مؤتمر طريق التنمية العراقي: مفهوم التنمية في القرآن الكريم (ح 9)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وقال في خصوص الجزاء “وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ” (الجاثية 22) وقال في كون الإعادة لإنجاز الوعد “كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ” (الانبياء 104) إلى غير ذلك من الآيات، وقال في كون العبادة غرضا في خلق الثقلين “وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات 56). وعد العمل الصالح أو الإنسان المحسن غاية للخلقة لا ينافي اشتمال الخلقة على غايات أخرى بعد ما كان الإنسان أحد تلك الغايات حقيقة لأن الوحدة والاتصال الحاكم على العالم يصحح كون كل واحد من أنواع الموجودات غاية للخلقة بما أنه محصول الارتباط ونتيجة الازدواج العام بين أجزائه فمن الجائز أن يخاطب كل نوع من أنواع الخليقة أنه المطلوب المقصود من خلق السماوات والأرض بما أنها تؤدي إليه. على أن الإنسان أكمل وأتقن المخلوقات الجسمانية من السماوات والأرض وما فيهما صنعا ولئن نمى في جانب العلم والعمل نماء حسنا كان أفضل ذاتا مما سواه وأرفع مقاما وأعلى درجة من غيره وإن كان بعض الخليقة كالسماء أشد منه خلقا كما ذكره الله تعالى ومن المعلوم أن كمال الصنع هو المقصود منه إذا اشتمل على ناقص ولذا كنا نعد مراحل وجود الإنسان المختلفة من المنوية والجنينية والطفولية وغيرها مقدمة لوجود الإنسان السوي الكامل وهكذا. وبهذا البيان يظهر أن أفضل أفراد الإنسان إن كان فيهم من هو أفضل مطلقا غاية لخلق السماوات والأرض، ولفظ الآية أيضا لا يخلو عن إشارة أو دلالة على ذلك فإن قوله “أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً” (الملك 2) يفيد أن القصد إلى تمييز من هو أحسن عملا من غيره سواء كان ذلك الغير محسنا أو مسيئا فمن كان عمله أحسن من سائر الأفراد سواء كانوا محسنين وأعمالهم دون عمله أو مسيئين كان تمييزه منهم هو الغرض المقصود من الخلقة، وبذلك يستصح ما ورد في الحديث القدسي من خطابه تعالى لنبيه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله (لولاك لما خلقت الأفلاك) فإنه صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله أفضل الخلق.

تكملة للحلقات السابقة جاء في موقع الألفية عن التنمية البشرية في ضوء مقاصد القرآن الكريم للدكتور أحمد محمود الزبود: حرية الاعتقاد، قال تعالى “فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجتك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى” (طه 117)، وقوله تعالى “ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها” (الشمس 7-10)، تبين هذه الآيات إن الله سبحانه قد وضح الصورة لآدم وترك له الحرية بتعامله مع الشيطان، وقس على ذلك حرية المسلم في الأخذ بالأمور التي ترك له حرية الاختيار منها، فأما يفلح أو يخيب، قال تعالى [فذكر إنما انت مذكر. لست عليهم بمسيطر[ (الغاشية 21-22). حرية التعبير عن الرأي، قال تعالى “الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان” (الرحمن 1-4)، كذلك قوله تعالى “ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين” (البلد:8-10) هذه الآيات تبين إن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قدرات وطاقات للتعبير عن نفسهِ وإبداء الرأي بلا توجيه أو حجر. وكذلك قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً” (المائدة 3) فالإسلام الديانة الخاتمة لكل الديانات، التي جاءت رحمة من الله بالبشر، وترسيخ لمعاني الإنسانية فيهم، وتحريرهم من نير العبودية. إن المنهج القرآني في ترسيخ حقوق الإنسان يختلف تماماً عن المناهج الوضعية التي تركض ليل نهار لتحقيق حقوق الإنسان ضمن مفهوم التنمية البشرية في طول الأرض وعرضها ولكنها وصلت طريق مسدودة ونهايات مأساوية، فوضع حقوق الإنسان حتى في البلدان المتقدمة لا يسر أحد، بينما كانت الدولة الإسلامية وصلت مراحل متقدمة من التطور والتحضر والإنسانية بفضل اتباع الشريعة السمحة وسنه النبي المختار صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث: عرض نماذج من الاهتمام بالتنمية البشرية في الإسلام: إنّ عناية الإسلام بالإنسان لم تنحصر بالأمور العقدية والعبادات، بل امتد نحو جميع مناحي الحياة بمختلف جوانبها، وعلى رأس تلك الجوانب التنمية. فقد حرص الإسلام على إحداث التنمية لتحقيق مصالح الأفراد الدنيوية والتي لا تستقيم حياتهم ومعاشهم بدونها. وعلى الرغم من حداثة مفهوم التنمية البشرية، إلا أن مفاهيمه وتطبيقاته يمكن رصدها من خلال الممارسات النبوية في المدينة المنورة. فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم أسس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، بعد أن انتهى بشكل شبه كامل من بث العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين قبل الهجرة، فكانت الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ثورة إنسانية هدفت للنجاة باتباع الدين الإسلامي عندما اشتد خطر أهل مكة بتلك الفترة، فكان التخطيط السليم والتوصل إلى قرار الهجرة تطبيقاً فعلياً لمبادئ التنمية البشرية التي تفرض حماية الموارد البشرية، وتعزيز فرص النجاح. فكانت الفترة ما بعد استكمال رحلة الهجرة، فترة حاسمة بتاريخ الإسلام، فالتطبيق العملي للإسلام بدأ معتركه، وكان لزاماً على النبي صلى الله عليه وسلم إن يشرع بتنظيم أمور الرعية، وتنظيم العمل لبناء الدولة الإسلامية الأولى. وبسبب أهمية الموضوع وعدم القدرة على تناول جميع النماذج التطبيقية لمفاهيم التنمية البشرية رغم أهميتها بسبب ضيق المساحة المتاحة، فإننا سنتناول النماذج التالية: المؤاخاة: فقد كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار الخطوة الأولى لتذليل الصعوبات أمام المهاجرين من جانب، حيث تركوا خلفهم عائلاتهم وأموالهم، ومن جانب آخر فإن الأنصار كانوا بحاجة لصيغة معينة للتفاعل مع القادمين من مكة المكرمة. فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من أبهى صور سماحة الإسلام وعظم مقاصده التي بنيت على قوله تعالى “إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات 13)، فقد استهدفت المؤاخاة (ارساء قواعد جديدة للمجتمع والقضاء على النزعة القبلية وتحقيق الأبعاد الاقتصادية) (العاني، 2002 ص 71)، وتلك أمور تحدثت عنها تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في مجال المساواة بين أبناء المجتمع الواحد في المجالات التعليمية والصحية والعمل والحقوق السياسية، ولكن وضع العالم اليوم أبعد ما يكون عن المؤاخاة، فالقتل والنزاعات والمشاكل بين الدول وداخل الدولة نفسها، بلغ حداً يمثل أكبر دليل إن رسالة الإسلام هي الضامن الوحيد لسلامة البشر وهدايتهم.

جاء في موقع شفق نيوز عن تقديرات حذرة في “طريق التنمية” آمال وعقبات أمام العراق: أثار إعلان الانطلاق الأولي لمشروع “طريق التنمية” الاستراتيجي، الكثير من التحليلات والتقديرات التي بدت برغم تفاؤلها بأهمية المشروع البالغة كلفته 17 مليار دولار، حذرة في إمكانية تحققه ونجاحه، مشيرة إلى عدد من العراقيل والعوائق، بما فيها الخلاف من حكومة اقليم كوردستان. وبحسب تقرير بثته قناة “فرانس 24” الفرنسية وترجمته وكالة شفق نيوز، فان “طريق التنمية” الذي أعلن عنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أمام وزراء نقل وممثلي 10 دول اقليمية، الذي يتضمن طرقات سريعة وخطوط للسكك الحديدية، سيسمح للعراق بالاستفادة من موقعه الجغرافي، بهدف جعل البلد كمركز لنقل البضائع والأشخاص الذين يتنقلون بين الخليج وتركيا وأوروبا. وبعدما أشار التقرير الفرنسي إلى ان العمل قد بدأ بالفعل لزيادة القدرة الانتاجية في ميناء الفاو، حيث سيتم تفريغ البضائع قبل نقلها عبر الطرقات الجديدة وخطوط السكك الحديدية، لفت الى ان المشروع يتضمن ايضا بناء حوالي 15 محطة قطار على طول الطريق، بما في ذلك في المدن الرئيسية في البصرة وبغداد والموصل، وحتى الحدود التركية. ونقل التقرير عن الخبير العراقي في النقل الدولي زياد الهاشمي، تشكيكه في الخطة لتحويل العراق الى مركز رئيسي للنقل، قائلا انه يفتقر الى “السيولة” اللازمة، موضحا ايضا ان “العملاء يفضلون نقل بضائعهم مباشرة من اسيا الى اوروبا من دون المرور بعملية تحميل وتفريغ”، ونقل الحاويات بين السفن والطرق والسكك الحديدية. لكن التقرير الفرنسي اشار الى ان النقل يعتبر من القطاعات الرئيسية في الاقتصاد العالمي، وان اعلان العراق عن “طريق التنمية” يعتبر الأحدث في إطار المشاريع الدولية الضخمة المخطط لها، بما في ذلك “مبادرة الحزام والطريق” الصينية التي أعلنها رئيسها شي جين بينغ في العام 2013، وهي مبادرة تشتمل على ربط 130 دولة عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال البنية التحتية البرية والبحرية مما يوفر قدرة أكبر للاقتصاد الصيني للوصول إلى هذه المناطق. من جهتها، ذكرت وكالة “رويترز” أن المشروع العراقي الذي يربط بشكل مباشر بين الفاو وبين الحدود التركية شمالا ويقصر وقت السفر بين آسيا وأوروبا، يستهدف إدخال تحول في اقتصاد العراق بعد عقود من الحرب، وهو أيضا ما يشكل منافسة لقناة السويس المصرية. ونقل التقرير عن مدير عام الشركة العامة لموانئ العراق فرحان الفرطوسي قوله إن “طريق التنمية ليس مجرد طريق لنقل البضائع أو الركاب”، مضيفا ان هذا الطريق “يفتح الباب أمام تنمية مناطق شاسعة من العراق.”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here