الدكتور فاضل حسن شريف
تنشر كل مجموعة حلقات من هذه السلسة في موقع.
جاء في کتاب موسوعة عبد الله بن عبّاس للسيد محمد مهدي الخرسان: عودة إلى الشواهد: ومن الشواهد أيضاً ما أخرجه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه وغيرهما بأسانيدهم عنه قال: (أمرني العباس قال: بت بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة، فانطلقت إلى المسجد فصلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشاء الآخرة، حتى لم يبق في المسجد أحد غيره، قال: فمرّ بي فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الله، قال: فمه؟ قلت أمرني أبي أن أبيت بكم الليلة، قال: فالحق فلمّا دخل، قال: افرشوا لعبد الله، قال: فأتيت بوسادة من مسوح قال: وتقدّم إليّ العباس أن لا تنامنّ حتى تحفظ صلاته، قال: فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنام حتى سمعت غطيطه، قال: ثمّ أستوى على فراشه فرفع رأسه إلى السماء فقال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ثمّ تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (البقرة 164) (ال عمران 190) ثمّ قام فبال، ثمّ أستنّ بسواكه ، ثمّ توضأ، ثمّ دخل مصلاه فصلّى ركعتين ليستا بقصيرتين ولا طويلتين، قال: فصلّى ثمّ أوتَر، فلمّا قضى صلاته سمعته يقول: اللّهم اجعل في بصري نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في لساني نوراً، واجعل في قلبي نوراً، واجعل عن يميني نوراً، واجعل عن شمالي نوراً، واجعل لي يوم لقائك نوراً، واعظم لي نوراً).
وعن شواهد الألمعية يقول السيد محمد مهدي الخرسان في كتابه: أخرج ابن مردويه في المناقب وعنه السيوطي في الدر المنثور في تفسير آية التطهير وغيرهما قال ابن عباس: (شهدنا رسول الله صلّى الله وعليه (وآله) وسلّم تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه عند وقت كلّ صلاة فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” (الاحزاب 33) الصلاة رحمكم الله) كلّ يوم خمس مرات). وعن حجة الوداع (حجة الإسلام): قال سلمان: وما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم، فلم يلبثوا إلّا قليلاً حتى تخور الأرض خورة فلا يظن كلّ قوم إلّا أنها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء الله ثمّ يمكثون في مكثهم، فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها، قال ذهب وفضة ثمّ أومى بيده إلى الأساطين فقال: مثل هذا، فيومئذٍ لا ينفع ذهب ولا فضة) قال عليّ بن إبراهيم: (فهذا معنى قوله تعالى :”فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا” (محمد 18)).
وعن بيعة الغدير يذكر السيد محمد مهدي الخرسان رحمه الله: قال ابن عباس: (لمّا اُمر النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أن يقوم بعليّ بن أبي طالب المقام الّذي قام به ، فانطلق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهدٍ بكفر بجاهلية، ومتى أفعل هذا به، يقولوا صَنع هذا بابن عمه ، ثمّ مضى حتى قضى حجة الوداع، ثمّ رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزوجل “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” (المائدة 67) الآية. فقام منادِ فنادى الصلاة جامعة، ثمّ قام وأخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعادِ من عاداه)). وعنه قال: (لمّا كان يوم غدير خم، قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً، ثمّ دعا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فأخذ بضبعيه ثمّ رفع يديه حتى رأى بياض إبطيهما وقال للناس: (ألم أبلّغكم الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟) قالوا: اللّهم نعم، قال: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه) ، قال : ففشت هذه في الناس ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فرحّل راحلته، ثمّ أستوى عليها، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذاك بالأبطح فأناخ راحلته ثمّ عقلها ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: يا عبد الله إنّك دعوتنا إلى أن نقول لا إله إلّا الله ففعلنا والقلب فيه ما فيه ، ثمّ دعوتنا إلى أن نقول إنّك رسول الله ففعلنا، ثمّ قلت لنا صلوا فصلينا، ثمّ قلت صوموا فصمنا ، ثمّ قلت حجوا فحججنا، ثمّ قلت لنا من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، فهذا عنك أم عن الله؟ فقال له: (بل عن الله)، فقالها ثلاثاً، فنهض وإنه لغضِب وانه ليقول: اللّهم إن كان ما يقول محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء تكون نعمة في أولنا وآية في آخرنا ، وان كان ما يقوله محمّد كذباً فأنزل به نقمتك ، ثمّ أثار ناقته واستوى عليها، فرماه الله بحجر على رأسه فسقط ميتاً، فأنزل الله تبارك وتعالى “سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ” (المعارج 1-3)).
وعن حديث الرزية يقول آية الله السيد محمد مهدي الخرسان في كتابه: فلنقرأ ما يرويه ابن عباس رضي الله عنه: قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس؟ يوم اشتد برسول الله وجعه فقال: (إيتوني بدواة وبياض أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً). فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع فقال عمر: إنّ النبيّ يهجر وفي حديث آخر: (إنّه ليهجر)، وفي ثالث: (إنّه هجر) ثمّ قال: عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف مَن في البيت، واختصموا فمن قائل يقول: القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قائل يقول : القول ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغط واللغو، وتمادى القوم في نزاعهم، غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (قوموا عني، لا ينبغي عند نبيّ تنازع)، فقاموا. قال ابن عباس : فجئناه بعد ذلك بصحيفة ودواة، فأبى أن يكتبه لنا، ثمّ سمعناه يقول: (بعد ما قال قائلكم: عدى العَدَوي وسينكث البكري)، ثمّ قال: (ما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه)، ثمّ أوصى بثلاث فقال: أحفظوني في أهل بيتي، و أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به). فكان ابن عباس رضي الله عنه بعد ذلك يقول: (الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، لولا مقالته يعني مقالة عمر لكتب لنا كتاباً لم تختلف أمته بعده ولم تفترق). هذه إحدى صور الحديث الآتية، وأعتقد أنّ القارئ يستفزه مثل هذا الحديث ويتسرّع إلى الحكم بوضعه، لشدة صدمته، وقد تذهب به المذاهب في الحكم على أولئك الصحابة الّذين شاقّوا الله ورسوله، فنسبوا الهجر إلى نبيّ أصطفاه الله لأداء رسالته إلى الناس كافة، فكان سفيره في خلقه، وأمينه على وحيه، ورسوله المسدّد “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ” (النجم 3-4). لكني أعتقد أيضاً أنّ القارئ سيظهر له من متابعة صور الحديث الآتية، وما يتبعها من أقوال العلماء في توجيهه، اعتذاراً عن المعارضة، أنّ الحديث صحيح وأنهُ حديث رزيّة وأيّ رزيّة، ولم يكن ابن عباس رضي الله عنه مبالغاً حين قال ذلك فيه، لأنّ فيه الردّ على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو عين الرد على الله تعالى ، أوليس الردّ على الله وعلى الرسول من موجبات الكفر فالله سبحانه يقول “مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا” (الحشر 7). والمعارضة تردّ على الرسول ما طلب، وتصرّ على الامتناع من تلبية طلبه. والله سبحانه يقول “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ” (النجم 3-4). والمعارضة تقول: إنّه يهجر. والله سبحانه يقول “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ” (الانفال 24). والمعارضة: تأبى ذلك وترد عليه بعنف وقسوة. والله سبحانه يقول “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” (الاحزاب 36). والمعارضة تأبى ذلك. والله سبحانه يقول لنبيّه “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ” (المائدة 67). والمعارضة تشاكسه في التبليغ، وتردّ عليه بعنف وسوء أدب، وكأنّهم لم يسمعوا جميع تلكم الآيات الكريمة ولم يسمعوا الله سبحانه يقول في كتابه “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الانفال 13). أليس هذا هو الضلال البعيد؟ أليس هذا هو الخسران المبين؟ أليس هذا هو الظلم والجفاء؟ أليس هذا هو الغباء والشقاء؟ أيّ غباء فوق هذا يتركون طريق التأمين على السلامة إلى الأبد، و يرتطمون أوحال الجهالة؟ يا لله لقد سبق أن آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه وآله، حتى وبّخهم القرآن الكريم في آية “وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ” (الاحزاب 53)، وآذوه الآن في قدسه وعصمته، منتهكين بذلك حرمته في أداء رسالته. وهل يعني ذلك غير ردّهم: إنّه يهجر؟. وليقرأ القارئ كلّ ذلك بروحٍ موضوعية مع التجرد عن العاطفة والأبتعاد عن التعصب، ونترك له الحكم في تلك القضية وبالاصح الرزية، فعلى مَن تقع المسؤولية؟ ولا نريد أن نستبق الحكم في ذلك بل له ما سيؤديه نظره إليه من رأي حول رموز المعارضة أياً كانوا ومهما كانوا، فهم أولاً وأخيراً إنّما نكنّ لهم الإحترام، ما داموا في طاعة النبيّ وخدمة الإسلام. أما وقد نبذوا أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكتفوا بذلك حتى نسبوا إليه الهجر “كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا” (الكهف 5)، فنحن في حلٍّ من حسابهم، وهم كسائر الناس في خطأهم وصوابهم. فهم غير معصومين، ولا نحن في حسابهم بملومين.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط