها بلا عمل، اعتقادا منها بان للبطالة حقها الطبيعي. وان العمل والخدمة لم يخلقا لها، وانه ما دام في البيت خادم فانها هي يجب ان تقضي حياتها مرتاحة. في حين يجب على الخادم ان يعمل ويكد.
وكثيرا ما اتأمل هذا الحال واقارن بين الخادمة وسيدتها، فاجد او الاولى تمتاز بالقوام النحيف الجميل في حين ان الثانية تترهل وتستكرش وتلهث لاي مجهود، وذلك لان العمل ينشط الخادمة ويشيع الصحة في جميع اعضاء جسمها، فهي خفيفة متحركة نشيطة، في حين ان البطالة التي تفتخر بها سيدتها تملأ اعضائها شحما وتجعل بطنها يتبعج حتى تزول معالم الجمال فيها. إذ هي كتلة متراصة من اللحم والشحم، ونحن اذا اغفلنا القيم الاجتماعية واعتمدنا على القيم البشرية وحدها لقلنا ان هذه الخادمة افضل من سيدتها.
ولو اننا كنا قد نشأنا على احترام العمل وعلى ان سبب وجودنا في هذه الدنيا هو ان نخدم المجتمع الذي نعيش فيه، لما احتجنا الى الالعاب الرياضية. التي تعوض ما كان يجب ان تؤدي بالخدمة والعمل اليدوي. ولو كانت كل سيدة تمسح منزلها كل يوم وتؤدي واجبات الخدمة لزوجها وابنائها لما اوذيت اعيننا بمظاهر الشحم المتكتل واللحم المترهل لاجسام نسائنا اللاتي فقدن معالم الجمال، لأيثارهن البطالة على العمل المفيد، واعتقادهن انه ليس من واجبهن ان يجهدن ويخدمن.
ليكن لنا مذهب ندعو اليه ونمارسه، وهو ان العمل والخدمة هما الشرف، اما البطالة فهي الضعة والخسة.
* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للكاتب الموسوعي سلامة موسى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط