الكاتب/سمير داود حنوش
ثمة حكاية غريبة حدثت بعد عام ٢٠٠٣ وسيناريو عجيب أوجده الإحتلال الذي جاء بمجموعة من شتات الشرق والغرب والبعض من شوارع بلاد الضباب الذين إستيقظوا فجأة فوجدوا أنفسهم في السلطة أو حكاماً للعراق.
مجموعات سياسية تعاني من عقد نفسية موغلة في شخصياتها من حقيقة إسمها بناء الدولة والمؤسسات رافقت سلطة إحتلال جابت دباباتها شوارع بغداد دون خطة لتنظيم شؤون البلد بإعتراف الأمريكان ذاتهم.
ما يهمنا هو تلك التي جاءت مع المحتل كما لو أنها كانت تطلب العراق وشعبه ثأراً قديماً.
إستقبلهم شعب يعيش فوضى التفكير وسنوات عِجاف رافقته وألمت به إبتداءً من حرب الثمان سنوات مع إيران وصور القتل ومشاهد الجثث المتناثرة وإنتهاءً بسنوات الحصار المفروض عليه من قبل حكومة الإحتلال الأمريكي.
صورة بأبعادها الثلاثية كانت نتيجتها ما يحدث اليوم من فناء للبنية التحتية وتفتيت الشعب العراقي إلى شعوب وفساد أصبح به العراق مضرب الأمثال حيث لم يشهده هذا البلد بتاريخه الحديث والقديم.
دائماً ما يلوم حكام العراق الجديد الشعب بكل ما حدث ويحدث فهو السبب الرئيسي لهذا الإحتلال وكأنهم يصنعون المنّة لهذه الضحية عندما تم تخليصها من الجلّاد كما يتحدثون في أدبياتهم، ولا يعترفون أنه لولا الجيش الأمريكي لما إستطاعت أقدامهم أن تخطوا خطوة واحدة داخل الحدود العراقية.
الوحيدون الذين لم يُدينوا إحتلال بلدهم هم أولئك القادمون (الغرباء) حين يأتون بالحقائق من الأسفل إلى الأعلى ويعتبرونه تحريراً وليس إحتلال بالرغم من إعتراف القوة المحتلة (أمريكا نفسها) بأن غزو العراق كان إحتلالاً.
منذ عشرينيته التي بدأت أيامها منذ التاسع من نيسان ٢٠٠٣ وإحتلاله ظل العراق مُمهّداً لفناء كبير في بُناه ومؤسساته، وشعباً يعيش خراباً وصل إلى داخل الشخصية العراقية من خلال إنتشار معدلات الجريمة والمخدرات والإنتحار والفساد الذي بات يفتك بحياتهم كالسرطان، ولازالت السلطة تنظر إليهم بذلك المطلوب ثأراً وعليه أن يسدده.
ضمن سخافة هذه المعادلة يعيش العراقيون كابوساً يبدو أنه أشد حلكة من كوابيس الماضي التي رافقته ويحتاج إلى تعويذة تنقذه من تلك الأحلام المزعجة.
عقلية الحقد والإنتقام التي تحملها المجموعات التي دخلت بغداد بعد التاسع من نيسان ضد أي شيء يحمل إسم العراق يجعل من الصعوبة الإدراك بضرورة التغيير أو تبديل العقول المريضة التي تحملها أجسادهم، بل الإستحالة مجرد التفكير في كيفية بناء البلد ومؤسساته وإنتشال الشعب من واقعهم المزري الذي كان هؤلاء سبباً لسقوط هذا الجمهور في ذلك النفق المظلم.
تدرك النخب السياسية الحاكمة إن الشعب بات يمقتها بسبب الآلام التي سببتها له، لكنها مُصرّة على الإيغال في التعنّت وممارسة دور الجلّاد ظناً منها أن الآخرين سيرضخون، لكنها واهمة فهي بالنهاية محاولات يائسة لإطالة عمر الجلّاد ليس أكثر.
بالمحصلة كم سيستمر ذلك التعنّت والجبروت؟ وإلى متى؟ أليس لكل شيء نهاية حتى الحياة نفسها، هل هو عبث الإحتلال كما يسميه البعض؟.
أيها السادة الذين تجيدون التبرير لكل شيء، الإحتلال هو الإحتلال حيث لا يمكن تجميله أو تزويقه… فماذا تترجون من دولة غازية إستباحت دولة تبعد عنها الآف الكيلومترات لا لشيء سوى لسرقة نفطها وخيراتها وتهديم مجتمعها؟، أما أدوات التهديم فقد كانت جاهزة ومحمولة بأيدي جنود الإحتلال وحاشيته، أليس كذلك أيتها المعاول؟.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط