من فوك هلله هلله

علي علي

مع تناسل بني آدم تناسل الخير والخيرون من دون انقطاع، مقابل هذا تناسل الشر، وتناسب الشريرون وتصاهروا في مناكب الأرض، فبدت موازينها معتدلة تارة بفعل بسط الخيرين أفكارهم وأفعالهم، ومتقلبة تارات أخرى بفعل الشريرين ومعتقداتهم ومكائدهم وغدرهم، فهم -الشريرون- اعتادوا على الخراب، ولايهنأ لهم عيش إلا بإشاعة الدمار وسط معيتهم وإن كانوا من أبناء جلدتهم، وفيهم أنشد الرصافي:
كلاب للأجانب هم ولكن
على أبناء جلدتهم أسود
وبين هذا وذاك نشأت دول واندثرت أخريات، وصارت نسيا منسيا.
من بين هذه الدول أرض وادي الرافدين التي شهدت منذ الأزل تكالب الشريرين عليها، مع أن أغلب الخيرين والصديقين والأولياء والأتقياء عاشوا فوق أرضها، وكثير منهم وارى جثمانهم ترابها، فاكتسب بضمهم قيمة عليا سمت بسموهم وعلت بعلوهم. وأرض مثل هذه من الواجب الحفاظ على إرثها الحضاري، وهذا لن يتم إلا ببسط القوة والقدرة والسيطرة والهيمنة لدى حاكميها، ومن يتقلدون مراكز صنع القرار وتنفيذه فيها، لاسيما المسؤولين عن حماية سيادتها، وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يطفو على السطح نفر ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لايمتلكون من الشرف والقيم والأخلاق والمبادئ حدا أكثر مما موجود في الضباع والثعالب، لما تحمله من صفات المكر والغدر والخديعة، وشتان بينهم وبين الكلاب، فالأخيرة تتحلى بخصال أسمى وأرقى مما يحملون، وفيهم ينطبق معنى الدارمي:
الچلب يذكر طيب لمن تربيه
ينگلب عگرب ليش ابنادم شبيه
إن مفسدي اليوم يمتلكون من الشر وجهين، الأول ظاهر يتمثل بأقوالهم، والثاني باطن يتجسد بأفعالهم ونياتهم المبيتة، وفي حقيقة الأمر أن الباطن أضحى أكثر وضوحا من الظاهر، وأقرب للقراءة والإدراك منه، فتساوى لدى العراقيين حالا الباطن والظاهر. فأفكار ساستنا غالبا ماتكون مقروءة قبل نطقهم بها، لاسيما بعد أن خبرهم العراقيون وأدركوا تماما مبتغاهم في المفردة التي يتفوهون بها، وهذا طبعا بفضل تصريحاتهم خلف مايكروفون هنا أو على منصة هناك، وقد فاتهم ان العراقيين يتمتعون بقوة فراسة ودقة تخمين وصحة حدس، وأغلبهم كما نقول؛ “يقرون الممحي”، وقد باتوا يدركون مغزى تصريحات الساسة قبل بثها، وصاروا يستشفون النيات المبطنة والمعلنة على حد سواء، حتى صار المخفي منها محسوسا وملموسا وواضحا، وضوح الفنار في عرض البحر.
شاهد حديثي في كل ماتقدم، هو المخاوف التي تساور أغلب العراقيين، من عدم مصداقية الأحزاب والكتل التي نادت بالإصلاح والتغيير منذ سنوات، واعتصمت متخذة لنفسها مكانا قصيا تحت قبة البرلمان، ومعلوم أن أحزابنا وتحالفاتنا هي كما يقول مثلنا: (سيف المجرَّب) ورؤساؤها وأعضاؤها مجرَّبون بما لايسعد صديقا حميما، ولا يفرح عراقيا شريفا، ولايغيظ عدوا بغيضا، وإنه لمن المؤسف أن غبارا بدأ يعلو سماء تلك الكتل السياسية التي عوّل على أعضائها العراقيون، في تخليصهم من غول سياسة التحاصص، ولا أظنني أستبق الحكم في نتائج الترشيح للكابينة الوزارية، إذ (الكتاب ينقري من عنوانه) والأيام المقبلة كفيلة بكشف المستور وفضح الزيف والتدليس، لاسيما أن الخديعة هذه المرة لم تنزع ثوب المحاصصة الخليع، الأمر الذي يذكرني بمثلنا العراقي الدارج: “من فوگ هلله هلله ومن جوه يعلم الله”.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here