علاء كرم الله
حتى نختصر قيمة المعلم في هذا الوجود يمكننا القول أن كل هذه العلوم والأكتشافات والاختراعات وحركة التكنلوجيا ، وتقدمها السريع المذهل في هذا العالم ، لا شك ورائها علماء وعباقرة ومهندسين وأطباء وأساتذة في كل مجالات العلوم والمعرفة ، ولكن وراء كل هؤلاء بمجموعهم وأختلاف علومهم وتخصصاتهم يقف شخص واحد أسمه المعلم! ، فحول هذا الكائن الحي البسيط المتواضع تدور وتلتف وتتجمع كل علوم الدنيا ومعارفها وقصصها. وأذا شهدت وعرفت وسمعت عن أمة نهضت وتقدمت وبدأت بصعود سلم المجد والرقي والمعرفة فأعرف بأنها عرفت قيمة المعلم وقدره وعلو مكانته وأعطته ما يستحق وأجزلت له العطاء . أقوال كثيرة قيلت بحق المعلم والتعليم أخترت منها ما قاله الملك فيصل الأول رحمه الله ملك العراق أذ قال : (( لو لم أكن ملكا لكنت معلما)) ، وكذلك أعجبني قول الروائي الكبير الراحل ( نجيب محفوظ) ، الذي قال: ( يمتلك المعلم أعظم مهنة أذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى)) . أذا نفهم من ذلك أن رفعة الأمم وتقدم ورقي شعوبها يكون بتقدير المعلم وأعطاءه مكانته التي يستحق في المجتمع . لم يعد خافيا أن مستوى التعليم في العراق بكل مراحله من الأبتدائية الى الجامعة ، أصابه الأنحطاط الرهيب حتى خرج من التقييمات الدولية لمعرفة جودة التعليم في هذا البلد وذاك! ، وقصة أنحطاط التعليم وتشوهه وضعفه هو لم يكن خطأ عابر يمكن أعادة تقييمه ووضع البرامج الجيدة له لأعادة نهوضه من جديد ، لا أبدا أبدا ، أن انحطاط التعليم وتدميره وتحطيمه في العراق هو عمل مبرمج ومتقن وبتفنن عالي من قبل كل قوى الظلام التي لا تريد الخير للعراق وشعبه أن ينهض من جديد وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا وكل الدول التي مدت يد الشر لها لتدمير وتحطيم الأنسان في هذا البلد ، ومن الضروري أن نذكر هنا ما تحدث به السيد (زيدان) وهو أحد الأساتذة التربويين على أحدى الفضائيات عند زيارته لعدد من المدارس في محافظة المثنى (السماوة) ، حيث زارها برفقة مدير مكتب المحافظ وأنصدم عندما عرف أن التلاميذ في أحدى المدارس الأبتدائية !!!! نعم الأبتدائية يتعاطون الحشيشة والمخدرات في الحمامات!!!! ، وعندما سأل مدير المدرسة عن ذلك ، قال (أنه وبصعوبة بالغة منعت ذلك ولكن لم يكن منعا كافيا ، حيث لا زالت الحالة موجودة ولكنها أقل!!)). نعود الى صلب مقالنا ، فأمام أقوال الملك فيصل الأول ، والروائي نجيب محفوظ ، توجد مقولة أقوى وأكثر تأثيرا ، وهي صارت عنوان لثقافة المواطن العراقي ومنهجا لحياته اليومية وهي (( من أمن العقاب أساء الأدب)) ، نعم هذا هو الموجود الآن في العراق! وهذا هو النهج الذي يسير عليه غالبية العراقيين في حياتهم ومع الأسف! ، هذه المقولة البسيطة بكلماتها الخمسة! ، كافية أن تحطم بلدان وشعوب ، وبهذه العبارة وبكلماتها الخمسة أنفلت كل شيء بالعراق!! . أن حوادث الاعتداء على الهيئات التعليمية ليس جديدا بالعراق بل هو ومع الأسف صار مشهدا مألوفا عابرا !! تعرضه الفضائيات ، بين فترة واخرى خاصة في المحافظات العراقية التايهة ثم يطويه النسيان !! دون أن يكون هناك أية موقف من الحكومة والوزارة ولا النقابة! ، وكم من مره عرضت لنا الفضائيات حوادث الاعتداء على هذا المعلم وتلك المعلمة في هذه المدرسة وتلك (أعتداء وأهانة وضرب وسب وفشار)! ، حيث يقوم ولي أمر الطالب والطالبة بفزعة عشائرية وهجوم كاسح على المدرسة التي فقدت حرمتها وقدسيتها للأعتداء على الهيئة التدرسية لأنها رسبت أبنها أو أبنتها وهكذا في منظر لا يفسر ألا بالأستهتار بالقانون والتجاوز على المحرمات وضياع القيم والمباديء وعدم الخوف من الدولة بكل أجهزتها ، والأهم في صورة المشهد هو جبن وخوف الحكومة ووزيرها المختص عن عمل أي شيء وردع مثل هكذا تصرفات وسكوتهم تماما عن ذلك لأسباب مجهولة!!؟ . المصيبة في الموضوع أن القنوات الأعلامية ، تظهر جانب واحد من المشكلة وهو الجانب السلبي من الأعتداء والتجاوز والأهانة!، فكأنها تشارك من حيث تدري ولا تدري!! ، في أيصال الرسالة التي يراد أيصالها للجميع من قبل قوى الشر والظلام ، بأن هذا هو واقع التعليم في العراق وأن من يتسبب برسوب الطالب أو يتجاوز عليه يعرض نفسه وعائلته وبيته للخطر!! . واذا كنا نتحدث عن حوادث مضى عليها بعض الوقت وطواها النسيان! ، فلا بد من أن نذكر حادثة الأعتداء الأخيرة (( التي عرضتها فضائية الشرقية قبل أسبوع) ، والتي تعرض لها أحد مدراء المدارس ومعه أحد المدرسين من أعتداء مرعب ورهيب ومخيف ، كاد يودي بحياتهم! حيث أظهرت كاميرات المراقبة في المدرسة مشهد هجوم أكثر من ثمانية أشخاص وهم يحملون (الهراوات والتواثي وهيم الحديد والعودان) على أدارة أحدى المدارس في بغداد وانهالوا على مدير المدرسة وهو بعمر السبعين سنة!! ، وعلى أحد الأساتذة بالضرب العنيف وبكل قسوة ، والذي أدى الى كسور في عظم الترقوة لمدير المدرسة وكدمات في انحاء الجسم ، و6 خياطات بالراس ، والمدرس الاخر تعرض الى كدمات قوية وجروح في ظهره وعدد من الخياطات في رأسه) ، المؤلم أن مدير المدرسة تحدث الى مراسل الشرقية وهو يقول له ، أنا كنت أبكي بحرقة!! ، أهكذا يستحق المعلم أهكذا نهان؟ ، أن أهانتي معناه أهانة للجميع ، ثم قال ، هل يرضى رئيس الحكومة أن يداس رأسي تحت القنادر!! ، ثم وجه نداء أستغاثة الى رئيس الحكومة ووزير التربية لأخذ حقه!!؟ . المشهد صار حديث الشارع وحقيقة لو كان هناك شيء من العدل في هذا البلد الظالم أهلها!! وفضائيات تحمل شيء من المصداقية في عملها لجعلوا منها قضية رأي عام!! ، ولكن مع ممن تتحدث؟ . نأتي الى الجانب المهم في الموضوع ، ولنسأل : هل أستجاب رئيس الحكومة الى نداء مدير المدرسة؟ وماذا فعل وزير التربية ؟ وأين نقابة المعلمين من ذلك؟ أقول : أن كانوا علموا بالحادث وسكتوا وتم تسويفه كالحوادث الكثيرة التي سبقتها لأسباب مجهولة فتلك مصيبة؟ وأذا كان قد تم فعلا أجراء اللازم بالأمر وتمت المتابعة والتحقيق بالموضوع من قبل الجهات الحكومية ( رئيس الوزراء ووزير التربية ، ونقابة المعلمين) ولبوا نداء الأستغاثة ، (( من باب الأفتراض ، ولو هذا مستبعد!!)) ، وتم جبر خاطر مدير المدرسة وزميله وتم اتخاذ الأجراءات القانونية بحق أهل الطالب اللذين قاموا بالهجوم والأعتداء ، ولكن لم يتم عرض ذلك أعلاميا من قبل الفضائيات ، فهنا المصيبة تكون أكبر وأشد !! ، وعندها يكون هناك يقين مؤكد ، بأن المراد هو أرسال رسالة الأعتداء فقط ! لنشر الرعب والأنفلات وتخويف الهيئات التعليمية بالمدارس كافة ولكل مراحل التعليم ، وهذا هو المطلوب وما تريده قوى الشر الخفية التي تدير العراق وتحكمه من خلف الأسوار. أخيرا نقول : عندما يداس رأس المعلم تحت أحذية مجموعة من الجهلة والأميين والخارجين عن القانون والذين هم وأمثالهم ومع الأسف تسيدوا على البلاد والعباد في هذا الزمن الأغبر ، وتصمت الحكومة عن ذلك؟! رغم مناشدة مدير المدرسة لهم ، فأي مصيبة وأي كارثة نعيش؟! ، وماذا بقي للمعلم وماذا بقى للعلم؟! . لله الأمر من قبل ومن بعد.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط