ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة
تأليف: جاك دي جيويا Jack De Gioia
– يتعين علينا أن ننظر ألى العولمة باعتبارها قوة نستطيع من خلالها تحسين أوضاع البشرية.
اذا خضنا نقاشا حول ماهية جامعة المستقبل فلابد أن تشكل العولمة ، وبالذات كيفية الأستجابة لظاهرة العولمة، قضية أساسية.وكان منطق العولمة قد أستند لفترة طويلة على تعبيرات السوق ومفاهيمه. وحين يبلغ تعبير (العولمة) أسماعنا فأن تفكيرنا يذهب مباشرة ألى الأنظمة المالية المتكاملة والتعريفات الجمركية وقوانين التجارة والشبكات الأقتصادية العابرة للحدود القومية. وهذه المظاهر جميعا تتسم بالأهمية دون أدنى شك. لقد أدت قوى العولمة الى أحداث نمو استثنائي لكنها مع ذلك تنتقد بسبب ماحصل من أوجه تفاوت متزايدة بين بلدان العالم. وأرى لزاما علينا نحن الأكاديميون أن نتناول مثل هذه المواضيع من جانب مثلنا ومعتقداتنا الأكاديمية العليا ، أي انطلاقا من الروح المميزة للتوجهات الأكاديمية الصرفة وأن نطرح أفكارنا وما بحوزتنا من مصادر في خضم مثل هذه النقاشات.
كيف أذن نتمكن من تسخير قوى العولمة؟ أولا وقبل كل شيء علينا أن نثبت وجودنا مندفعين بزخم القيم التي يؤمن بها العاملون في المجال الأكاديمي وأن نعمل على أعادة صياغة جوهر معنى (العولمة). أن فهمنا لظاهرة العولمة محدد للغاية ، فهذا الفهم ينبغي أن لايقتصر على التعبيرات الأقتصادية وأعتبارات السوق فحسب، أنما لابد من أن نفهم العولمة بصفتها قوة نستطيع من خلالها تحسين أوضاع البشرية ، وهذا ماتستطيع الجامعات فعله من خلال ماتمتلكه من موارد مهمة.وأقترح في هذا الشأن ثلاثة مجالات تتوائم مع مثل الجامعة ومعتقداتها. ويحدوني الأمل بأن يؤدي تناول هذه المجالات فكريا الى توسيع فهمنا وأدراكنا لمعنى العولمة.
أولا: في أطارسعينا لتقصي سلسلة الفرص العالمية وتوسيعها، في الوقت الذي تمكننا أساليب التكنولوجيا الحديثة من زيادة ترابطنا مع بعضنا البعض، فأن علينا أن نكون أكثر ترابطا مع جماعاتنا المحلية. وفي ضوء أرتباطنا بمحيطنا المحلي فأننا نضع الأساس للتحرك قدما نحو المساعي الرامية لتحسين أوضاع البشرية جمعاء. أن أول مسؤولية نتحملها بصفة مربين تربويين هي تطوير الشباب وتعزيز قدراتهم الذهنية وتهذيبها فضلا عن تشكيل شخصياتهم.
وتتمحور المثل والمعتقدات الجامعية، بحسب زميلي في جامعة جورج تاون جون أومالي John O”Malley، حول (تجلية الحقيقة وأعتماد النبل والرفعة في الأستقصاء عنها). ونحن نسعى لنغرس في أذهان طلبتنا التفكير السليم الذي يعزز مثل هذا البحث. وعلينا أن نتيقن من أن الطلبة مؤهلين لأن يؤدوا دورا أساسيا في عالمنا المتغيّر دوما.
والمفردة التي تستقطب مثل هذه المسؤولية الأخلاقية هي cosmopolitan (عالمي) التي تشي بأن مسؤولية بعضنا تجاه البعض الآخر متأصلة في كوننا جميعا من البشر ، أي أن مسؤوليتنا متبادلة. ونحن نعي ونتعلم هذه المسؤولية في أطار وضعنا المحلي، أولا في عوائلنا ومن ثم في مدننا أو قرانا –الجماعات التي ننتمي أليها أو (جماعاتنا المحددة).
وتعزو (مارثا نيسباوم) Martha Nussbaum، وهي باحثة عالمية التوجه، هذا المصطلح الى جذور تاريخية قديمة جدا مشيرة الى أن
الرواقيين* يؤكدون بأنك أذا شئت أن تكون مواطنا تحمل صفة عالمية فلا ينبغي عليك
أن تتخلى عن سماتك المحلية التي تمثل مصدر ثراء عظيم لحياتك. ويرون بأننا يجب
أن لانفكر بأنفسنا بمنأى عن أرتباطاتنا المحلية أنما نعيش محاطين بسلسلة من الحلقات
متحدة المركز. فالحلقة الأولى تحيط بذات الأنسان والحلقة الأخرى تشمل عائلة المرء المباشرة
وبعدها العائلة الموسعة ومن ثم بالترتيب: الجيران والجماعة المحلية ومواطني المدينة التي
تسكنها ومن بعدها أبناء البلد. وخارج تلك الحلقات توجد أكبرها جميعا وهي حلقة الأنسانية
جمعاء. وتتمثل مهمتنا بصفتنا مواطنين في هذا العالم بأن نسحب تلك الحلقات نحو المركز.
(الفيلسوف الرواقي هيروكليس Hierocles ، القرن الثاني ٌ.م.)
نحن نبدأ بالحلقة المحلية حيث هوياتنا الوطنية، ومثل هذه الهويات هي التي نطلب من الطلبة حملها الى مدار جامعاتنا. ويتعين علينا ان نتقبل تلك الهويات الوطنية والجماعات التي تغذيها وتحافظ عليها مع تحركنا في تلك الحلقات متحدة المركز وضرورة أدراك الحاجة للجانب العالمي global بشرط ان لايكون ذلك على حساب تلك الهويات.
ثانيا، يتعين علينا ان نؤمن بالتكنولوجيا الحديثة ونهتم بها لأسباب غير تلك التي نتداولها يوميا ، فالتكنولوجيا بدأت تغير حياتنا وعالمنا ليس في كيفية التواصل والترابط فيما بيننا فحسب أنما أيضا في صياغة (معنى) في هذا الوجود الذي نعيشه. وهذا الأمر هو الأهم. مع ذلك هناك طريقة أخرى يمكن اللجوء أليها لتسخير التكنولوجيا، فبوجود ألبنى التحتية التعليمية الحالية لن نتمكن من تلبية أحتياجات مجتمعاتنا مستقبلا. وهناك في واقعنا الحالي جوانب لاتناسق في المجال التعليمي قياسا لما يحتاجه الناس من تعليم. وحتى في الولايات المتحدة، التي تتبنى واحدا من أكثر نظم التعليم العالي تعقيدا في العالم، لم نتمكن حتى الآن من تخريج أعداد كافية من خريجي الدراسة مابعد الثانوية لتلبية احتياجات الأقتصاد الأمريكي. وهذا يعني أن البلاد تفتقر الى تعليم عالي كافي. من هنا تحتاج العولمة الى (الوثب) وليس المسير العادي لتحقيق التطور المطلوب المتسم بالأبداع لبنى تحتية جديدة وكذلك الأستخدام المبدع للتكنولوجيا الحديثة.
ثالثا، علينا ان نقر بمسؤولياتنا حيال التنمية البشرية الشاملة ولسائر الناس في مختلف البلدان. وقد شهد العقدان الماضيان مبادرة استهدفت تحويل فهمنا لطبيعة مسؤوليتنا تجاه بعضنا البعض.
ومنذ عام 1990 أنجزت الأمم المتحدة (تقرير التنمية البشرية) السنوي Human Development Report ، وكان الأب الروحي لهذه المبادرة هو (أمارتيا سين) Amartya Sen الحائز على جائزة نوبل والذي طور عددا من الأفكار تحت مسمى (منهج التنمية والقدرات البشرية) Human Development and Capability Approach . ويهدف هذا المنهج الى التعاطي مع الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والسياسية الأساسية ليتمكن الجميع من تنفيذ التعهدات وأستحضار القدرات. وهذا منهج خاص بالتنمية الهدف منه توسيع مايتمكن الناس من القيام به. وقد تمت صياغة المفاهيم المحركة في (التقريرالأول للتنمية البشرية). وقد عرّفت التنمية البشرية على أنها (عملية توسيع خيارات الناس وكذلك مستوى الرفاهية المتحققة لهم). وأضاف التقرير:(أن الغرض من التنمية هو تعزيز قدرات الناس). ماالمقصود بقدرات الناس؟ المقصود بها (حريتهم في دعم الأشياء التي يرغبون بأدائها وتحقيقها). أنها حرية القيام بالممارسات والنشاطات التي يحبذها الناس والتي تنم عن القيم).
والسؤال الذي يطرح هنا ويشكل جوهر منهج التنمية البشرية والقدرات هو: هل يمتلك المرء القدرة على تأدية النشاطات والممارسات ، والتي يدعوها سين ب (الأعمال) functionings التي تهمه كثيرا؟ أضافة الى ذلك هل توفرتلك البنى الأجتماعية والسياسية والأقتصادية الأطار لتحقيق مثل هذه القدرة؟ وفي معظم الفترة الحديثة كنا ننظر الى مسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض بين طرفي (مذهب المنفعة) **utilitarianism والنظريات المستندة الى العمل. لكن منهج التنمية والقدرات البشرية يطلب منا أن ننتهج طريقا آخر.
أن فكرة التنمية البشرية تتوائم الى حد كبير مع المثل العليا والمعتقدات التي تتبناها الجامعات وكذلك تركيزها على تحسين أوضاع الناس حيثما وجدوا. والحاجة الأخلاقية الملحة تدعونا الى تبني مثل هذا الفهم الجديد لمسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض بهدف تحقيق التنمية (التكاملية) ، الأمر الذي يتيح للجامعة الفرصة لأداء دور أعظم حيال التنمية البشرية. وطالما نقبل بمسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض بصرف النظر عن الجغرافية أو القومية أو الأثنية أو العرق أو اللون أو الجنس (ذكر أو أنثى)، اي قبولنا هذه الصفة التي تتسم بالعالمية فانه يتعين علينا أن نكون أكثر أحتراما لبيئتنا المحلية ولجماعاتنا الخاصة. ومع سعينا لتعميق أرتباطاتنا من خلال التكنولوجيا الحديثة فان علينا أن ندرك الحاجة الماسة لتعميق فرصنا وتوسيعها للوصول الى أهدافنا. علينا أن نتقدم بوثبات وأن تتاح الفرصة المناسبة لمواطنينا لأستخدام التكنولوجيا لنتيقن من أن سائر الناس يحصلون على التعليم اللازم للمشاركة في الأقتصاد العالمي. ومع تزايد تفاعلنا مع العالم فأن علينا ان نقبل مسؤولياتنا الخاصة بالتنمية البشرية التكاملية لسائر الناس.
أن جامعة المستقبل أذا أرادت أن تستجيب لقوى العولمة فأن علينا أن نرفع صوتنا والمثل العليا والمعتقدات ذات الصلة المباشرة بتحسين أحوال البشر وكذلك تهيئة مواردنا من أجل توسيع فهمنا للمسؤوليات التي نتحملها في مثل هذه التفاعلات.
www.educause.edu/articles/2011/5/the-impact-of-globalization-and-the-future-university
Read our Privacy Policy by clicking here