الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: التفكر في الخلق: هو من الأمور التي حثَّ عليها القرآن الكريم كثيراً، وهو فقهياً من المستحبات المؤكدة، التي لها آثارٌ وضعيةٌ جليلةٌ ومحمودة، وحيث لم يعزل له الفقهاء مكاناً في فقههم، ناسب ذكره في مقدمة العبادات. وقد حثَّ عليه القرآن الكريم بأساليبَ مختلفةٍ عديدةٍ، نذكر منها شجب الأعراض وهو عدم الإلتفات إلى الآيات الكونية والتهاون في أمرها. وقد ورد لفظ “مُعْرِضُونَ” و”مُعْرِضِينَ” تسع عشرة مرةً في القرآن الكريم منها “وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ” (المؤمنون 3)، و “بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ” (المؤمنون 71).
جاء في بحث حول الرجعة لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: وهناك معنى أخر للرجعة ينص عله القرآن الكريم وهو رجوع الأموات للدنيا ليستأنفوا أعمالهم إن كانوا في حياتهم قد أفسدوها . “رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ” (المؤمنون 99-100) وحسب فهمي للآية أن الأفراد يختلفون في ذلك. فقد يكون استحقاق الفرد أن يقال له “كَلَّا” لان الله تعالى يعلم انه لو رجع لأفسد في حياته. فمن مصلحته أن تقل ذنوبه بكل تأكيد فعدم رجوعه أولى له. وقد يكون الفرد في علم الله يحتوي في نفسه على أمل الصلاح والإصلاح. إذن فمن الحكمة استجابة دعائه وإرجاعه إلى الدنيا. وتلك الآية التي تقول “كَلَّا” انما هي خاصة بمن لا يستحق. لان نفسه في حياته الأولى قد أظلمت وفسدت بحيث لا يمكن أن تنتج أو أن تختار إلا العمل الفاسد. ولعلنا ينبغي أن نعترف إن هؤلاء هم الأعم الأغلب ممن يتمنى الرجوع إلى الدنيا. هذا وينبغي أن نلتفت إلى انه ليس كل الموتى يودون الرجوع إلى الدنيا فإن من رأى ثواب الله وحسن عطائه هناك لا يكون لهم هَمٌ إلا الوصول إليه والخروج من هذا السجن الضيق المسمى بالدنيا فأنها كما ورد (سجن المؤمن وجنة الكافر) وقد ورد بهذا المضمون المشار إليه عدة نصوص منها ما مضمونه: إن المؤمن لا يموت وهو كاره لأنه حين يكون في وقت الاحتضار يكشف الله سبحانه وتعالى له مقامه في الجنة فلا يكون أحب لديه شيء من الوصول إلى ذلك المقام . كما إن الفرد إذا كان مبتلى في الآخرة بالعذاب الشديد فقد يلهيه ما يعانيه من الألم عن تذكر الرجوع إلى الدنيا ليتمناه ويطلبه . وعلى أي حال فهذا معنى آخر من الرجعة نطق به القرآن الكريم ولا ينبغي الاختلاف فيه. و أما أسلوب رجوع هذا الميت إلى الدنيا إذا كان فيه أمل الصلاح والإصلاح كما قلنا فهو مما يختاره الله تعالى له. و الأسلوب التقليدي المفهوم من ذلك هو إرجاعه إلى الدنيا في حالة الاحتضار وإلغاء قرار موته فيتحسن حاله ويرجع. وهذا معناه إن أجله الحقيقي لم يحن بعد. وهناك أسلوبان آخران قد يشار إليهما في بعض الأدلة: أحدهما: الرجوع من بعد الموت إلى الدنيا. بمعنى أن يقوم من قبره. وهذا يتضمن معنى الرجعة التي سوف نبحث عنها فيما يأتي . فإن اعترفنا بها فمعناه إن بعض الناس يحدث لهم ذلك. ثانيهما: الرجوع إلى الدنيا بما يسمى بالولادة الثانية. بان تدخل روحه إلى جنين جديد التكوين فيولد إلى الدنيا من جديد. وهذا هو الذي يفسر الأقوال الكثيرة التي صدرت من العديد من الناس الذين يقولون: أننا كنا في الدنيا قبل هذا، وبعضهم كما قيل يعرف أسماء الموجودين، ويعرف الطرق، مما يدل دلالة قطعية على صحة كلامه. إلا إن هذا الفرع من المعرفة فيه إشكال ما يسمى بالتناسخ. فهل هو صحيح أم لا؟ أم أنه صحيح أحياناً وباطل على بعض التقادير؟.
جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: العُجْب: وفيه عدَّة احتمالات، أوضحها أربعة: أولاً: الله سبحانه وتعالى. فإنَّ بعض درجات العجب قد تحصل حتى تجاهه، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ثانياً: المعصومون والأولياء. ثالثاً: مشاهير أهل الدنيا أو البارزون فيهم، لصفة من الصفات، فيدعي الفرد أنه خيرٌ منهم بتلك الصفة أو بكلِّ صفة. رابعاً: أراذل الناس دنيوياً تارةً وأخروياً أخرى. إذ يرى الغنيُّ أنه خيرٌ من أراذل الدنيا بطبيعة الحال. ويرى العابد أنه خيرٌ من أراذل الآخرة، أعني الفساق والفجار وأضرابَهم. فإذا تمت لدينا هذه الإنقسامات الثلاثة، أصبحت لنا أقسام العجب ستةً وثلاثين، ناتجةً من ضرب الأقسام بعضها ببعض 3×3×4=36. ونحن هنا لا يسعنا أن نتحدث عن الأقسام كلِّها، لما فيها من طول الحديث، وفيها ما يصعب استيعابه على القارئ العادي، بل نوكله إلى القارئ اللبيب، وإنما نذكر فقط فيما يلي بعض نماذجه، وقد يتضح الرأي في أكثر الباقي من الحديث حول ذلك. الشريف الذي يزهو على الآخرين بنسبه، وهذا يقابله قول الله عزَّ وجل: “فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ” (المؤمنون 101) مضافاً إلى قول النبي كلُّ سببٍ ونسبٍ ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط