الإطار المثقوب في عربة السوداني المعطوبة

الإطار المثقوب في عربة السوداني المعطوبة

بقلم مهدي قاسم

يقود رئيس الحكومة محمد السوداني عربة العراق المعطوبة أصلا ب” إطارها ” المثقوب في وسط متشابك من مظاهر الفساد وسوء الخدمات و تصاعد نسبة الفقر بين شرائح و فئات اجتماعية عديدة ، إضافة إلى تفاقم نسبة البطالة المتضخمة سنة بعد أخرى و التهرؤ الحاصل والمتواصل في البنى التحتية و باقي مرافق الدولة ، بما في ذلك شبكات الصرف الصحي المطمورة والمسدودة بالنفايات وتزعزع الجسور وخطورة انهيارها المحتمل ، و الطرق والشوارع ذات برك و حفر و باتت بمثابة كمائن قاتلة حيث لا يمر يوم دون حدوث حوادث مرورية مخلفة عددا من ضحايا يوما بعد يوم .:

فأعداد ضحايا حوادث المرور قد تبلغ سنويا عشرات آلاف بسبب سوء الطرقات العامة المتصدعة و المكتظة ببرك وحفر عميقة وممسوحة المعالم ..

دون أن نضيف مظاهر الجفاف و التصحر الزاحفة من كل حدب و صوب ،ناهيك عن عملية التعطيل المتعمدة لقطاعي الزراعة والصناعة بهدف فتح أسواق العراق الكبيرة أمام بضائع الجارة “أرجنتين ” و غيرها ..

ولكن الأخطر من كل ذلك ، هو الانحدار بالمستوى التعليمي إلى أسوأ وأردأ مستوى كارثية على الإطلاق ، و الطامة الكبرى أن تشمل عملية الرداءة و السوء هذه بعضا من مدارس وجامعات أهلية أيضا ، و التي يدفع طلبتها أقساطا سنوية كبيرة من النقود بهدف الدراسة والتأهيل المهني وأن كانوا في النهاية يحصلون على شهادات” جامعية ” ولكن بدون أي تأهيل مهني او اختصاصي ذات فائدة تُذكر ..

حيث بعضهم لا يستطيع التمييز بين المرفوع والمنصوب وهو خريج قسم اللغة العربية !!..

غير إن الوضع الصحي المتدهور أكثر كارثية من أي شيء آخر ، إذ إن بعض المستشفيات الحكومية تكاد أن تكون بمثابة طعنة رحمة موجهة إلى المريض الذي يذهب إلى هناك من أجل علاج جيد وشفاء منشود ومأمول ولكنه يخرج من هناك أما نصف محتضر أو ميتا بسبب عدم تشخيص أمراض المريض تشخيصا جيدا وفي الوقت المناسب أولا ، و إعطاء دواء أو علاج أما فقد صلاحيته أو لم يعد فعّالا بالمرة ، علما أن المريض في أغلب الأحايين يشتري الدواء من ماله الخاص ليتضح فيما بعد أنه دواء ليس بنافع أو مفيد صحيا بل ولا مناسبا قطعا ، فيمضي الوقت و يتفاقم المرض إلى حد يؤدي إلى وفاة المريض في نهاية المطاف ، ولأن المواطن العراقي فقد ثقته بمستشفيات الدولة فأنه يأخذ مريضه إلى المستشفيات الأهلية التي هي ليست بأفضل أحوال في كثير من الأحيان من مستشفيات الدولة فيبدأ الأطباء بكتابة أدوية عديدة له ويرسلونه إلى الصيدلي المتواطئ معهم ولكن بلا جدوى فأن حالة المريض لا تتحسن بل تتدهور نحو أسوأ ، فيذهبون به إلى طبيب آخر الذي يقول أن الأدوية التي أوصى بها الطبيب السابق ليست جيدة أو مناسبة لعلاج المريض فعليهم أن يشتروا أدوية جديدة من الصيدلية الفلانية التي من المحتمل جيدا مقابل إن يتقاسم معه الصيدلي الصيدالية تحديدا بعضا من المال !من جراء شراء الأدوية تلك !..

هكذا إلى ما لا نهاية إلى أن يفوت الأوان و يتوفى المريض و كأن شيئا لم يكن ..

فما أقوله هنا ليس قصة خيالية أو عن سمع إنما عن تجربة و ذات صلة مباشرة ، إذ لقد ماتت ابنة شقيقي ــوهي شابة بعد ــ بعدما تأخروا في تشخيص مرضها ، كذلك الأمر تماما لشقيقتي و كذلك زوج شقيقتي الثانية حيث توفيا بسبب التأخر في تشخيص مرضهما وكذلك بسبب عدم العلاج الجيد والمناسب الفعّال ..

اضمحلال الدولة في بوتقة المليشيات والعشائر :

قد لا نبالغ إذا قلنا أنه لم يعد للدولة العراقية أي وجود قوي كمؤسسة رسمية و قانونية و قوة معتبرة و ضاربة لفرض القانون والسيادة، إلا شكليا فحسب ، فقد أخذت الدولة العراقية تضمحل وتتلاشى بين سنداني المليشيات و الطغيان العشائري ذات النزعة الهستيرية و العنجهية المنفلتة والتي أخذت تفرض سطوتها المليشياوية أو قانونها العشائري هي بالذات ، لذلك فيخاف شرطي المرور ـ مثلا ـ من محاسبة المتجاوزين للأنظمة المرورية ، ونفس شيء يمكن أن يُقال عن المعلم أو الموظف أو غير ذلك ..

عندما أصبح مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة قام هو الآخر ببعض الإجراءات الإيجابية القليلة ، — حاله حال أقرانه السابقين من رؤوساء حكومات المنطقة الخضراء ــ ومن جراء ذلك عولوا عليه كثيرا ولكنه سرعان ما خذلهم ، بتركيزه على البروباغندا لنفسه دون أن ينفذ أيا من وعوده ، فها السوداني يعمل نفسه شيء ، أي القيام بدعايات أوإجراءات استعراضية لإعطاء انطباع من يريد التغيير ــ كما فعل مصطفى الكاظمي ــ ولكن بمزيد جعجعة وقليل من طحين ــ كما يُقال .

يبقى أن نقول أن التغييرات الكبيرة تبدأ ــ عادة ــ من أشياء صغيرة : تحسين الخدمات ، إنشاء شبكة واسعة من استثمارات نزيهة لتوفير فرص عمل للعاطلين ، تحديث البنى التحتية وباقي مرافق الدولة ، التركيز على الزراعة وتشجيع الفلاحين وأهل الريف والقرى من خلال دعم منتوجاتهم الزراعية فضلا عن الصحة والتعليم ..

طبعا محمد السوداني يعرف جيدا هذه الأمور المتعلقة بضرورة القيام بعمليات التطوير والتحديث ، مثلما كان مصطفى الكاظمي يعرف أيضا ، و كذلك عادل عبد المهدي وحيدر العبادي ونوري المالكي ، ولكن بما أنهم ، هم مَمِن أسسوا أو ساهموا في بناء هذا النظام الطائفي الفاشل والفاسد المشوّه ، فأنهم لن يهدموه لكونهم من بنائيه العظماء !! ..

فبعض الناس ــ عادة ــ لا يهدم ما بناه عن قناعة أو بدافع مصلحة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here