علاء كرم الله
لايستبعد أن بلاد ما وراء النهرين والتي يطلق عليها ( ميزوبيتيميا) ، التي هي مهد الحضارات والتي قامت على ضفاف نهريها الخالدين أعرق الحضارات الأنسانية في التاريخ ، وهي من قدمت الوجود الأنساني للعالم كله من خلال حضارتها العريقة التي تمتد لأكثر من 7000 سنة ، لربما ستموت هذه البلاد عطشا وتنتهي وتندثر! بسبب الجفاف والقحط المائي الذي تعاني منه منذ عقود وخاصة العقدين الأخرين من بعد الأحتلال الأمريكي البريطاني الغادرللعراق ، الذي يبدو وما لمسناه ونراه خلال العشرين سنة التي مضت ، أنه جاء ليمحوا هذه البلاد وحضارتها العميقة! . منذ عقود من الزمن بدأ المحللين السياسيين ومراكز الدراسات السياسية والبحثية الكبيرة بتسليط الضوء ، على أمر مهم كان الى حد ما غائبا عن أذهان الكثيرين! ، وهو أن الحروب القادمة بين دول العالم ستكون حروب مياه!! ، وذلك لكثرة دول العالم المتشاطئة فيما بينها بالأنهار والبحيرات وبالتالي هو صراع وجود من أجل البقاء ومن أجل الحياة! . ومن الطبيعي أن مثل هذه الحروب تخلوا تماما من أية رحمة وأنسانية ، بل هي حرب قاسية فعلا بكل معنى الكلمة ، فتصور أن يموت البشر والشجر والزرع والضرع عطشا بسبب قلة الماء أو عدم وجوده أصلا! ، لأن دولة جارة ومجاورة لدولتك هي من تقوم بذلك بقطعه عنك! لأنه لدينا معها حدود مائية ونهرية مشتركة! ، فكم هي قاسية فعلا مثل هذه الحرب؟! . ومن الطبيعي أن تلك الدراسات لم تأت من فراغ بقدر ما جاءت من أبحاث ومشاهدات ومراقبات ومتابعات مستمرة للأحداث التي تجري بالعالم . ولذا حرصت المنظمات الدولية والعالمية وبأشراف من الأمم المتحدة أن تضع الكثير من الضوابط والمعاهدات والشروط بين الدول المتشاطئة ليلتزموا بها ، تفاديا لأية نزاعات وخلافات قد تحدث بينهم ، وحتى تكون الأستفادة من المياه المشتركة بشكل عادل وترضي كل الأطراف . لقد شاءت الأقدار أن يكون العراق دولة متشاطئة مع جيرانه ( تركيا – أيران – سوريا) ، ومع الأسف لم تلطف الأقدار بنا بل شاءت أن تكون علاقة العراق مع هذه الدول متوترة في كثير من الأحيان وعلى مر الأزمان! ، هذا أذا أستثنينا بعض سنوات من الهدوء النسبي في تلك العلاقات بين تلك البلدان ، والذي تبعته عواصف وحروب كما حدث مع الدولة الجارة أيران! ( الحرب العراقية الأيرانية من 1980 – 1988 ) . من جانب آخر أن الأحتلال الأمريكي البريطاني الغاصب للعراق عام 2003 ، كشف لنا أمرا غاية بالأهمية وغير الكثير من تصوراتنا؟! ، حيث تبين لنا أن غالبية الدول العربية ومعهم بعض الدول المجاورة للعراق تكن الحقد والكره على العراق وشعبه بشكل يفوق التصور!! ، وهذا عكس ما كنا نعتقده ونتصوره بأنهم ، يكرهون رئيس النظام السابق فقط! ، وتلك كانت أقسى الحقائق وأكثرها ألما من وجهة نظري ، عندما تأتيك الطعنة من الخلف ومن أخيك الذي نذرت نفسك وروحك من أجل الدفاع عنه! وبالتالي ، يكون هو أول قاتليك! . ومما لا يخفى على أحد أن كل الأدارات الأمريكية من ( جمهوريين الى ديمقراطيين) عملوا بقصد خبيث ولئيم وبمكر وتدبير وتعاون مع بعض الدول المجاورة والمحيطة بالعراق على جعله ضعيفا مستضعفا ، وساحة ليس لتصفية الحسابات والمعارك بين الدول فحسب بل هو المكان المناسب للنهب والسرقة والفساد بكل أنواعه وصوره! ، كما أنتهجت الأدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 2003 سياسة (تصغير الكبير وتكبير الصغير!!) فعملت بكل حقد على تصغير العراق! من خلال تدمير كل بناه الفكرية والعلمية والانسانية والأخلاقية والأجتماعية والفنية وحتى الدينية وبالتالي تمزيق نسيجه الأجتماعي! ، وذلك من خلال زرع الفتن والمشاكل الأجتماعية والطائفية والقومية والمذهبية وأثارة الحروب الداخلية بين أبناء الوطن الواحد بأنتهاجها سياسية ( فرق تسد) تلك السياسة الأستعمارية المعروفة منذ القدم! ، وكذلك من خلال تنصيب حكومات ضعيفة لأدارة البلاد ، لم يكونوا عند مستوى المسؤولية ولا عند مستوى ظن الشعب بهم! ، فخربت البلاد وضاع القانون وعمت الفوضى وساد الخراب والفساد والدمار. حتى بات واضحا للمواطن البسيط ، بأن العراق وكأنه في طريقه للزوال ! من خلال تقطيع أوصاله ، وصار الكثير من المواطنين يتندرون بالقول وعبر وسائل الأعلام والفضائيات أن العراق ( يتم بيعه بالتفصيخ) تدريجيا! ، وآخرها وليس أخيرها هو موضوع مدينة أم قصر! ، والذي أثار لغطا وجدلا كبيرا ولا زال ، وهل هي فعلا أصبحت من حق الكويت! ، حسب قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن ، أم هناك أمور أخرى هي من جعلتها من حق الكويت!؟ ، ولازال موضوع أم قصر يشغل الأعلام والشارع العراقي ، ولكنه كالعادة سيأخذ حيزه ووقته من الأعلام ثم يطويه النسيان! ، لينشغل الشعب بمصيبة جديدة وأخرى! (فدائما هناك فوضى خلاقة ، ودائما هناك صدمة ورعب!) ، وهذه هي سياسة أمريكا الخبيثة بالعراق منذ 2003 ولحد الآن! . لم يعد خافيا على أحد بأن العالم كله يعيش زمن وعصر القوة والبلطجة! ، ومن الطبيعي أنه ليس للضعفاء مكان في هذا الزمان! ، المؤلم في الأمر أن العراق صار ضعيفا مغلوبا على أمره بين هذه الدولة وبين تلك ، وبين مطرقة هذه الدولة الكبيرة وسندان تلك الدولة القوية! ، بعد أن أستضعفه الجميع ، القريب قبل البعيد وحتى أهله بالداخل أستضعفوا بعضهم البعض! ، فلا قانون ممكن يحميك ألا قوتك ومعارفك ومحسوبياتك! . ولأن حرب المياه هي أحد أخطر الحروب التي سيشهدها العالم والتي بدأت منذ عقود ، حيث بدأت كل الدول المتشاطئة والتي لديها حدود مائية مشتركة مع الدول التي تجاورها ، بدأت تفكر في كيفية عدم وضع نفسها تحت أية ضغط وحصار مائي ليس فقط بأبرام الأتفاقات والمعاهدات التي تنظم الأستفادة من المياه بين الطرفين بل ، بأقامة السدود والمنشأءات المائية ، وأية مشاريع مائية تقيها شر وقوعها تحت رحمة الدول التي تشاطئها بالمياه!؟ . ولأن العراق بات ضعيفا بين أهله وجيرانه بل هو الأضعف وهذا ما عملت عليه أمريكا حسب ما ذكرنا آنفا ، لذا بدأت عملية خنق العراق مائيا من قبل بعض الدول العربية وكذلك بعض الدول المجاورة والمحيطة بشكل فاضح وعلني! ، دون تحرك جدي من الحكومات العراقية ، بل بصمت مطبق تارة! وأعتراض على أستحياء وخجل تارة أخرى!! . ولأن السياسة لا تعرف الرحمة والأنسانية وكل حكومة في العالم تبحث عن مصالح بلدانها وشعوبها ، فلم تتواني حكومة أردوغان التركية الطامح والجامح لأستعادة أمجاد الدولة العثمانية ! بأقامة السدود الكثيرة للسيطرة الكاملة والتامة على نهري دجلة والفرات ، ((فتم أنشاء 14 سدا على نهر الفرات وأكبرها سد أتاتتورك ، و8 سدود على نهر دجلة وأكبرها سد أليسوا ، مع 19 محطة كهرومائية لأستصلاح أراضي تركية تقدر مساحتها بقدر مساحة بلجيكا! ، وهنا لابد من الأشارة أن السدود التي أقامتها تركيا كانت بقروض أسرائيلية وبخبرة هندسية أسرائلية أيضا في مجال الري ! وبأشراف الخبير الأسرائيلي الشهير شارون لوزوروف والمهندس يوشع كالي!!)) . كل هذا والعراق لم يقم ببناء أي سد أو اية مشروع مائي يمكن أن يضمن له حقه في نهري دجلة والفرات منذ ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن!! ، بل قابل كل ما قامت به تركيا بالسكوت! ، الذي لا ندري هل هو علامة الرضا؟ ، أم هو الخوف من تركيا؟ ، وكل الذي يفعله العراق هو الطلب وبرجاء من الحكومة التركية لزيادة الأطلاقات المائية من حصة العراق ، ولمدة لا تزيد على شهر بسبب الجفاف الذي يعاني منه العراق ، حتى أن نصف أراضي العراق أصبحت بورا وخاصة الأهوار في جنوب العراق!. أما من جانب أيران الجارة الأقرب لنا والتي نرتبط معها بوشائج من العلاقات الطيبة ولدينا معهم تداخل أجتماعي ومصاهرة وتداخل ديني ومذهبي كبير وبالتالي هي الأقرب لنا من تركيا لدى الكثير من العراقيين ، فهذه الجارة الشقيقة ، حولت مجرى أكثر من 45 نهر ورافد يغذي العراق وحولتها الى داخل أيران بأدعائها وجود أزمة مائية لديها! ، وأهم هذه الأنهر التي قطعت عنها المياه (الكرخة والكارون والوند والطيب واخرها هوشياري الذي يغذي مدينة السليمانية). وهنا لا بد من الأشارة بأن ايران تعتبر خامس دولة بالعالم بأقامة السدود! ، ومن المفيد أن نذكر هنا تصريح للسيد( رياض عز الدين/ مدير سد الموصل) ، بأن المياه أنخفضت في خزان سد الموصل الى 3 مليار متر مكعب مقارنة بالعام الماضي حيث كانت 8 مليار متر مكعب!! بسبب الأجراءات التركية والأيرانية. وهنا لابد وأن أطرح وجهة نظري كمراقب للأحداث التي تجري ، وبلغة عراقية قد يراها البعض قاسية! ، ليس للدفاع عن تركيا أو أيران، فأقول: (( يعني أذا أحنا ملتهين بالحروب والمصايب والمشاكل ، نطلع من حرب نخش بحرب ، ولا نبني ولا نعمر، شنو العالم يظلون يتفرجون علينا ؟ ليش هم ميستفادون ويبنون السدود والمنشأءات؟؟) . نعود الى الموضوع ، وأذا كانت تركيا تتجاوب مع النداءات والطلبات العراقية في موضوع المياه وتسمع وجهة النظر العراقية بخصوص الحصة المائية المستحقة للعراق ، فأن أيران الجارة الأقرب لنا فمع الأسف لن ولم تسمح بفتح الموضوع معها أصلا !؟ ، حتى ولو من جانب أنساني ! ، وبالتالي فأن حاجة العراق من المياه صارت تحت رحمة تركيا وأيران! . وهنا لابد من الأشارة الى بعض التصريحات الخاصة بموضوع نقص المياه الحاد والخطير في العراق والتي جاءت على لسان الدكتور نبيل المرسومي / وهو أستاذ بالأقتصاد (( أن العراق يستهلك سنويا 60 مليار متر مكعب من المياه ، في عام 2019 كانت واردات العراق من المياه هي 93 مليار متر مكعب ، أنخفضت واردات العراق في عام 2023 الى 15 مليار متر مكعب!! ، وتوقع الدكتور نبيل أذا أستمرت الأمور على هذا المنوال فأن نهري دجلة والفرات سيجفان تماما عام 2040 !! ، اما تصريح وزير الموارد المائية السيد عون ذياب ، فقد ذكر بهذا الخصوص بأن ، الدولة تجهز الفرد العراقي ب 700 لتر من الماء يوميا ، أي ما يعادل 185 غالون لكل فرد! ، وهذا الرقم هو أعلى من أستهلاك الفرد الأمريكي والفرنسي !!؟ لاسيما أذا علمنا أن المؤشر العالمي لأستهلاك الفرد هو 250 لتر يوميا )) . وبعيدا عن عدم وجود الضوابط والمراقبة الضرورية من قبل الدولة وأجهزتها الخاصة بخصوص ضرورة ترشيد الأستهلاك ، بسبب وجود تبذير كبير في المياه وخاصة وجود آلاف من بحيرات الأسماك غير النظامية وغير المرخصة! ، فأن موضوع نقص المياه الحاد في العراق هو من عام أسوء الى عام أسوء منه! ومادامت الحكومات العراقية ساكتة صامته لا تحرك شيئا ، فلماذا يرحمنا العالم !؟ . وهنا لا بد من التذكير بأنه وفي عام 1973 من القرن الماضي وفي أحد اللقاءات التي جمعت بين وفدي العراق وتركيا بخصوص تنظيم تقاسم المياه بينهم ، غمز أحد أعضاء الوفد التركي وبشكل خبيث وعلى سبيل المزحة !! قائلا: لأعضاء الوفد العراقي ، ((( نحن نخاف أن يأتي اليوم الذي يمكن أن نبادلكم فيه برميل ماء ببرميل من النفط!!؟))) . أقول ، يبدو أن هذا اليوم قد أصبح قريبا !؟ بسبب ما يمر به العراق من أزمة مياه حادة وخطيرة وبسبب عدم وجود سياسة رشيدة من قبل وزارات الدولة المختصة ، لوضع الضوابط والقرارات التي يمكن أن تضبط هذه العبثية والفوضى في تبذير المياه !، لا سيما أذا علمنا أن تركيا تعتبر الماء سلعة للبيع!!! ، رغم أن ذلك هو مخالف للقوانين والأعراف الدولية! ، مستغلين وضع العراق الذي جعل منه الأحتلال الأمريكي بلدا ضعيفا مستضعفا منهوبا تعمه الفوضى والفساد ، بعد أن حولته الى مشروع تجاري للنهب والسرقة من الجميع من الداخل قبل الخارج! فغالبية الدول العربية ومعها بعض الدول المجاورة والمحيطة بالعراق تريد أن تنهب العراق وتأخذ حصتها منه ، وكأن هناك شعور بأن العراق في طريقه الى الزوال ! ، فليأخذوا منه ما يشاؤون قبل فوات الأوان فهي فرصة والسياسية فن الممكن وأستغلال الظروف ولا رحمة فيها! . أخيرا نقول أمام كل ماذكرناه من الواقع المزري والمخيف في موضوع نقص المياه الحاد سنة بعد أخرى لماذا نستبعد أن يقوم العراق بشراء الماء أو مقايضة برميل نفط مقابل برميل ماء من الدول التي تجاورنا ، من أجل أن لا نموت عطشا!!؟ . لله الأمر من قبل ومن بعد ، وللعراق رب يحميه!.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط