ترجمة:هاشم كاطع لازم – استاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة
تأليف: تيم ستوبيرسكي*Tim Stobierski
تعرّف (العولمة) globalization بأنها التدفق المتزايد للسلع والخدمات ورأس المال والأفكار عبر الحدود الدولية. وقد تسببت هذه الظاهرة في أحداث الكثير من التغييرات منذ انطلاقتها (موقع Global Business). وفي الوقت الذي يكون فيه تأثير العولمة على المجتمع أيجابيا وسلبيا معا فأن تأثيرها على البيئة يأخذ طابعا سلبيا في الأساس.
كيف تؤثر العولمة على المجتمع؟
أصبح عالم اليوم أكثر ترابطا من ذي قبل بفعل التقدم التكنولوجي والتكامل الأقتصادي. وتتشكل الأقتصادات المتقدمة مع تحول الأعمال المحلية الى أعمال دولية ، وهذا بدوره يؤدي الى انتشار التكنولوجيا في أرجاء الأرض. وهناك العديد من الفوائد التي جلبتها العولمة مثل تعاظم التجارة الدولية والتعاون وتقليل مظاهرالعدوان الدولي. وقد أدت العولمة الأجتماعية social globalization ، التي تنطوي على مشاركة الأفكار والمعلومات بين البلدان، الى تحفيز الأبتكار في الصناعات الطبية والتكنولوجية وفي الصناعات ذات الصلة في الحفاظ على البيئة.
أضف ألى ذلك، ساعدت العولمة على تحسين نمط الحياة في العديد من الدول النامية، ويشمل ذلك تنفيذ أنظمة مواصلات متطورة وضمان توفير خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
من جانب آخر تركت العولمة آثارا سلبية على المجتمع مثل توسيع هوة التفاوت في الدخول وتردي ظروف العمل في البلدان النامية التي تنتج السلع لحساب البلدان الأكثر ثراء. تجدر الأشارة ان التفاوت في الدخول يرتبط مباشرة بالعولمة لأنه يعمق الهوة للمناطق الأكثر تقدما وتطورا في البلاد ، وهذا بدوره يؤدي الى أمكانية زيادة مخاطر العنف الأجتماعي.
ماتأثيرات العولمة على البيئة؟
1. تزايد عمليات نقل البضائع
لعل واحدة من أهم نتائج العولمة هي أنها أتاحت الفرصة لوصول مشاريع الأعمال الى أسواق جديدة يمكن بيع السلع من خلالها وتوفير العمالة والمواد الأولية. ومثل هذا الأمريعني أن المنتجات تصل الى أماكن ابعد بكثير من ذي قبل، ربما لمعظم أجزاء الكرة الأرضية. ففي الماضي كانت المنتجات تنتج وتباع وتستهلك على المستوى المحلي في الأعم الأغلب. وهذا النقل المتزايد للبضائع يمكن أن يؤثر على البيئة بأشكال مختلفة:
+ تزايد الأنبعاثات الغازية: حين نحتاج الى نقل المنتجات الى أماكن بعيدة جدا فأننا نحتاج الى أستهلاك المزيد من الوقود، الأمرالذي يؤدي الى أنتاج كميات كبيرة من الأنبعاثات الغازية. ويشير تقرير صادر عن (منتدى العمل الدولي) International Transport Forum الى أن أنبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون من عمليات النقل سوف تزيد بنسبة 16% بحلول عام 2050. وهذه الأنبعاثات تتسبب في حدوث التلوث والتغير المناخي وتحمّض المحيطات حول العالم مما اثر كثيرا على التنوع الأحيائي.
+ تدمير بيئة الحيوان والنبات Habitat destruction
تحتاج المواصلات ، خاصة البرية منها، الى بنى تحتية مثل الشوارع والجسور. ولاشك ان تطوير مثل هذه البنى التحتية يمكن أن يؤدي الى أمور مثل فقدان بيئة الحيوان والنبات والتلوث. ومع تزايد حركة السفن في البحرفأن هناك احتمالات أكبر بحصول تسربات نفطية كبيرة تؤدي الى ألحاق الضرر بالبيئة البحرية الهشة.
+ الأنواع الأحيائية الغازية
أن كل حاوية تشحن بحرا ربما تكون حاضنة لكائن حي أبتداء من النباتات الى الحيوانات الى الفطريات حيث يجد هذا الكائن طريقه الى مكان جديد يمكن ان يكون فيه غازيا ومن ثم ينمو دون أية عوائق أو توازنات مثلما هو حاله في بيئته الطبيعية.
2. الأختصاص الأقتصادي
تسمح العولمة ، في واحدة من التأثيرات الجانبية التي يتم التغاضي عنها في الغالب، للدول والمناطق الجغرافية بان تركز على نواحي القوة الأقتصادية فيها وتراودها القناعة التامة بأنها يمكن ان تتحول الى شركاء تجاريين في السلع التي لاينتجونها بانفسهم. وغالبا مايعزز مثل هذا الأختصاص الأقتصادي الأنتاجية والكفاءة ، غير ان المغالاة في الأختصاص يمكن ان تتسبب في تهديد سلامة الغابات ومن ثم تؤدي ألى قضايا بيئية خطيرة ربما تكون بشكل فقدان بيئة الحيوان والنبات وأزالة الغابات أو الأفرا ط في استغلال الموارد الطبيعية.
