عصام الياسري
لقد عمد قادة الأحزاب، الشيعية والسنية والكردية، منذ استيلائهم على السلطة بطريقة يشوبها الكثير من العيوب القانونية ودستور غير شرعي وضعته أيادي غير عراقية دون استفتاء شعبي عام. إلى التظليل وإشاعة الفوضى السياسية الخلاقة بشكل منظم جعلت المواطن لأن يكون لفترة طويلة مضطرا للقبول بالأمر الواقع، أقرب لأن يوصف بعبد لا سيد نفسه. يحق له أن يقرر مصيره أو يرفض حكما مستبدا يسلبه مستقبله وقيم الحياة بطريقة تتعارض مع المفاهيم الإنسانية والأخلاقية. بل تميز الوضع مع الزمن وفقا لنظرية “التوازن الفعال” التي يتعكز عليها أصحاب السلطة بثلاثة أشكال سلبية خطيرة “الطغيان وحكم الأقلية والطائفية” بحالة أشبه بجحيم الدنيا قبل الآخرة.
وبات واضحا بأن الفوضى السياسية في العراق هي نتيجة ممارسات متأصلة في عقول طغمة مافيوية فاسدة لا تفهم في السياسة شيئا، وصلت إلى دفة الحكم في لحظة لم تتوقعها، وان الأحزاب التي تنتمي إليها ما هي إلا شركات عصبوية. بيد أن النظام الطائفي الذي ولد من رحم العملية السياسية الفاشلة التي أسسها المحتل الأمريكي، لم يأت لحد اللحظة بمجلس نيابي، يشهد له بالنزاهة والإخلاص والمهنية والروح الوطنية. بل يخضع لإرادة طغمة همها الاستئثار بالمقعد البرلماني بأي ثمن. لتستطيع ممارسة الاحتيال المنظم واستباحة القانون كما تشاء واستغلاله لاتهام أي حراك يدعو للإصلاح بالخيانة. وفيما يتعلق الأمر بتحقيق العدالة وحكم القانون والحفاظ على المصالح الحصرية والعامة للدولة والمجتمع، فطالما تتمرد على كل هذه القيّم بشكل يتعارض مع مبادئ النزاهة وأداء القسم.
في فلسفة السياسة لا يهم بأي يد تكون السلطة ما دام الوصول للحكم بطريقة شرعية وفق قانون انتخاب عصري ودستور حضاري يضمن حقوق المواطنين وصيانة كرامتهم دون تمييز، كما ويلامس مصالح البلد العليا. فيما تتضاءل القوة المفرطة ويحترم مبدأ سيادة العدل والمساواة بحق المواطنين في أي ناحية وتحت أي ظرف كان… إن ما حدث ويحدث خلال التظاهرات من صدامات دامية يذهب ضحيتها المئات من القتلى والجرحى، في بلد كالعراق، لم تهز قطعاً ضمائر المسؤولين في إدارة الدولة، بل لم يتحر أحداً عن مَن قام مطاع بممارسة تلك الجرائم، فتركوا انطباعا وكأنهم سعداء لسيل الدماء.
في ظل وضع سياسي معقد كالذي يمر به العراق منذ أكثر من عشرين عاما حيث لم يحصل المواطن على أبسط حقوقه. خرج المتظاهرون للشوارع احتجاجا على سوء الأوضاع وانعدام العدل وغياب دولة المواطنة والسلم الأهلي وحرية التعبير، دون جدوى. وعلى ما يبدو ليس هناك سبيلا أمام المحتجين على سوء إدارة الدولة والفساد، إلا الاستمرار بالتظاهر، الوسيلة الوحيدة لانتزاع الحقوق من يد طغمة لا تفهم إلا لغة العنف والتسويف. وعليهم أن لا يرتعشون أمام سكين الجزار، وأن يدركوا بأن، لا السوداني، ولا غيره من يكون في السلطة، قادر على الإصلاح أو التغيير، لأن الجميع متورطون ويتبادلون الأدوار لأجل مصالحهم المصيرية.. ولابد من التذكير: بأن الواقع السياسي للأحزاب والقوى الطائفية عندما ترتكب الخطايا، الجور والفساد وأعمال الخبث والقهر والدماء، لا تثنيها أي قيم، بل لا تجد أسهل من ممارسة الاتهام تحت ذريعة: من يقف ضدنا فهو متآمر!!.
إن كسر حاجز الخوف ومواجهة نمط حكم غير تقليدي وعقد سياسي سيئ في بلد تحكمه رؤوس خاوية لا هم لها إلا مصالحها. ومجلس نواب ليس لديه القدرة لأن يكون أساسا لبناء الدولة وحل مشاكلها الأساسية وإعادة إنتاجها. يقتضي، إنتاج قوى جديدة على المسرح السياسي من خبراء ومستشارين ضليعين في علم السياسة والاقتصاد والقانون، همهم في الدرجة الأساس مصالح الشعب والوطن وليس فئة أو حزبا أو طائفة. يكون بمقدورها تغيير اتجاه البوصلة السياسية ومواجهة مَن لا للمجتمع العراقي ثقة به بكل صدق وأمانة.
وإذا كانت مواقف بعض القوى والأحزاب السياسية العراقية المعارضة لنظام الحكم، كما تستبينه تجارب التحالفات السياسية خلال العقود الستة الماضية “متباينة أيديولوجيا”، أسفرت عن فشل في سلوك طريق التغيير والإصلاح لمقتضيات سياسية وحزبية ومصالح شخصية. فأن لنتائج التباين والإختلاف في المضمون والتداعيات في مراحل حاسمة عدة، أضرت بالبلد ومصالح شعبه. من هنا، لعل على العراقيين، والمقصود هنا “الأغلبية الصامتة”، ضبط إيقاع موقفهم على نحو صريح ومسؤول وجمعي. وأن يقرروا فيما إذا يريدون حقاً الإستمرار على هذا النهج وترك الأوضاع تسير على هذا النحو حتى يخسر الجميع الأرض التي يعيشون وينعمون فيها. أم أنهم على استعداد للتضحية لأجل إنقاذ ما تبقى من لمسات انتماء للعراق وتربته.. فالحكمة بالنوايا والمقدر والإصرار، لا البحث عن البديل بالتمني وعض الأصابع .