الدكتور فاضل حسن شريف
لجنة مراقبة من نقابة الأطباء تستلم رشاوي من أطباء لغض النظر في شراء وصفة طبية لمريض من صيدليات محددة فيها أدوية اسمائها لم تتوفر بصيدليات اخرى وتؤدي نفس الغرض، مما يضطر المريض في شرائها بأسعار ثلاثة أضعاف أدوية مشابهة تؤدي نفس الغرض. وجد أن معدل مبلغ كل وصفة طبية 50 دولار في الصيدليات العادية فيها أدوية مشابهة. بعد التدقيق وجد أن عدد الوصفات الطبية نحو 20 ألف وصفة صدرت من الأطباء الفاسدين. كم المبلغ المطلوب لو تم شراء الادوية بالاسعار العادية. وكم مجمل المبلغ الذي خسره المرضى نتيجة شرائهم الادوية من الصيدليات الفاسدة التي اتفقت مع الأطباء الفاسدين؟ وكم حصلت لجنة مراقبة الأطباء الفاسدة مع العلم أن مبلغ الرشوة المتفق عليها عشر مبلغ الاختلاس؟
المبلغ المطلوب بدون توصية شراء أدوية من صيدليات محددة = 20000 وصفة × 50 دولار لكل وصفة = 1 مليون دولار. مبلغ شراء الادوية من صيدليات محددة من قبل الأطباء = 3 × 1 مليون = 3 مليون دولار. مبلغ الاختلاس = 3 -1 = 2 مليون دولار. لجنة المراقبة في نقابة الاطباء حصلت عشر المبلغ المختلس = 2 مليون دولار × 1/10 = 200 ألف دولار.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: من هو المفسد في الأرض؟ الفساد يقابله الإصلاح، ويطلق على كل عمل تخريبي، ويقول الراغب في مفرداته: ” الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة ” وعلى ذلك فكل عمل فيه نقص، وكل إفراط وتفريط في المسائل الفردية والاجتماعية هو مصداق للفساد! وفي كثير من موارد القرآن الكريم ذكر الفساد في مقابل الإصلاح “الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون” (الشعراء 152)، وقوله تعالى: “والله يعلم المفسد من المصلح” (البقرة 220) وقوله تعالى: “وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين” (الاعراف 142). كما ذكر الإيمان والعمل الصالح في مقابل الفساد، وحيث يقول جل وعلا “أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض” (ص 28) ومن جانب آخر ذكر الفساد، مع كلمة ” في الأرض ” في كثير من آيات القرآن الكريم نحو عشرين آية ونيف، وهي توضح الجوانب الاجتماعية للمسألة. ومن جانب ثالث ذكر الفساد والإفساد مع ذنوب أخرى، ويحتمل أن يكون مصداقا لها، وبعض هذه الذنوب كبيرة وبعضها الآخر أصغر فمثلا قوله تعالى: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا” (المائدة 23) وقوله تعالى “وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل” (البقرة 205)، وقوله تعالى: “الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض” (البقرة 27) وقوله تعالى: “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا” (القصص 83) ومرة يعتبر فرعون من المفسدين، وأثناء توبته عند غرقه في النيل يقول: “الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين” (يونس 91) وقد استعمل (الفساد في الأرض) تعبيرا عن السرقة كما في قصة يوسف عليه السلام “تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين” (يوسف 73) ومرة أخرى كناية عن قلة البيع، كما في قصة شعيب حيث نقرأ قوله تعالى: “ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين” (هود 85) وأخيرا استخدم القرآن الكريم الفساد في التعبير عن اضطراب النظام الكوني “لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا” (الانبياء 22) نستفيد من مجموع هذه الآيات أن الفساد بشكل عام أو الفساد في الأرض، له معنى واسع جدا، بحيث يشمل أكبر الجرائم مثل جرائم فرعون وسائر الطواغيت، كما يشمل الأعمال الأقل إجراما منها مثل بخس الناس أشياءهم، ويشمل كذلك أي خروج عن حالة الاعتدال كما أشرنا إليه سابقا. وبالنظر إلى أن العقوبة يجب أن تكون مطابقة للجريمة يتضح لنا أن كل مجموعة من هؤلاء المفسدين لها عقوبة معينة وجزاء خاص. ونرى في الآية 33 من سورة المائدة التي ذكرت (الفساد في الأرض مع محاربة الله ورسوله) “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة 33) أن هناك أربع عقوبات ويجب على الحاكم الشرعي أن يختار العقوبة المناسبة على مقدار الجريمة (القتل – الصلب – قطع الأيدي والأرجل – النفي) كما بين فقهاؤنا في كتبهم شروط وحدود المفسد في الأرض وعقوباته. ولأجل أن نجتث هذه المفاسد، يجب أن نستخدم الوسائل الكافية في كل مرحلة من مراحلها، ففي المرحلة الأولى نستخدم أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق النصائح والتذكير، ولكن إذا ما استوجب الأمر نستعمل الشدة حتى لو أدى ذلك إلى القتال. وبالإضافة إلى ما أشرنا إليه، فإن الجملة ويفسدون في الأرض ترشدنا إلى هذه الحقيقة في حياة المجتمع الإنساني، وهي أن الفساد الاجتماعي لا يبقى في مكان معين ولا يمكن حصره في منطقة معينة، بل ينتشر بين أوساط المجتمع وفي كافة بقاع الأرض ويسري من مجموعة إلى أخرى. ويستفاد من الآيات القرآنية أن واحدة من أهداف بعثة الأنبياء هو إنهاء حالة الفساد في الأرض (في معناه الواسع) كما نقرأ في سورة هود الآية 88 قول النبي شعيب عليه السلام إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت “قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” (هود 88).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط