كأنما قهقرة رجوعا نحو عصر الكهوف البدائية :
بقلم مهدي قاسم
عندنا مثل شعبي ساخر و ذات مغزى يقول :
ــ ” مَن تحضّر تخنّث ! ”
و حسب تفسيري إنا لهذا المثل هو : إن التحضر لا يعني بالضرورة الإيغال في مظاهر التخنث السافرة والصارخة أو الانغماس في الإثارة الداعرة العلنية بهدف جلب انتباه أو إثارة استفزاز . .
أو على الأقل ، هكذا أفهم أنا المثل المذكور آنفا ..
أما ما هي المناسبة لذكر هذا المثل فهو :
نلاحظ أحيانا ــ و بشكل متكرر ــ ثمة تطرفا لحد التشفي المرضي و الساعي إلى خلط بين تحضر راق و بين ابتذال سوقي رخيص ، بين تمدن و بين ميوعة مستهجنة تصل لحد قرف ..
وإذا كان الغرب قد دنّس قدسية الجسد عبر التعري السافر ـ كأنما ـرجوعا نحو عصر الكهوف البدائية ــ والقيام في نفس الوقت بسلعنة الجنس وتحويله إلى نشاط تجاري ربحي ، بموازاة عبر تفكيك أواصر الأسرة وتأنيث الشبيبة الأوروبية *عبر تربية ليبرالية شبه قسرية والنتيجة هي انقراض ملحوظ بطيء ، لا يمكن إيقافه فيما بعد ، فليس من الضرورة أن يقوم الشرق بعملية تقليده لإثبات مظاهر التحضر والتمدن بهذه الوسائل و الأساليب المنحلة والصور السافرة الآنفة الذكر .,.
بمعنى نحن أخذنا نعيش بين تطرفين : مظاهرة غربية سافرة متطرفة في سلعنة الجسد الأنثوي ــ والرجالي أحيانا ــ تدنيسا وامتهانا ، كأية بضاعة قابلة لاستهلاك رخيص ، و بين مظاهر شرقية منقبة بالسواد كاملا ، كفزاعة طيور تسفع العين استغرابا وتستفز النظر تكدرا .
*أحيانا نصطدم بهذا الواقع الأنثوي المزعوم ــ مثلا ــ حين خاطبت آنسة أو سيدة من مفتشي نقل الركاب العام في بودابست عن موعد تحرك الحافلة نحو المطار ، سؤالا بصيغة أنثى ( لأنني ظننتها امرأة للوهلة الأولى بحكم الشكل والملابس و الحركات شبه الانثوية ) فضحك زميلها و قال لي موضحا هو زميل و ليست زميلة !، فاعتذرت منه بعدما عرفت أنه رجل و ليس امرأة ، إلا أنه قال هو لا يشعر بالإحراج إطلاقا ، بل بالعكس أن مخاطبتي إياه كأنثى قد غمره بشعور طيب !