د. كاظم المقدادي
إطلعت قبل أيام في موقع رابطة الأكاديميين العراقين في المملكة المتحدة (AIA) على الواتساب،على وقائع الندوة التي أقامها (بيت الخبرة العراقي) في 18 اَيار/ مايو الجاري، على برنامج الزووم، بعنوان:” إنشودة العطش.. ضمأ الفراتين وتحديات المستقبل”. شخصياً أثمن عقد الندوات التي من شأنها الإسهام توعوياً وتنويرياً في دراسة المشكلة وتشجيع المناقشة والحوار الهادف..
في وقائع الندوة المذكورة لفت إنتباهي المقدمة الطويلة العريضة لمدير إدارة الندوة،التي تجاوز فيها مهمته (الترحيب بالحضور والتعريف بمحاور الندوة وبالمساهمين فيها، بنبذة مختصرة عن كل واحد قبل إعطائه الكلمة، ومن ثم إدارة عملية النقاش)، مأخذاً راحته تماماً في الكلام، غير مراعياً للوقت،متناولآ العديد من القضايا، ومنها ما ليس له علاقة بعنوان الندوة، مما جعلني أعزف عن متابعة مساهمات الأساتذة الآخرين.
في مقدمته الطويلة، أراد مدير إدارة الندوة ان يوصل رأي سديد وهو ان ضمأ الفراتين في العراق لا علاقة له بالتغيرات المناخية، وإنما سببه السياسات المائية لدول الجوار. لكنه فشل، بخروجه عن الموضوع، وتكراره: ” لا تغيرات مناخية في العراق” و” العراق لا يعاني من التغيرات المناخية” و” العراق أقل الدول تضرراً من التغيرات المناخية” و ” هناك مبالغة” و ” لا صحة لغير ذلك “،الخ. وهو ما دفعني لكتابة هذا الرد.
الغريب ان ينفي الدكتور وجود تغيرات مناخية في العراق، وهو الذي كان يشغل منصب مدير عام هيئة الأنواء الجوية العراقية، وعدا هذا كان مديراً لـ”شبكة المعلومات الدولية ( الأنترنيت) في العراق”،أي أنه كان من المعنيين بالمناخ وتغيراته.
ولا أدري إذا كان نفيه له علاقة بمؤتمر الأطراف “COP 28 ” الذي سينعقد في دبي في تشرين الثاني / نوفمبر القادم، والذي من أبرز القضايا المطروحة عليه الضغط على الدول المتقدمة لتنفيذ تعهدها بضخ 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية في مجابهة التغيرات المناخية وتداعياتها، وسط تحذير من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والصليب الأحمر النرويجي، في 22 اَيار الجاري، من أن البلدان التي تشهد نزاعات في الشرق الأوسط هي من بين الأكثر عرضة للتأثر بتغيُّرات المناخ، لكنّها تبقى مستبعدة تقريباً من أي تمويل متعلق بمكافحة هذه الظاهرة.وركز تقريرهما المشترك على العراق وسورية واليمن. وطالبتا بمساعدة إضافية لها، منبهتين الى إن اَثار تغيُّر المناخ والنزاعات المسلحة باتت تفاقم المشاكل الإنسانية في المنطقة..
فربما أراد الدكتور بنفيه ان يقول ان العراق “لا يحتاج” لأي مساعدة دولية !! وإذا صح ذلك، فلماذا دعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الدول الصديقة ومنظمات الامم المتحدة لدعم العراق في مواجهة آثار التغيرات المناخية، خلال كلمته في مؤتمر المناخ،الذي عُقد في البصرة في اَذار/ ماترس 2023 ؟
ان التغيرات المناخية في العراق هي واقع قائم، شاء أم أبى من ينفيها، ممن لم يعش تداعياتها، ولم يتابع أبرز مطاهرها، كالإرتفاع الشديد لدرجات الحرارة، بحيث أصبح العراق من أسخن مناطق العالم صيفاً، وشحة هطول الأمطار، والجفاف، والتصحر، والعواصف الغبارية المتكررة والطويلة، وبذلك يثبت بأنه غير ملم بتداعياتها البيئية والصحية والأقتصادية والإجتماعية والأمنية.
لن أرهق القارئ الكريم بذكر الأبحاث والدراسات، العراقية والأجنبية، المؤكدة للتغيرات المناخية في العراق، ولا للمقالات والتقارير العلمية، ولا التحقيقات الإستقصائية، التي سلطت الضوء على الواقع والتحديات.. لضيق المجال سأكتفي بذكر بعض الحقائق حسب تسلسلها، متسائلآ:
لو ” لم تكن” التغيرات المناخية موجودة في العراق، فلماذا حددت وزارة البيئة العراقية في تقريرها عن (حالة البيئة في العراق لعام 2015) مؤشرات التغير المناخي في البلاد، وهي: ارتفاع معدلات درجات الحرارة، قلة التساقط المطري، ازدياد شدة هبوب العواصف الغبارية ونقصان المساحات الخضراء ؟
ولماذا أصدرت وزارة البيئة العراقية مع برنامج الأمم اامتحدة الإنمائي وثيقة ” المساهمات المحددة وطنياً للعراق بشأن تغير المناخ “، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015،وذُيل عنوانها:”العراق يقدم هذه الوثيقة وفقاً لمتطلبات الإتفاقية الأطارية الدولية لتغير المناخ ولإتفاقية باريس المشرع تحت مظلتها “، وجاء فيها: “لقد كان تأثير التغيرات المناخية واضحاً على العراق في التناقص الكبير للموارد المائية فيه وإرتفاع متزايد في معدلات درجات الحرارة بما يفوق المعدلات العالمية ” ؟
وهل ان تقرير “مجموعة عمل الخبراء حول المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ”(EWGCC-rSR) ، المؤلفة من أكاديميين مختصين، بضمنهم أعضاء من “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (SIPRI)، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، ” كذب” عندما قال: “ان التغير المناخي في العراق أدى لموجات حر مطولة، وهطول أمطار غير منتظم، ودرجات حرارة أعلى من المتوسط، وزيادة شدة الكوارث” ؟
وهل “كذبت” الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2020 ، الذي جاء فيه: ” العراق يدخل في خانة أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية ، وهو بحاجة لإجراءات عاجلة لحماية البيئة ” ؟
وهل ان “المجلس النرويجي للاجئين” ((NRC “كذب” عندما أعلن في تقريره في 27/8/2021:”العراق هو خامس دولة معرضة للتأثر بالتغيرات المناخية في العالم، وأصبحت درجات الحرارة العالية جدا حقيقة ملحوظة في جميع أنحاء البلاد، والجفاف أكثر تواتراً والعواصف الترابية أكثر حدة، ويؤثر التصحر على 39% من أراضي العراق” ؟
وهل ” كذبت” منظمة الـUNICEF عندما قالت بان” العراق يشهد حاليا مواسم جفاف حادة بفعل التغيرات المناخية، تصنف بالاكثر جفافا على مدى الاربعين عاما الاخيرة، وذلك لندرة موسم الامطار في عام 2020 – 2021، ما تسبب بتناقص حاد في تدفق المياه لنهري دجلة والفرات، بلغت نسبته 29% و73% على التوالي” ؟
وهل “كذبت” رئاسة الجمهورية العراقية عندما قالت في “مشروع إنعاش بلاد الرافدين لمواجهة التغيّر المناخي في العراق”، الذي قدمته في تشرين الأول/ أكتوبر 2021: ” ان آثار تغير المناخ سيتفاقم في حالة عدم وجود إجراءات عاجلة، وستكون التكاليف البشرية المحتملة لهذه التغيّرات كبيرة. فقد تضرر بالفعل حتى الان من الجفاف والنزوح 7 ملايين عراقياً” ؟
وهل “كذب” التقرير الدولي الصادر عن “المجلس الاستخباري الوطني الأميركي”، في 2/12/ 2021، عندما حدد اسماء 11 دولة حول العالم من بينها العراق ستكون عرضة لعدم استقرار جيوسياسي لاسباب متعلقة بالتغير المناخي الذي سيتفاقم اكثر بعد العام 2030 وما يخلفه من مشاكل بنقص موارد المياه وتأثير ذلك على الامن الغذائي والمائي وما قد يرافقه من افتقار لموارد مالية ولحسن إدارة للتكيف مع آثار هذا التغير مما يستدعي مساعدات إنسانية.وأضاف بان تزايد وتكرار موجات الحر الشديدة سيقللان من انتاج الايدي العاملة، وسيزيدان من تكرار وزيادة الحرائق البرية، وتقويض الصحة البشرية، مما يزيد من فقدان الأرواح ؟..
وهل “كذب” “مرصد مؤشر التغير المناخي الدولي”( (CCKPومؤسسات مرتبطة بالبنك الدولي، معنية بجمع معلومات عن تغير المناخ، عندما أعلنت:” من المتوقع ان يسجل العراق ارتفاعا بمعدلات درجات الحرارة بنسبة 2 درجة مئوية، وتراجع آخر بمعدلات هطول الامطار بنسبة 9%. وبحلول العام 2050.سيكون وقع ذلك اكثر صعوبة على شرائح مجتمعية متضررة تعتمد أساسا في معيشتها على الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك” ؟
وهل ” كذبت” الأمم المتحدة في تقريرها المفصل في كانون الأول/ ديسمبر 2021، الذي حذر من مخاطر جسيمة تهدد العراق، نتيجة للتغير المناخي والتحديات التي بات يفرضها على الأرض والإنسان، مبينة تقديراتها لمدى خطورة الوضع والاقتراحات التي يفترض أن يتم الأخذ بها للحد من الإضرار بمعيشة الناس والبيئة ؟.
أو عندما كررت في حزيران/ يونيو 2022 ، في اليوم العالمي لمكافحة الجفاف والتصحر،. بان “العراق يعتبر من بين الدول الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية”. وقدرت إحصاءاتها بأنه ” يفقد نحو 100 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا، نتيجة للتغير المناخي الذي حدث عالميا والعراق ضمنه، وللاستخدام الجائر للتربة جراء الزراعة المتكررة ونظام الري الذي يسبب تملح التربة”، ودعت ” إلى العمل الجاد واتخاذ الإجراءات لدعمه في إدارة موارد المياه والتكيف مع التغييرات المناخية”. وقالت في بيانها المشترك إنه ” في الوقت الذي يواجه العراق تحديات متعددة ومتفاقمة ناجمة عن التغييرات المناخية، بما في ذلك موجات الحر الطويلة، وانخفاض معدل هطول الأمطار، ونقص وفقدان الأراضي الخصبة، وملوحة التربة، وعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية، ونقص المياه العابرة للحدود، وانتشار العواصف الترابية، فان الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في العراق تقوم بإحياء اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، مع دعوة للعمل والى اتخاذ اجراءات لحماية البلد من الآثار المدمرة” ؟
أو عندما حذر تقريرها في أواخر تموز/ يوليو 2022 :” مع تقدم الاحترار العالمي وتزايده، وتحولات المناخ الذي يعد العراق احد اكبر المتأثرين به عالميًا، ينتظر العراق مستقبل مخيف بهذا الشأن،حيث سترتفع درجات الحرارة، ونسبة الوفيات المرتبطة بالحرارة أضعاف ما هي عليه ” ؟
الكاذب من ينكر هذه الحقائق، والأعمى من لا يرى الواقع القائم !