+ هناك على سبيل المثال أزالة الغابات بشكل غير قانوني في البرازيل وذلك بسبب تزايد عمليات تربية الماشية في البلاد التي تتطلب أستغلال مساحات شاسعة للرعي.
+ صيد الأسماك الجائر في المناطق الساحلية التي تشمل جنوب شرق آسيا مما أدى الى تقليص أعداد الأسماك كثيرا وكذلك التلوث المحيطي.
+ الأعتماد كثيرا على المحاصيل النقدية مثل القهوة والكاكاو والفواكه المختلفة التي ساهمت في فقدان بيئة الحيوان والنبات وخاصة في المناطق المدارية.
تجدر الأشارة أن العولمة قد أتاحت الفرصة لبعض الدول للأختصاص في انتاج مختلف أنواع سلع الطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي والأخشاب. ومن المرجح أن تعمد الدول التي تعتمد على مبيعات الطاقة على تمويل جزء كبير من ميزانياتها الوطنية أضافة الى تلك الدول التي تنظر الى “أمن الطاقة” باعتباره أولوية والى التدخل بشكل من الأشكال في السوق بصفة أعانات مالية أو من خلال تشريع قوانين تجعل الأنتقال الى الطاقة المتجددة أكثر صعوبة.
والنتيجة الجانبية لأستهلاك تلك الموارد الطبيعية تأخذ شكل انبعاثات غازية تساهم الى حد كبير بحصول الأحتباس الحراري والتغير المناخي.
3. تناقض التنوع الأحيائي
تؤدي العوامل التي ذكرت آنفا الى تقليص التنوع الأحيائي في أرجاء العالم. ويذكر (تقرير الكوكب الحي) Living Planet Report الصادر مؤخرا عن (صندوق الحياة البرية العالمي) World Wildlife Fund أن أعداد سائر الكائنات الحية التي تشمل الثدييات والطيور والأسماك والبرمائيات والزواحف قد تناقصت بمقدار 68% منذ عام 1970. وقد شهدت كل من أمريكا اللاتينية وافريقيا، وهما منطقتان تتطوران بسرعة وتشكلان أهمية للتجارة العالمية، مستويات غير متجانسة في فقدان التنوع الأحيائي خاصة مايتعلق بالأسماك والزواحف والبرمائيات التي تتسم بالحساسية البيئية. وفي الوقت الذي يعزى فيه هذا التناقص في التنوع الأحيائي الى الكثير من الأسباب فأن هناك تصورا واسعا بان القضايا المذكورة قد تسببت في جزء من ذلك التناقص فحسب.
4. زيادة الوعي: مع أن الكثير من تأثيرات العولمة على البيئة اتسمت بالسلبية فأن تعاظم دورها قد أدى الى زيادة الوعي البيئي في مختلف أرجاء العالم. وقد ساعدت عوامل الترابط الكبيرة بين الأمم والزيادة الهائلة في معدلات السفر عبر العالم الناس على ملاحظة تأثيرات أزالة الغابات وفقدان بيئة الحيوان والنبات والتغير المناخي على البيئة. وقد أدى ذلك بدوره الى تشريع قوانين وأنظمة جديدة وأتخاذ أجراءات من شأنها ان تحد من مثل تلك التداعيات السلبية.
5.دور الأعمال: أتاحت العولمة الفرصة للمجتمع لجني الكثير من الفوائد منها تزايد التعاون الدولي وتقليل فرص مخاطر النزاعات العالمية وتقليل أسعار السلع والبضائع ، لكنها مع الأسف تركت آثارا سلبية خطيرة على البيئة.
ولأن من المستبعد أن تنتهي العولمة أو تعود القهقرى فأن من المرجح أن يزداد الوضع سوءا الى أن ترى الدول والحكومات والمنظمات أنفسها مكرهة على تشريع قوانين وأنظمة تحد من التأثيرات السلبية. ثم أن العمال والصناعات التي تعمل على النطاق الدولي ترى لزاما عليها أهمية تقليل الآثار السلبية قدر المستطاع. وأن القيام بمثل هذا العمل لايعطي المنظمة أو الجهة المعنية سيطرة اكبر على مبادراتها، أنما يشكل أيضا أداة تسويق وتواصل قوية.أن الأستثمار بالطاقة المتجددة وفي الصفقات الشاملة يعتبر من الخيارات العملية التي ينبغي أن تلتفت أليها الأعمال.أما التحدي فيكمن في موازنة الرغبة في تقبل المسؤولية الأجتماعية الجماعية مع الحاجة لضمان تحقيق الربح وأدارة مشروع عمل ناجح.
————————————————————————–
* الكاتب خبير اقتصادي في التسويق وكاتب في موقع (كلية هارفرد للأعمال).
www.online.hbs.edu/blog/post/globalization-effects-on-environment