وقفة مع كتاب «الاجتماع الديني الشيعي» للمفكر الإسلامي الدكتور علي المؤمن

د. السيد حسين علي المجاب
(باحث وأكاديمي عراقي)

يُعد كتاب «الاجتماع الديني الشيعي» للمفكر علي المؤمن؛ الأول من نوعه، وذلك لأمور عديدة:
١-إنه الكتاب الأول الذي يطرحُ فيه المجتمع الشيعي ـ قديماً وحديثاً ـ علی لسان أحد علمائه أو مفكريه؛ فقد اعتاد الشيعة أن يُكتَب عنهم بلسان الآخر الذي يتمظهر إما بالطائفية أو الآيدلوجية؛ فلم تظهر صورة الشيعة بشكلها الموضوعي أو المحايد إلّا ضمن هذا الكتاب، ومع مستوی ما قدّمه المؤلف من إنصافٍ لهذا المجتمع، إلّا أنّ هذا الإنصاف نسبي؛ فقد اهتم المؤلف بصبغة الشرائح الأكثر تشيعاّ، وترك الشرائح التي تهتم بالبنی التحتية لواقع المجتمع الشيعي، علی المستوی السياسي، والمستوی الاجتماعي، والمستوی الاقتصادي، وعلی مستوی الإبداع الفن.
٢- إنّ سبب ريادة هذا الكتاب علی مستوی «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»؛ أنه يطرح نظريةً تری أن الشيعةَ كيانٌ واحد له ثقله في ظل المتغيرات الكبيرة التي تحدث في العالم، بخلاف الأطاريح التي همّشت وأقصت الشيعة ومشاريعهم التنموية علی مدی أكثر من ألف عام، في حين نری المؤلف قد وصف ما غفل عنه أغلب المفكرين والباحثين والكتاب، من العناصر التي تمثل الجامع المشترك لهذا الكيان.
٣- إنّ الناظر الی العتبة الأولى للكتاب ( عتبة العنوان) يظن أن الكتاب والكاتب ينظِّر إلی قضية من القضايا الطائفية، إلّا أنّ هذا الانطباع يتبدد بالقراءة الفاحصة؛ إذ يتبيّن أن المؤلف يتحدث عن الشيعة والتشيع بشكل مجرد، بعيداً عن الآخر المختلف مذهبياً؛ فهو ينظر إلی الإمكانات الذاتية، ويقدم الحلول نحو الاهتمام بالنظام الاجتماعي الشيعي، ويمكن التعبير عن رؤيته بالسؤال المطروح وهو: هل أن الشيعة والتشيع أصلٌ وكيان، أو أنهم بعضٌ مُلحَق؟ أي أنه يبحث في هذا التساؤل ويحسمه بما قدمه من مادة وصفية تحليلية للواقع الذي يثبت إثباتاً قاطعاً، عبر ما ذكره من تفاصيل دقيقة علی مستوی التأريخ للشيعة، منذ نشأة التشيع وإلی يومنا هذا، وعلی الرغم مما سُلِّط عليهم من حروبٍ إبادةٍ واستهداف، يثبت أنهم رواسخ في هذه الأرض، أمة لها كيان ووجود.
٤- الدكتور المؤمن ــ في هذا الكتاب ــ يميط اللثام عن عناصر القوة التي يمتلكها هذا النظام الاجتماعي، بإزاء الآخر ( المنظِّر الغربي، أو المنظِّر المحلي المؤدلج) الذي يعمل علی طمس هوية المجتمع الشيعي، لا بل ويمارس علی أبنائه حرباً مضللة ترسخ مفهوم الانهزام الدائم في دواخلهم، وعدم الالتفات الی ما يمتلكونه من عناصر قوةٍ واقعية، ويدلس علی أي صفة إيجابية تميز مجتمعهم.
٥- إن البعد النظري لهذا الكتاب يرغب بالتأسيس إلی مواطنة تتجاوز حدود الأرض والقومية، وتشترك في البيئة العقائدية، والمركزية الواحدة، ولايشكل ذلك تنافياً أو تصادماً بين الهويات، بما في ذلك الهوية الوطنية أو القومية، ونحن في هذه النقطة تحديداً، نری أن هذا البعد لا يتجاوز المستوی التنظيري؛ فالواقع يحتم وجود معرقلات كثيرة، نتيجة البيئة السياسية المضطربة التي تتحكم بها القوی الكبری، ومع وجود هذه المعرقلات، إلّا أن تحقيق هذا البعد النظري صعب وليس مستحيلاً، ولاسيما مع وجود مفهوم ولاية الفقيه.
٦- ذكر المؤلف بيئات الاجتماع الشيعي علی المستويين العربي والإسلامي، مما يعزز بشكل غير مباشر لدی القارئ انطباعاً وهو: أن هذه البيئات مجتمعةً بمركزية واحدةٍ، وتسعی لهدف موحد، مما يخلق في النفس إيجابية كبيرة، ويعمل علی دفع الجماهير نحو التصبر من أجل قضاياهم المشروعة.
٧- إن من أهم القضايا التي تناولها هذا الكتاب هو الدعوة إلی إيجاد مجلس الخبراء الساند، من أجل إعادة مأسسة منظومة المرجعية، ولإيجاد حلول في تعدد الزعامات لنظام الاجتماع الديني الشيعي، وهذه نقطة جوهرية، ولاسيما في الوقت الراهن الذي نعيش فيه، في ظل هذه الأحداث المتسارعة نحو تغيير موازين القوی في العالم.
٨- لم يبيِّن المؤلف الضابطة المنهجية التي قسّم علی أساسها عصور الشيعة الستة، مما أدی الی غياب مراحل تأريخية مهمة للشيعة، كان لها أثر كبير في المجتمع الشيعي، ومن ذلك الدولة الفاطمية التي مازال أثرها في المجتمع علی الرغم من محاولات تذويبه.
٩- أقترحُ علی المؤلف، وبما أنه يتحدث عن الشيعة في العالم الإسلامي الذي افترض ــ في كتابه ــ امكانية استيعاب التشيع والشيعة بصورة عامة، أن يلحق كتابه بكتاب آخر يبيِّن صفات التشيع وسماته وفقاً للقرآن الكريم والحديث الشريف وروايات أهل البيت، لأن في ذلك إتماماً لما نظّر له في كتابه «الاجتماع الديني الشيعي»، ولعل ذلك يكون أرسخ في تعزيز الهوية الشيعية الإسلامية، ولاسيما مع وجود هجمة شرسة تحاول أن تخرج الشيعة عن إسلاميتهم وتوحيدهم، وأعني بذلك التأصيل لخصائص «النظام الاجتماعي الديني الشيعي» وفق القرآن الكريم، والاعتداد بالتشيع بوصفه الإسلام العالمي الذي يستطيع استيعاب الجميع في العالم الإنساني.
١٠ـ وجّه المؤلف نحو الاهتمام بالشعائر والطقوس الجماعية، لأنها تعيد ثقة الجمهور بنفسه، وتشحذ الهمم، وتنمي الارتباط بالله ورسوله وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام)، كما وأنها خير وسيلة للحفاظ علی المجتمع بإزاء الحرب الناعمة من قوی الاستكبار العالمي.
١١- استطاع هذا الكتاب أن يعرض مجموعة من المشكلات الظاهرة في الاجتماع الديني الشيعي، ويضع لها الحلول المناسبة، وإن كانت هذه الحلول، في آنية الواقع، صعبة التنفيذ إلی حد ما، ومنها:
أ- تعدد المرجعيات المترتّب عليه تعددية الخطاب، الذي جعله علي المؤمن مصدرَ قوةٍ عن طريق إعادة مأسسة منظومة المرجعية الشيعية، والدعوة إلی إنشاء مجلس الخبراء الذي يضمن تحقيق القيادة المركزية من جهة، ومن جهة أخری يعمل علی توحيد الخطاب الديني الشيعي(١).
ب- تصدّی الكتاب لعرض الجنبة المالية للاجتماع الشيعي، وركّز علی تحويلها الی منظومة مالية تقوم علی دعم نظام الاجتماع الديني الشيعي، كما هو الحال في ولاية الفقيه(2).
ت- قدّم المؤلف في كتابه تمييزاّ دقيقاّ لمصطلح (الحواشي) في منظومة المرجعية الدينية الشيعية، وفيما إذا كانت الحواشي علی درجة عالية من النصح وتقديم المشورة الصالحة؛ إذ تعود علی المرجعية الشيعية بثمار إيجابية، والعكس صحيح، وهذه القضية من القضايا الحساسة التي تتطلب النقد من متخصص مطلع(٣).
ث- سلّط المؤلف الضوء، وبشكل غير مباشر، علی قضية تربية الأبناء علی الاعتزاز بهويتهم من خلال هذه الأطروحة؛ حين عدّ الجمهور الشيعي جزءاً من عناصر قوة الاجتماع الديني الشيعي(٤)، ويترتب علی ذلك ضرورة الاهتمام بواعية الجماهير، ولاسيما الأجيال الصاعدة، ونظرتهم إلی كل ما يحيط بهم ويمكّنهم في أرض الواقع.
12ـ يمثل هذا الكتاب صورةً من صور البرنامج الدفاعي، ولابد من إلحاقه بجزء ثان، يبيِّن فيه وسائل الدعوة والتبليغ الإسلامي، ولاسيما وأن مفهوم التشيع يمثل كلّيّة الإسلام، أي أن يقوم الدكتور المؤمن بالتنظير، لعمل مؤسسات الدراسة المستقبلية التي من شأنها المحافظة علی الأمن الاجتماعي.
ومما تقدم؛ تبيّن لنا إمكانية المؤلف في الإحاطة بجوانب الموضوع جميعها، علی الرغم من حساسيتها وتداخلها من جهة، وتباينها من جهة أخری، ويدل علی عمق فكره وواسع اطلاعه، ويُشهد للدكتور علي المؤمن أنه خاض في مكانٍ يصعب الخوض فيه؛ إذ يتهيبه الكثير من المفكرين والباحثين والمهتمين، وهذا يثبت جرأته العلمية في إبراز قضايا الأمة ومعالجتها، ويثبّت فضله كمفكر يشغله مستقبل الاجتماع الديني الشيعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
١- ينظر: د.علي المؤمن، الاجتماع الديني الشيعي، ص ١٣٩- ١٥٥
٢-ينظر: المصدر نفسه، ص ٧٦-٧٧ و٢١٠- ٢١٢
٣- ينظر: المصدر نفسه، ص 125 ـــ 130
٤- ينظر: المصدر السابق، ص ٣١-٣٢

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here