قصة برلمانية!

علاء كرم الله

قبل كل شيء لا بد من أن نذكر حقيقة ، وهي أن كل الدورات البرلمانية التي جرت بالعراق منذ 2006 ولحد الآن ، لم تحظى برضا الشعب ولم تكن بمستوى الأمل والطموح وكل أعضاء البرلمان بكل دوراته يعرفون ويعترفون بهذه الحقيقة المؤلمة! ، كما أن الدورات البرلمانية ساهمت ومع الأسف وبفاعلية بهدم كل جسور المحبة والثقة بين الأحزاب وبين الشعب! ، فغالبية المرشحين في كل الدورات الأنتخابية سرعان ما ينسون من أنتخبهم حال ترديدهم للقسم البرلماني وجلوسهم تحت قبة البرلمان!، والكثير من المواطنين أشاروا الى هذه الخدعة! ، عبر الفضائيات ومن خلال وسائل الأعلام المختلفة ، والتي لا تنم عن أية أخلاق ولا عن أية روح وطنية لصاحبها ، ولو أن البعض من المواطنين لا زالت تنطلي عليهم هذه الخدعة ويلدغوا لأكثر من مرة ومن نفس المكان! في كل أنتخابات محلية أو برلمانية تشريعية . أن هذا التعامل مع المواطنين من قبل المرشحين للأنتخابات وعلى مدى هذه السنوات أدى بالتالي الى عزوف الكثير من المواطنين للمشاركة بأية أنتخابات تجري! ، حتى وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في ( 10/تشرين الاول/ 2021 )، الى أرقام متدنية لا تتجاوز 18%!! ، حسب تصريحات الكثير من المسؤولين والمتابعين . وقصتنا البرلمانية تعود الى عام 2006 عندما كان السيد (محمود المشهداني) رئيسا للبرلمان العراقي في أول دورة برلمانية وشبه الكثير من العراقيين بما فيهم وسائل الأعلام أن المشهداني كان يدير جلسة البرلمان على طريقة مسلسل تحت موس الحلاق!! للمرحوم الفنان الكبير سليم البصري ، بسبب الهوسة والفوضى والصياح والعياط داخل البرلمان!) ، ولكن ثوابت القصة ومضمونها هو واحد ويمكن أن تجده في كل الدورات البرلمانية اللاحقة!!. ففي كل دورة برلمانية دائما هناك أعضاء أنا أسميهم أعضاء الخط الأول! ، وهم الذين تتكرر وجوههم في أكثر من دورة برلمانية ، ودائما تسلط عليهم الأضواء الأعلامية ، فهم دائمي الحظور في اللقاءات والندوات وعقد المؤتمرات الصحفية ، كما أنهم يتصدرون المقاعد الأولى والامامية في البرلمان! ، وأيضا هم أكثر أعضاء البرلمان الذين يرفعون أيديهم في المناقشات للتعليق على موضوع معين أو أية قرار يراد أتخاذه! ، يعني بلغتنا الدارجة (ما خذيها فلاحة ملاجة، وصوت وصورة ، وهم اللطامة في كل عزاء!) ، والمواطن العراقي المسكين المغلوب على أمره حفظهم عن ظهر قلب ، حتى مقتهم ولا يطيق رؤية أشكالهم ولا سماع ما يقولون! ، وهناك الخط الثاني من أعضاء البرلمان وهؤلاء لا يقلون عن أعضاء الخط الأول في الظهور والتعليقات والتصريحات عبر الفضائيات ووسائل الأعلام ، ( بس شوية أقل من أعضاء الخط الأول!) . ومن الطبيعي أن أعضاء الخط الأول والثاني هم الذين يعّول عليهم من قبل الأحزاب والتيارات التي رشحتهم ويكونوا هم الناطق الرسمي باسم الحزب والتيار والجهة التي رشحته وحائط الصد لهم أمام وسائل الأعلام المختلفة وفي اللقاءات والحوارات والندوات والمناقشات. وهناك أعضاء في البرلمان أسميهم مجموعة الخط الثالث في البرلمان! وهم ابطال قصتنا البرلمانية (وهؤلاء لا صوت ولا صورة