صعود القضية الفلسطينية بين المد القومي و هبوطها عند انتشار المد الإسلامي !

صعود القضية الفلسطينية بين المد القومي و هبوطها عند انتشار المد الإسلامي !

بقلم مهدي قاسم

لا يمر يوم دون سقوط العديد من الفلسطينيين المنتفضين شهداء برصاص قوات الاحتلال ، حتى باتت أخبار استشهاد الفلسطينيين من الأخبار المألوفة والعادية مثل أخبار الأنواء الجوية مثلا ، وليس هذا فقط ، إنما تأتي هذه الأخبار في آخر قائمة الأخبار في الجرائد والمواقع والفضائيات العربية .

في مقابل هذا ، نجد موقفا لا مباليا ، متسّما بعدم اكتراث من قبل الشارع العربي بالمقارنة مع العقود الماضية ..

و حسب تصوري أن مرحلة اللامبالاة هذه بدأت بعد سقوط ما تسمى بالأنظمة القومية وخاصة بعد وفاة جمال عبد الناصر ليحل محله أنور السادات ذات جذور أو ميول إخوانية ، ثم شيئا فشئيا تساقط باقي هذه النظم ” القومية ” في أعقاب ما تسمى بـ انتفاضة الربيع العربي التي أضحت فيما بعد إنها في حقيقة كانت أو بمثابة خريف الخراب العربي بامتياز، لتحل محلها أنظمة إسلامية ذات خلطة ديكتاتورية على فاشية هجينة لا تقل شراسة عن النظم القومية السابقة ..

هذا يعني ــ حسب تصوري ــ إن حسنة الأحزاب القومية الوحيدة كانت تكمن في كونها استمرت تضخ الوعي العربي بالحس القومي أولا و بأهمية وعدالة القضية الفلسطينية ثانيا ، كقضية العرب الأولى ثالثا ، ( حتى ولو كجعجعة بلا طحين ) فبقيت القضية الفلسطينية من خلال كل هذا الضخ الإعلامي والاستنفار السياسي الدائمين قائمة ، شاخصة ، تعلن عن نفسها ــ يوميا و عبر عقود طويلة ــ مثل رنين نواقيس تدق في كاتدرائية الوعي الجمعي للشارع العربي ، بالأحرى ، في الذاكرة اليومية بسخونتها أحداثها الدامية ..

صحيح أنه بعد المد الإسلامي قام النظام الإيراني بدعم القضية الفلسطينية عبر قنوات حركة حماس الإخوانية ، إلا أن هذا الدعم الإيراني لم يكن نابعا من موقف مبدئي في الدرجة الأولى ، بقدر ما كان يجري بدافع استغلال القضية الفلسطينية النشر النفوذ الإيراني في المنطقة ..

دون أن ننسى الإشارة إلى إن بعض الأنظمة الخليجية لعبت دورا متواطئا في امتصاص و تفريغ القضية الفلسطينية من توهج حيويتها المتواصلة في الشارع العربي ، وجعلها قضية هامشية من خلال الانفتاح السياسي والتجاري والدبلوماسي على إسرائيل لتحذو حذوها أنظمة عربية أخرى ..

وهكذا نجد كيف تغلب الوعي الديني على الوعي القومي ، على حساب تهميش القضية الفلسطينية و تحييدها إلى حد كبير ..

يبقى أن أقول إنه في الثمانينات من القرن الماضي كنت أعمل صحفيا ــ محررا ثقافيا ــ في صحف لبنانية وفلسطينية في بيروت الغربية ــ حينذاك ــ وقد كانت القضية الفلسطينية بقيادة المقاومة التحررية في أوج ازدهارها الثوري من حيث كانت تضم إلى جانب الفلسطينيين لبنانيين وعراقيين وسوريين وسودانيين و توانسة وحتى موريتانيين وارتينيين أيضا ، إلى جانب بعض الأوروبيين والأوربيات على حد سواء..

و أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت كانت الشوارع العربية تجيش و تفور بمظاهرات حاشدة ، فضلا عن تدفق متطوعين جدد ، تضامنا مع المقاومة الفلسطينية التي كانت تقاوم الزحف الإسرائيلي مقاومة جبارة بحيث لم تستطع إسرائيل احتلال بيروت إلا بعد خروج المقاومة من لبنان ، طبعا بعد ضغوط بعض النظم العربية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here