بوتين سيخسر معركة الأرض كما خسِر معركة الطاقة

بعد أن إبتعد الغرب عن النفط والغاز الروسي، يرى رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، بأن روسيا قد ضعفت بشكل كبير وطويل الأمد. فقد صرح لصحيفة ليبراسيون الفرنسية في باريس قبل شهرين: “إن روسيا خسرت معركة الطاقة”.

فقد تراجعت صادرات النفط والغاز الروسية بنسبة 40% منذ بداية حربها العدوانية على أوكرانيا، ومعها دخل روسيا من هذه الصادرات، الذي إنخفض بشكل كبير مقارنة بالعام السابق، بالإضافة إلى نقص بنسبة 46% في فبراير مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وكذلك في مارس وأبريل مقارنة بنفس الأشهر من العام الماضي. وأوضح بيرول أن هذه مجرد البداية، لأن حقول النفط والغاز الروسية معقدة تقنياً وجيولوجياً. لذا كانوا دائماً بحاجة إلى الدعم التكنولوجي من الخبراء الأوروبيين الذين إنسحبوا من روسيا، وتبعاً لإنسحابهم ستتراجع كفاءة هذه الحقول، وهؤلاء لا يمكن إستبادالهم بالخبراء الآسيويين بسبب طبيعة الأنظمة والأجهزة المستخدمة، كما أنه لا يمكن لروسيا أن تستبدل أوروبا، التي كانت ذات يوم أكبر زبون لديها، بآسيا!

ألمانيا مثلاً إستعاضت بشكل شبه كامل عن إمدادات الغاز الروسي، عِبر إستيراد الغاز من النرويج وهولندا وبلجيكا منذ نهاية أغسطس 2022. فقد إستوردت ألمانيا صافي متوسط شهري قدره 77 تيراواط/ساعة شهرياً من الغاز الطبيعي منذ بداية عام 2017 إلى نهاية فبراير 2022، والذي تم استخدامه للإستهلاك والتخزين. في المقابل بلغ صافي الواردات من سبتمبر 2022 إلى نهاية يناير، أي بدون شحنات الغاز الروسي 72.7 تيراواط/ساعة شهرياً. بالإضافة إلى حوالي 4 تيراواط من الغاز الطبيعي المسال من محطات الغاز الجديدة على السواحل الألمانية في يناير.

وفي بيانه الحكومي مطلع هذا العام، قال المستشار الألماني شولتز أمام أعضاء البرلمان الألماني “البوندستاغ”: “لقد تجاوزنا الشتاء بشكل جيد، بدون إمدادات الغاز الروسي. كان هناك حديث في السابق عن شقق باردة، وإجبار للمصانع على الإغلاق وتوقف للإنتاج، وشتاء غاضب، لكن لم يحدث شيء من هذا. ومرافق تخزين الغاز لدينا ممتلئة حالياً بنسبة تزيد عن 70%، وهي إشارة جيدة الى أننا سنتجاوز الشتاء القادم أيضاً بأمان”. من جانب آخر أشار الى إنشاء محطات لاستيراد الغاز الطبيعي المُسال في ألمانيا بسرعة قياسية، مشدداً على ضرورة الحِفاظ على سرعة ألمانيا الجديدة بإتجاه التحول الصناعي التكنلوجي وتوسيع الطاقات المتجددة، إذ صَرّح قائلاً: “يجب مضاعفة التوسع في الطاقات المتجددة. فألمانيا تنتج حالياً 50% من الكهرباء تقريباً من الطاقات المتجددة، ونُخطط الى أن يصل هذا الرقم الى 80% بحلول عام 2030. وقد أزلنا العقبات البيروقراطية أمام التوسع، وإتفقنا على أهداف واضحة مع الولايات الفيدرالية، لأن التوسع في مصادر الطاقة المتجددة أصبح الآن منصوصاً عليه قانونياً بإعتباره مصلحة عامة لها الأولوية”. ألمانيا تسير أساساً بهذا الإتجاه قبل الأحداث الأخيرة بسنوات، لكنه بات الآن أكثر أهمية وإلحاحاً.

وفيما يخص موضوع الحرب، قال المستشار شولتز أن حسابات بوتين كانت خاطئة، ولم يكن يتوقع أن يطول أمد الحرب في أوكرانيا، موضحاً أن مبدأ وقف تسليم أوكرانيا أسلحة سيكون تشجيعاً لـ”المعتدي” على الإستمرار في عدوانه. مشدداً على ضرورة الحفاظ على نظام السلام الأوروبي، من خلال عدم السماح لإمبريالية بوتين أن تسود، مؤكداً على أن بوتين يخطئ التقدير عندما يعتقد ان الوقت يلعب لصالحه، ورافضاً لسلام وفقاً لإملائات روسيا. وأضاف قائلاً: “كلما أسرع بوتين في التخلي عن أهدافه الإمبريالية وفهِم أن المجتمع الدولي لا يتسامح مع خرقه للقانون الدولي، كلما زادت فرص إنهاء الحرب”. مشيراً الى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس، مَثّل رسالة واضحة من المجتمع الدولي إلى بوتين مفادها “إسحب قواتك، عندها ستنتهي هذه الحرب فوراً”. فإنسحاب القوات الروسية بات بالنسبة لأوروبا أمراً مفروغاً منه لتحقيق سلام عادل في أوكرانيا، الى جانب التباحث مع كييف حول طبيعة الالتزامات الأمنية التي تحتاجها كضمان، والتي سيتم وضعها من موقع قوة يَفتَرض مسبقاً أن أوكرانيا تدافع عن نفسها بنجاح، وستنتصر في هذه الحرب.

بعد أن تحَرّرَت أوروبا من إعتمادها على النفط والغاز والفحم الروسي في حركة سريعة، وسِباقها مع الزمن لتطوير نظام صناعي مُحايد مناخياً. في الوقت نفسه، فإنها تسير بخطى حثيثة نحو أوروبا جيوسياسية قادرة على المنافسة دولياً، وتسعى الى أن تؤكد نفسها كقطب أساسي في عالم متصارع الأقطاب، بدعم من أمريكا، التي يبدو أنها باتت ترى أن تحول حليفتها أوروبا الى قطب هو الحل الوحيد والأمثل والأفضل لمَنع تغَوّل أقطاب تقودها أنظمة شمولية، عَدوة وخطيرة على الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

مصطفى القرة داغي
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here