ودائما ما يجلسون في الخطوط الخلفية وفي أخر المقاعد داخل البرلمان ويتوارون عن الأنظار، ولا أحد يعرفهم ، وهم أيضا لا يريدون يعرفون أحد ! ، يعني وبلغتنا الدارجة ، جماعة أكل ووصوص!) ، لأنهم أصلا يؤتى بهم من قبل الأحزاب السياسية التي ترشحهم من باب أكمال العدد ورفع الأيادي عند التصويت على موضوع معين! ، وفي الحقيقة هم لا يعرفون كيف ساقتهم الأقدار والحظوظ الى ان يكونوا أعضاء في البرلمان العراقي وليكونوا ممثلين عن الشعب، فهم ممكن أن يحلموا بأي شيء أما أن يكونوا أعضاء في البرلمان ، فهذا ما لا يحلمون به مطلقا! وينطبق عليهم قول الله عز وعلا (ولا يلقّاها ألا ذو حظ عظيم) ، بس رواتهم وأمتيازاتهم ومخصصاتهم مثل أعضاء الخط الأول والثاني اللي همه خطية يكونوا في وجه المدفع !. جماعة الخط الثالث مرات يظهر (واحد أثنين منهم) بين فترات متباعدة وفي لقطات سريعة وعابرة وبتصريحات مقتظبة ( يعني شلون مجان يرتب الحجي ويفلت من الكاميرا والعدسة!) ، لأن هم أصلا لا يريدون ولا يحبون الظهور (ودوخة الراس) ، فهم طول الدورة البرلمانية يكضوها ساكتين أو نايمين بالخطوط الخلفية ويلعبون بالموبايل ، ولا أحد يدري بيهم ، ومن تخلص الدورة الأنتخابية ، يحصل كل واحد منهم على التقاعد المحترم طبعا ، والذي لا يتناسب لا مع تحصيله الدراسي هذا أذا كان عنده تحصيل دراسي جيد وغير مزور! ، ولا يتناسب ايضا مع سنوات خدمته في الدولة ، لأن هو أصلا ممتعين بدائرة في الدولة! . القصة تقول : المعروف في الدورات البرلمانية هناك فصول وبعدها يأخذ البرلمانيين أجازة لألتقاط الأنفاس!! حتى يأتي الفصل التشريعي الثاني وهكذا ، ودائما قبل أنتهاء الفصل التشريعي الأخير للبرلمان ، يكون هناك تراخي واضح في الحظور من قبل أعضاء البرلمان جماعة الخط الأول والثاني تحديدا! ، بعد أن أتموا أشرف مهمة وطنية (( تعرفون ذولة يتعبون ، سنة كاملة تورم بلاعيمهم من الحجي والدفاع عن حقوق الشعب ومن اللجان اللي يترأسوها أو يكونوا أعضاء فيها! ، فياخذون أجازاتهم كبل الكل ويسافرون الى عوائلهم اللي هيه خارج العراق طبعا! ، بعد أن ملؤا سلالهم ذهبا وفضة! ، ويتركون شوية المسؤولية على أعضاء الخط الثالث!، الذين يجبرون أن يكونوا وجها لوجه أمام كاميرات الفضائيات ووجها لوجه أمام الشعب! فنرى وجوه جديدة لم نعرفها ولم نألفها سابقا ، ونسمع تصريحات لأسماء برلمانية من النساء والرجال لم نسمع بهم من قبل ولم نشاهدهم طيلة جلسات البرلمان!)) . وقد حدثني أحد الأصدقاء الذين أثق بهم وهو يحلف أغلظ الأيمان عن أحد نواب الخط الثالث! غير المعروفين من قبل الشعب ، حيث قال: ((( أنه بعد الانتخابات الأولى التي جرت في العراق ، أستأجرت عائلة أحد البيوت البسيطة في الحي الذي أسكنه ، ولم يكن يظهر عليهم الترف ولا الفقر بل كانت حالتهم كما بدا لي وللأخرين متوسطة يعني مستورة كما يقال ، ومنذ أن سكنت هذه العائلة منطقتنا ، أغلقت بابها ولم يفسحوا مجالا للأختلاط بهم من قبل الجيران!! ، وبالكاد وبالمصادفة ، كنا نرى رب الأسرة يخرج من البيت صباحا بهندام عادي وبسيط ، وهو يركب سيارة الأجرة ( الكيا) ونادرا ما يستقل سيارة التاكسي! ، ولا أحد يعرف ما شغل هذا الرجل وأين يعمل ؟ رغم كل محاولات فضول أهل المنطقة ! ، يقول صديقي هذا : كل شيء خطر في بالي ألا ان يكون هذا عضوا في البرلمان!! فهذا من سابع المستحيلات ، حيث أكتشفت ذلك صدفة! ففي أحد الأيام وكعادتي في البيت كنت مسترخي وأنا اتابع الأخبار ، وأذا بي أتفاجأ بجيراننا الغامض هذا! وهو يتحدث الى أحدى الفضائيات الذي قدمته كعضو برلماني وهويجيب على سؤال أحدى الأعلاميات وكذلك يشرح عن الانتخابات القادمة!؟ ، وبلا شعور، صحت بأعلى صوتي ( لكم تعالوا هذا أبو ذولة الجدد طلع عضو برلمان!!) ، يكمل صاحبي القصة ويقول : بعد أيام من ظهوره وبعد أنكشاف أمره! ، وأذا بسيارة حمل تدخل المنطقة ، وتبدأ بنقل أغراضهم وأثاثهم وتركوا الحي دون ان يسلموا على أحد ولا أحد يعرف الى أين أنتقلوا ؟! . الى هنا أنتهت القصة وحسب ما ذكرها لي صديقي . أقول بقدر ما يرى الكثيرون غرابة في هذه القصة ، ألا اني لم اتعجب من ذلك لسبب بسيط ، وهو أنه ومن مجموع أعضاء البرلمان الحالي على سبيل المثال 329 عضو ، المعروفين منهم من قبل الشعب ومن خلال ظهورهم في اللقاءات والندوات وعلى شاشة الفضائيات ، لا يتجاوزون ال 50 عضو في أحسن الأحوال! ، والباقي غير معروفين أصلا! ولا يعرفهم الناس ! أبدا ( لو تشوفه بالشارع ، بالسوك ، بأي مكان محد يعرفهم) ، وبعد أن لا حظ صديقي برودي وأنا أستمع لقصته قال لي : لم أراك تتعجب؟! ، فضحكت وقلت له انا كمتابع ومراقب للأحداث التي تجري بالعراق منذ 2003 ولحد الآن لا يفوتني ذلك ، فأنا ألتقط الكثير من هذه المشاهدات والصور وأعرف البرلمانيين وصفوفهم وخطوطهم الثلاثة! وأنت تعرف ذلك جيدا ، قال أعرف ذلك تماما! فقلت له حسنا ، أتتذكر في أحد المرات حين حدثتك عن أحدى عضوات البرلمان ( بوكت محمود المشهداني من جان رئيس برلمان ، واللي جانت بس تروح وتجي بالبرلمان هي وعبايتها وجانت كلش مرعبلة ولا تعرف شيء أسمه الأناقة وترتيب الملبس اللائق وهي طبعا لا شكل لا مضمون وشايله علاكة نايلون بيدها ، عبالك رايحه دتشتري طماطة ، والفضائيات بوكتها كلهم علقوا عليها ، لأن منظرها كان غريب ولا عبالك هي بالبرلمان ، وجانت كلش ماخذه راحتها! ومحمود المشهداني يعيط!) ، هايه من جماعة الخط الثالث اللي محد يعرفهم ، مثل أخينا هذا الذي حدثتني عن قصته ، اللطيفة أن هايه العضوة البرلمانية رأيتها نفسها في ليلة شتاء (واكفة تأكل اللبلبي)! من أحد الباعة عند مدخل منطقة الحارثية ، وكانت تاكل بنهم وبشهية! ، بكل أحاسيسها وجوارحها غير مكترثة بأحد! ، والمضحك أنها كانت تمسح الرشح من أنفها بيدها اليسرى ، بطرف العباية اللي لابستها! لأن ما أعتقد هي تعرف شي أسمه الكلينكس! . حينها رفعت رأسي الى السماء ، وقلت فعلا يألهي ( لا يّلقاها ألا ذو حظ عظيم)! . أخيرا : بقي ان تعرف عزيزي القاريء أن جماعة الخط الثالث بالبرلمان موجودين في كل دورة برلمانية ولا احد يعرفهم ولا أحد شايفهم وأخذوا وياخذون حقوقهم وأمتيازاتهم بالكامل وحصلوا على تقاعد بالملايين لم يحلمون به!. (وفعلا كلمن وحظه ورزقه بهايه الدنيا) ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here