أشياء من هذا القبيل : مكتملا بنقصي الدائم كما قطرة نهر في بحر عظيم !

أشياء من هذا القبيل : مكتملا بنقصي الدائم كما قطرة نهر في بحر عظيم !
بقلم مهدي قاسم
قال له والده مؤنّبا وبنبرة خيبة أمل كبيرة ومريرة :
ــ ربيتك باهتمام وعناية خاصتين ، لتصبح إنسانا كاملا حتى افتخر واعتز بك دوما أمام أصدقائي ، قبل خصومي و أعدائي ..
فرد هو بيقين مطلق كأنما لتزيد خيبة والده أكثر فأكثر :
ــ لم أسعِ أنا يوما لأكون إنسانا كاملا و متكاملا بكل دقة كمال و تمام ، مثلما انتظرتَ و تنتظر مني .. لا أبدا .. لستُ بهذا ولن أكون كآخرين ، في كل أحوال ..
فأنا ، تماما ، كتيار نهر مندفع متدفقا دوما ، عبر برارِ و على طول حقول و أعماق وديان وأخاديد صحارى متعرجة وملتوية وعرة ، بامتداد طويل ولا نهائي ، حتى تنتهي نهاية السفر إلى حضن بحر كبير أو محيط هائل ، ليتكامل متلاشيا ، متحدا ، كقطرة ضئيلة في عظمة الكل والكامل المطلق ..
أو كذرة رملة تنمو سائرة في الصحراء حتى تستحيل صخرة أو جبلا ..
إذ إن تكاملي يعني ــ حسب تصوري ـ ـ سلبي من روعة اختبار تجارب جديدة ..تجريدي من مسرة معارف إضافية .. حرماني من رغبات غير متحققة ، من لذة اكتشافات مذهلة لمعالم بلدان وطبائع بشر وجمال طيور و حيوان ..
إنه يعني ــ بكل بساطة ــ موتي المعنوي ، و أن كنت سأبقى حيا أعيش .. كما لو كنت مومياء محنطا ، محشوا بثوابت جاهزة و متصلبا فوق قوالب ومساطر مهيأة مسبقا بشكل باهت و سقيم أجوف وهذا بحد ذاته يعني الموت حيا !:
فدعني إذن ناقصا ، غير متكامل قطعا ، لحين اكتمل ذات يوم بموتي الحقيقي والنهائي الأكيد ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here