محمد شياع السوداني و.. أجاثا كريستي !
بقلم مهدي قاسم
في إحدى روايات أجاثا كريستي ــ عذرا لا أذكر عنوانها في ههذ اللحظة ــ تلتقي في ليلة باردة و ممطرة عاصفة ، مجموعة أشخاص مجهولين في إحدى القصور في ملابس أنيقة و سلوكيات لبقة ومهذبة من طراز الصالون الارستقراطي !، وهم أصلا لا يعرفون بعضهم بعضا أو على الأقل هكذا يبدو الأمر للوهلة الأولى ، ثم يتضح فيما بعد ، عبر تسارع و تطور الأحداث بأنهم كلهم لصوص ومجرمون لتورطهم في ارتكاب الجريمة ..
خطرت على بالي أحداث هذه الرواية و أفعال شخوصها اثناء قرائتي كلمة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني التي ألقاها في مناسبة عقد مؤتمر بغداد الدولي الأول لمكافحة المخدرات وهو يؤكد من خلالها :”
ــ ” أن العراق يخوض حرباً ضد المخدرات، لافتا إلى أنها لا تقل خطورة عن مواجهة الإرهاب ــ ثم يضيف : قضية المخدّرات باتت تهدد المُجتمعات، وخطرها يهدد كيانات الدول *” ..
فالذين يرّجون ويتاجرون بالمخدرات ويحمون المتاجرين بها ، ربما بعضهم موجود حتى في المنطقة الخضراء ..
بمعنى أن السوداني يشخّص معالم الجريمة و تأثيراتها السلبية والمدمرة على المجتمع والناشئة ، وهو تشخيص بات حتى اغلب الناس البسطاء على بينة من أمره ، إلا أنه لا يجرؤ على تشخيص شبكة الإجرام المنظمة و المتاجِرة بالمخدرات و كذلك في عملية ترويجها وانتشارها في جميع مناطق العراق، ولكن بالأخص عدم كشف هوية المشتركين والضليعين ــ محليا ــ من عصابات منظمة ومتداخلة ومتشابكة مع الميليشيات المسلحة ، فضلا عن دول مجاورة ــ كإيران مثلا وليس حصرا ــ التي تأتي كميات المخدرات وغيرها من حبوب وكبسولات مماثلة من معابر حدودها ، بأطنان و بضمانة و حماية ميليشيات متنفذة و غيرها ..
وليست مصادفة أن تجارة المخدرات رائجة ومزدهرة في كل من العراق و سوريا و لبنان ، حيث ثمة ميليشيات مسلحة مهيمنة على مقاليد الأمور والتي تحصد ملايين دولارات ليس لنفسها فقط ، إنما للمسؤولين المتنفذين في هذه الدول التي تعاني من شحة العملة الصعبة بسبب العقوبات الاقتصادية …
إذن فلا معنى لآهات التي يطلقها رئيس الحكومة سواء بصدق أو تضليلا ، بخصوص خطورة المخدرات على أحوال العباد والبلاد / فاغلب الناس يدرك ، يعرف ، يحس بتلك الخطورة الكارثية على الأمن الاجتماعي ، إنما العبرة في الموقف الصادق والمخلص من ناحية تفكيك هذه الشبكات الإجرامية المتاجرة بالمخدرات و تصفيتها ، عبر إجراءات مكافحة جدية وهادفة صارمة ، بغض النظر عن نفوذ بعض الساسة الفاسدين أو الميليشيات المتواطئة أو المتعاونة مع هذه الشبكات الإجرامية ..
يبقى أن نقول ـ و بدافع إنصاف وقول كلمة حق إنه : بالرغم من الحصار الاقتصادي القاسي الذي فرُض على النظام السابق مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي وتاليا تدني المستوى المعيشي للناس ، فضلا عن شحة العملة الصعبة فأن هذا النظام الديكتاتوري لم يحاول الاستفادة من تجارة المخدرات ، تعويضا او للحصول على العملة الصعبة ــ إنما استمر في مكافحة المخدرات مكافحة جدية و بعواقب وخيمة ــ عقوبة الإعدام على المُدان بالمتاجرة بالمخدرات ــ لهذا فقد كان وجود المتعاطين المخدرات والمدمنين عليها في ذلك الحين ، قليل جدا و لحد هامشي فعلا ..
* كلمة السوادني : نقلا عن صحيفة صوت العراق
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط