علاء كرم الله
لا شك أن عنوان المقال سيكون صادما للقاريء! ، رغم أن شخصية ساسون حسقيل الذي تقلد الكثير من المناصب أبان العهد الملكي في العراق ، أهمها وزارة المالية ، هو شخصية معروفة بنزاهته ووطنيته لدى غالبية العراقيين وسمعوا عنه الكثير على أختلاف أعمارهم وثقافاتهم وتوجهاتهم ( ولأننا نعيش في زمن اللانزاهة واللاوطنية ، فمن الطبيعي أن يثير أعجاب العراقيين وأنتباههم وتساؤلهم ، عند سماعهم وجود مثل هذه الشخصية الوطنية والنزيهة تقوم بخدمة العراق ، والمفارقة الأغرب عندما يكون هذا الشخص يهوديا!!) ، ومن الجديرهنا أن أشكر الدكتورة ( نور العبدلي ، وكذلك الدكتورأبراهيم العلاف أساتذة التاريخ ، بما كتبوا عن ساسون حسقيل) . ندخل الى صلب المقال: فما أن يذكر أي شيء أو حدث في تلك الفترة ألا وكان لساسون حسقيل رأي ومناقشة فيه خاصة أذا كان الأمر يتعلق بالأمور المالية وبالمال العام يعني فلوس (الحكومة والشعب)!، وذلك لنزاهة هذا الرجل وحرصه على المال العام بشكل يفوق التصور حتى قيل في حرصه الكثير من القصص! ، حيث كان لا يجامل في موضوع المال العام ، ملكا أو أميرا أو وزيرا! من النخبة السياسية الملكية الحاكمة التي كانت تحكم العراق ، ونفس تعامله هذا كان مع الأنكليز أنفسهم! صاحبين الحل والربط في أمر العراق! ، حتى قيل أن الأنكليز كانوا ينزعجون منه ، ولا يرغبون حضوره في أية لقاء ومفاوضات مع الحكومة العراقية ، لشدة حرصه على المال العراقي!! ، وخاصة عندما فاوضهم في موضوع بيع النفط العراقي بعد ظهوره بالعراق وكيفية دفع مبلغ بيع النفط ، (حيث أجبر الأنكليز أن يكون الدفع بالشلن الذهبي وليس بالعملة الورقية! وهذا ما أفاد واردات الخزينة العراقية كثيرا) ، ويذكر أن الأنكليز عملوا على رفض توليه منصب وزارة المالية في تشكيل الحكومة عام 1925 !! بسبب مواقف وأجراءته تلك . أن موضوع تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 يعرفه الكثيرين ، حيث تم تأسيس الدولة العراقية بعد خسارة الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى وتم تفكيكها ، فتأسست دولة العراق بحدودها البرية والبحرية والجوية وبولاياتها الثلاث التي شكلت الدولة العراقية ( بغداد ، الموصل ، البصرة) ، وصار العراق الحالي ، أما لماذا أعتبره أنا ومن وجهة نظري أن ساسون حسقيل هو من أسس العراق وأحد بناتها البارزين؟ ، أو له الفضل الكبير في تأسيس العراق!؟ فهذا ما سنوضحه. نعم كانت هناك ولايات ( بغداد ، الموصل ، والبصرة) وكان هناك شعب ، وكان هناك الملك فيصل الأول الذي تقرر في مؤتمر القاهرة عام 1921 الذي كان برئاسة رئيس وزراء بريطانيا الراحل (ونستون تشرشل) أختياره ليكون ملكا على العراق! ، أليست هذه هي صورة العراق؟ ، ولكني أرى أن هذا ليس بتأسيس دولة!؟ ، التأسيس هو كيف أن تجمع كل هؤلاء تحت سلطة قوانين أدارية ومالية تنظم شؤون البلاد والعباد ( ففي كل بداية تأسيس لأي شيء لابد من وضع القوانين والضوابط الأدارية والمالية له) ، وهنا يبرز بوضوح دور الراحل الكبير (ساسون حسقيل) ، فهذا الرجل هو من وضع ركائز قيام الدولة العراقية بكل قوانينها الأدارية والمالية والمعمول بها لحد الآن !! ، وما كان للمغفور له الملك فيصل الأول ألا بأصدارها وأقرارها لتصبح نافذة! ، فالملك فيصل الأول لم يكن أكثر ثقافة وأطلاع ورقي وتعليم من ساسون حسقيل! الذي كان ( يتكلم 6 لغات ، وخريج القانون في فينا وأسطنبول)، أضافة لكونه أبن العائلة اليهودية الثرية المعروفة ، حيث ينتمي لأسرة ( شلومو داود) وهي من الأسر الغنية المعروفة في التجارة! ، حتى وصفت عائلته ( بعائلة روتشيلد الشرق) ! ، تيمنا ( بعائلة روتشيلد اليهودية الحالية ) التي تتحكم بأكثر نص ثروات العالم ! وهي التي تدير هذا العالم وتحكمه والتي يشار أليها بالقوة الخفية؟!!, فالملك فيصل الأول هو محارب ومقاتل وصاحب وطالب سلطة!! لا أكثر، رغم أنتمائه العائلي الهاشمي هو وأبوه وجده حيث يتصل نسبهم ا بالرسول العظيم محمد عليه أفضل السلام! . وكان ساسون حسقيل الرقم الصعب في غالبية الحكومات الملكية الذي لا يمكن تخطيه! ، حيث كان هو من يفرض رأيه في كل مناقشة لا لشيء بل لكونه هو الصحيح! ، فكان الكل يذعن له ويسمعه ولا يعترضون عليه! لأنه يتفوق على الجميع وطنية وحرصا على العراق وحبه!. ولتوضيح دور ساسون حسقيل أكثر كمؤسس حقيقي لدولة العراق ، نقول: أنه عندما تريد أن تبني بيتا على سبيل المثال ( العراق هو بيت العراقيين جميعا بكل أطيافهم ومللهم ونحلهم وقومياتهم) فلا بد من وضع حجر ألأساس له وأكيد سوف تحرص أن يكون الأساس متين وقوي حتى يمكن أن تبني عليه بيتا كبيرا أو حتى عمارة وما الى ذلك ، فكما يقال ( الرك على الأساس) . فساسون حسقيل هو ذلك الأساس القوي والمتين الذي وضع غالبية القوانين أن لم أقل جميعها والمتعلقة بالأمور المالية والأدارية فهو من من وضع الهيكيلية الأدارية لوزارة المالية، وكل قوانين الأقتصاد العراقي ، كما أنه أحد المؤوسسين للمؤتمر العام الذي أصدر قانون الانتخابات العراقية قبل أعلان الملكية العراقية!، ويذكر الخبير الدكتور (مظهر محمد صالح) ، مستشار رئيس الوزراء الحالي للأمور المالية ، بأن ساسون حسقيل يعد واضع أسسس الأقتصاد العراقي رغم دراسته للقانون! ، حيث تنسب له صياغة الكثير من الملفات الأقتصادية ، كما وأشرف على عدد من القوانين الأقتصادية التي لا يزال يعمل بها في العراق لحد الآن ! ، فله كل الفضل في تأسيس نظام الأدارة المالية ، وكذلك أسهامه في صياغة قانون تقاعد موظفي الدولة العراقي ، كما هو من وضع قوانين الضرائب والجمارك والطوابع البريدية ، وهو من أبتدع فكرة أيجار عقارات الدولة! ، في عهد الملك فيصل الأول ، من أجل تعزيز ميزانية وموارد الدولة العراقية، وهو أول من وضع قانون الموازنة العراقية ، كما وأنه كان عضوا في لجنة سك العملة النقدية العراقية ، وله أسهامات واضحة وكبيرة في ذلك، ، كما وأسهم في صياغة الدستور العراقي الملكي ، والأكثر من كل ذلك أنه هو من أختار ( فيصل بن الحسين ليكون ملكا على العراق ، وذلك في مؤتمر القاهرة عام 1921 برئاسة ونستون تشرشل!) ، بعد كل هذا ألا تتفقون معي بأن ساسون حسقيل هو المؤسس الحقيقي للدولة العراقية؟؟!! . ومن المفيد أن نذكر هنا : بأن ساسون حسقيل رغم أنه يهودي ألا أنه كان مناهضا للحركة الصهيونية! ويرى بأن اللغة العبرية يمكن أن تكون لغة دينية فقط ولا غير ذلك! ، ووالده هو من أحبار اليهود ، ولم يتزوج ساسون حسقيل طيلة حياته ! وعندما سافر الى فرنسا عام 1932 لغرض العلاج من نوبات ربو حادة كان يعاني منها ، وفاته المنية هناك وتوفي عن عمر72 عاما ، ودفن في أحد المقابر في باريس . أخيرا نقول : رحم الله ساسون حسقيل ، لحبه للعراق ولتفانيه في خدمته وخدمة شعبه بكل نزاهة وأخلاص وبكل روح وطنية ، ورحم الله كل شخص سياسي كان أم غير ذلك ، يخدم وطنه وشعبه بنزاهة وشرف وبكل روح وطنية. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط