بقلم: أ.د. سامي الموسوي
خلق الله سبحانه وتعالى الوجود لأنه خير من العدم وليس لان الله بحاجة اليه وجعل عبادته سبحانه وتعالى هي الهدف الرئيسي للخلق. والعبادة بالمفهوم العام هي الطريق المستقيم نحو الخير وضد الشر بما يتلأم مع الفطرة التي اوجدها الله في خلقه خاصة من البشر. لم يكن الانسان هو اول مخلوق ولا اخر مخلوقا يسكن كوكبا صالحا للحياة في مجموعة شمسية متناهية الصغر بالنسبة لهذا الكون الشاسع ولما بعده من اكوان عديدة فلعل الغالب ان كوننا الذي نعيش فيه هو نقطة في بحر من اكوان لاتعد ولا تحصى ولها خصائص وصفات وقوانين ومخلوقات لا يمكن ان تخطر على بال احد من البشر، قال تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٨]. ان واحدة من اكبر النعم على البشر وكافة الخلق ان الله رغم قربه من خلقه فقد اخفى نفسه عنهم لأنه لو جعل لهم وسيلة لذلك لما استطاعوا العيش اما خوفا او رهبة او عجزا عن ذلك. والانسان هو حديث العهد في هذه الأرض وفي هذا الكون ولا يعد ان يكون شيئا مذكورا وسوف لن يكون بعد حين و يبدو ان الأرض كانت مسكونة من مخلوقات ذكية أخرى منذ ملايين السنين قد اختفت اثار حضاراتهم بحيث لا يمكن للمتوفر من معطيات ان يدل عليها ولكن الملائكة كانت تعلم علم اليقين ان أولئك الخلق قد وصلوا الى مراحل من الفساد واراقة الدماء سببت لهم الفناء التام، فقد جاء في القران الكريم ما يدل على ذلك، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). اذ يبدو من ذلك ان الأرض سكنتها مخلوقات غير البشر منذ مئات الملايين من السنين وقبل الدينصورات بزمن طويل محيت كل اثاره لعل ذلك بسبب الفساد الذي اشاعوه مما تسبب بهلاكهم بشكل تام وشامل. والفساد بشكل مبسط هو كل عمل غير صحيح ينافي الفطرة البشرية الصحيحة. وهناك العديد من الأمثلة على الفساد بأشكاله المختلفة فمن ذلك الظلم والعنصرية والسرقات والاستحواذ على المال العالم او الخاص والنفاق والنميمة والكذب والقتل والفساد الأخلاقي وافتعال الحروب دون سبب مقبول والاستحواذ غير المشروع على خيرات الأرض وافتعال الازمات على مبدأ فرق تسد والسيطرة الاستعمارية على الشعوب والاستبداد في كل شيء وخيانة الأوطان وشعوبها من اجل الأجانب عنها وغير ذلك كثير. ومن الاقوام الحديثة التي استوجبت العذاب الدنيوي قبل الاخرة هي قوم سدوم وعمورة وقوم بومبي وذلك بسبب الفساد الأخلاقي الذي كان ولايزال يعد حسب الكتب المقدسة كالأناجيل القديمة والحديثة من الذنوب التي تستوجب غضب الرب والعقاب ولكن الكنائس الغربية في يومنا هذا أصبحت لا تلتزم بما جاء في الاناجيل وفي باقي الكتب المقدسة لان هذه الكنائس اصبحت تتماشى مع ما يريد الناس ولو كان ذلك ضد تعاليم الديانة المسيحية التي يزعم الغرب انه يتبعها وهذا غير صحيح. اذ ان الغرب ولأسباب يعلمها الله لم يكن يوما ما محط اهتمام الله من ناحية انزال الديانات التي جميعها ذات أصول شرقية غير بعيدة عن ارض العرب وكذلك هم الأنبياء ابتداءً من آدم الى محمد (عليهم السلام). ولعل واحدة من اهم الأسباب هي ميل الغرب للتحريف بما يتماشى مع الرغبات وان تعارضت مع تعاليم الأديان والقيم الروحية.
لقد اهتمت الكتب السماوية مرارا وتكرار في دعوة الناس الى القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة التي تتماشى مع الخير والصلاح وتقف ضد الفساد والظلم والفاحشة. وحذرت تلك الكتب والانبياء الذين حملوها للبشر من ان الناس اذا ما فعلوا الفاحشة واعلنوا بها فان غضب الله سوف يحل عليهم فما بالك لو ان الأنظمة الغربية في السنوات الأخيرة اخذت تسن القوانين المدنية التي تشرعن للعلاقات الشاذة بل وتعتبرها من اهم حقوق الانسان؟! اننا في هذا البحث الذي نقدمه هنا لا نعتمد على القران ولا اقوال نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ولكن على الكتب المقدسة التي بنسختها الموجودة بين يدي الناس والكنائس. فقد جاء في (سفر اللاوين) Leviticus 18:22: (لَا تُعَاشِرْ ذَكَرًا كَمَا تَفْعَلُ مَعَ امْرأةٍ. هَذِهِ نَجَاسَةٌ) وهذا نهي قوي و واضح جدا يعتبر تلك العلاقة نجاسة. ليس هذا فحسب بل ان العقوبة حسب سفر اللاوين نفسه Leviticus 20:13 يحدد العقوبة التي يستحقها هؤلاء وبشكل شديد حيث قال: (إنْ عَاشَرَ رَجُلٌ رَجُلًا آخَرَ كَمَا يُعَاشِرُ امْرأةً، فَإنَّ كِلَيهِمَا قَدْ عَمِلَا خَطِيَّةً بَغِيضَةً، وَيَنْبَغِي إعدَامُهُمَا. هُمَا مَسؤُولَانِ عَنْ مَوْتِهِمَا) وهذه العقوبة ليس من عندنا ولكن من كتبهم المقدسة فلا يقول لنا أحد اننا ندعو لقتل هؤلاء بل هو دينهم الذي يدعون انهم به متمسكون وعنه يدافعون هو الذي يحدد تلك العقوبة. وهم بذلك امام معضلة فأما ان يحذفون هذه النصوص وهذا مستحيل في وجود مدونات الكترونية منتشرة او ان ينسلخوا عن الديانة المسيحية ويعترفوا بانهم لا يمثلونها ولا تمثلهم والا فعليهم الالتزام بنصوصها. ليس ذلك فحسب بل يذكر (سفر يهوذا) Jude 1:7 تحذير الرب ويعطي مثال على ذلك ما حصل في سدوم وعمورة حيث قال: (تَعْرِفُونَ مَا حَدَثَ لِسَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالقُرَى الَّتِي حَولَهُمَا. فَقَدْ كَانَ أهْلُ هَذِهِ المُدُنِ يَعِيشُونَ فِي الزِّنَى وَالانحِرَافِ. وَمَا عَانَتْهُ تِلْكَ المُدُنُ مِنْ نَارٍ أبَدِيَّةٍ، هُوَ تَحْذِيرٌ لَنَا نَحْنُ). حيث ان قوم سدوم وعمورة كانوا قد اشهروا شذوذهم وانحرافهم الجنسي. ولوط هو نبي وهو ابن اخو إبراهيم (عليه السلام) هاران وكان قد خرج معه من جنوب العراق من اور نحو حاران حسب سفر التكوين في الكتاب المقدس ثم ارتحل إبراهيم الى بلاد كنعان وحدثت مخاصمة بين رعاة اغنام لوط و رعاة اغنام إبراهيم مما جعل لوط وإبراهيم ان يفتقروا حتى لا تكون عداوة فسكن لوط ناحية سدوم على البحر الميت في الأردن وكانت قرية تشتهر بالزنى والشذوذ. وحسب سفر التكوين وكذلك ما جاء في رسالة بطرس (٢بط ٢ : ٦-٩ ) فان الله ارسل ملكين الى قوم لوط لتدميرهم بشكل تام بسبب شذوذهم وبعدما اخرجوا لوط وابنتيه من المدينة حيث جاء في سفر التكوين (١٩: ٢٣ – ٢٩) ورسالة بطرس ما يلي:
(وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتِ الأَرْضِ. وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ. وَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْغَدِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ الدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ الأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ الأَتُونِ. وَحَدَثَ لَمَّا أَخْرَبَ اللهُ مُدُنَ الدَّائِرَةِ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرْسَلَ لُوطًا مِنْ وَسَطِ الانْقِلاَبِ. حِينَ قَلَبَ الْمُدُنَ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا لُوطٌ.) وقد اثبتت الدراسات الجيولوجية الحديثة ان كارثة غير طبيعية حلت في هذه القرى دمرتها وجعلت عاليها سافلها ثم حرقتها بنار وغسلتها بماء بعد ذلك وكان جميع ذلك هو تحذير لعدم العودة للشذوذ للأجيال اللاحقة وهذا حسب الكتب التي يدعون انهم أهلها وهم ليسوا كذلك.
ومرة أخرى وحسب (سفر رومية) Romans 1:26-28 فان الله تركهم فترة من الزمن لعلهم ينتبهون ويرجعون عن شذوذهم ولكنهم لم ينتبهوا وتمادوا فحل عليهم العذاب من الله كما استحقوه وهم اليوم يتمادون مرة أخرى فسيكون غضب الله في المرة القادمة شديد حيث جاء في سفر رومية مايلي:
(لِهَذَا تَرَكَهُمُ اللهُ لِرَغَبَاتِهِمُ المُخزِيَةَ. فَاسْتَبْدَلَتْ نِسَاؤهُمُ العَلَاقَاتِ الطَّبِيعِيَّةَ بِعَلَاقَاتٍ مُخَالِفَةٍ للطَّبِيعَةِ. وَكَذَلِكَ تَرَكَ الرِّجَالُ العَلَاقَاتِ الطَّبِيعِيَّةَ مَعَ النِّسَاءِ، وَالتَهَبُوا شَهوَةً بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. فَصَارَ الذُّكُورُ يُمَارِسُونَ أُمُورًا فَاحِشَةً مَعَ الذُّكُورِ، وَحَمَلُوا فِي أنْفُسِهِمُ العِقَابَ الَّذِي استَحَقُّوهُ عَلَى انحِرَافِهِمْ. وَبِمَا أنَّهُمْ رَفَضُوا الاعْتِرَافَ بِاللهِ، فَقَدْ تَرَكَهُمُ اللهُ لِعُقُولِهِمُ الفَاسِدَةِ. وَسَمَحَ لَهُمْ بِأنْ يَفْعَلُوا مَا لَا يَلِيقُ.)
وجاء في (كتاب كورنوثوس الأول) 1 Corinthians 6:9-11 ان الأشرار لن يرثوا ملكوت الله وكل من قال عكس ذلك فهو خداع ليس الا وان المنحلون جنسيا من المخنثين واللوطيين حلوا في المقام الأول من هؤلاء الأشرار مع عبدة الاوثان واضيف لهم السكيرون وهذا خير دليل على ان الخمر محرم احتسائه حسب الكتب المقدسة وليس كما يدعي البعض منهم. حيث جاء في كورنوثوس ما يلي:
(ألَا تَعْلَمُونَ أنَّ الأشرَارَ لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ اللهِ؟ لَا تَخْدَعُوا أنْفُسَكُمْ! فَلَنْ يَرِثَ مَلَكُوتَ اللهِ المُنحَلُّونَ جِنسِيًّا وَعَبَدَةُ الأوْثَانِ وَالزُّنَاةُ وَالشَّاذُّونَ: مُخَنَّثِينَ وَلُوطِيِّينَ، وَلَا السَّارِقُونَ وَالفَاسِقُونَ وَالسِّكِّيرُونَ وَالمُفتَرُونَ وَالمُحتَالُونَ. وَهَكَذَا كَانَ بَعْضٌ مِنْكُمْ، لَكِنَّكُمْ تَغَسَّلْتُمْ وَتَقَدَّسْتُمْ وَتَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَبِرُوحِ إلَهِنَا.) أي ان الكتاب المقدس يحذر الأشرار من ان يخدعوا انفسهم ويعملوا الخبائث المذكورة ثم يقولوا ان خطاياهم قد تم غسلها باسم المسيح (عليه السلام) او باسم الله رب المسيح. هذا هو المقصود من تلك العبارة. وهناك ادلة كثيرة من الكتب المقدسة ضد ما يفعله الغرب اليوم من تحليل لما هو حرام حسب الديانة المسيحية بالذات وله عقوبات شديدة وصارمة وعندما يستفحل فسيحقق غضب الله على البشر وهم في أيامنا هذه يبتعدون عن الله اكثر فاكثر وقد انستهم الدنيا واستحكم فيهم الهوى والشهوات والمال والسلطة والفساد وستمون عاقبتهم عسيرة. ومن الأمور التي نراها قد انتشرت حديثا هي ظاهرة الوشم وهي كذلك قد نهى عنها الكتاب المقدس ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب (لاوين) Leviticus 19:28
)لا تُجَرِّحُوا أجسَادَكُمْ حُزْنًا عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا تَضَعُوا وَشمًا عَلَى أجْسَادِكُمْ. أنَا الله.(
Leviticus 19:28
“‘Do not cut your bodies for the dead or put tattoo marks on yourselves. I am the Lord.
كانت سدوم وعمورة قريتين صغيرتين فحل عليهما غضب الله واليوم يقلب الغرب القيم الصحيحة الى قيم مغلوطة ويسن القوانين التي تجيز بل وتساعد وتحث على ممارسة الشذوذ وتعتبره حق من حقوق الانسان بينما هذا الغرب نفسه يجيز لنفسه قتل شعوب وتدمير مكتسبات شعوب أخرى واحتلال أراضيها وسرقة خيراتها واشاعة الفاحشة فيها واستعمار أراضيها والسيطرة عليها والبشر اصبحوا عبيد للحياة الدنيا يسيرون في دوامة من العمل واللهو والروتين ولم يسأل احدهم كم اعطى من دنياه لأخرته فهل اقترب غضب الله ام انه بعد حين؟
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط