ولاية صفاقس نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين نحو السواحل الأوروبية ـ صورة تعبيرية.
عاشت منطقة العامرة، جنوبي تونس، على وقع “احتقان كبير”، الأحد، في أعقاب رفض سكان بالمدينة خطوة السلطات نقل مئات المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، من وسط صفاقس إلى مخيمات جديدة أقامتها في ضواحي الولاية، حسبما نقلته وسائل إعلام محلية.
وعمد المحتجون في البلدة التابعة لولاية صفاقس إلى “احتجاز” حافلتين من قرابة 8 أخرى خصصت لنقل المهاجرين ومنعتها من التحرك، احتجاجا على ما اعتبروه “تواصل التوافد الكبير للمهاجرين، وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني” بالمنطقة، وفق ما نقلته إذاعة “ديوان أف أم”.
وبحسب المصدر ذاته، فقد جرى نقل المهاجرين، تحت حماية أمنية، نحو معتمدية (بلدية) العامرة عبر حافلات تابعة للشركة الجهوية للنقل بصفاقس.
وتزامنت عمليات الترحيل إلى العامرة، ومناطق أخرى بجنوب البلاد، مع إجلاء السلطات التونسية لمئات المهاجرين الذين استقروا في ساحات عامة، وسط مدينة صفاقس، بعد طردهم من منازلهم، قبل أسابيع، وفقا لمنظمات حقوقية غير حكومية.
“حملة أمنية واسعة”
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية، بأن وحدات تابعة لوزارة الداخلية التونسية أطلقت، الأحد، “حملة أمنية واسعة النطاق”، تضمنت إخلاء ساحة “رباط المدينة” و”النافورة الكبيرة” من المهاجرين غير النظاميين، المتجمعين بالمكان، منذ ما يزيد عن شهرين.
وكشف المسؤول المحلي بمدينة صفاقس، خليل العكروتي في تصريح صحفي، الأحد، أن “الحملات لا زالت متواصلة، إذ سيتم إخلاء ساحة حديقة الأم والطفل بباب الجبلي”، مضيفا أن هذه الفضاءات تشهد “تواجدا عشوائيا للمهاجرين، خاصة من الجالية السودانية”.
وذكرت الوكالة أن عمليات الإخلاء تأتي بعد أن أطلق سكان مدينة صفاقس “نداءات متكررة” للسلطة العمومية لـ”وضع حد للتدفق الكبير للمهاجرين بشكل عشوائي”، ومطالبتها بـ”إيجاد حلول للمظاهر السلبية التي رافقته (التدفق) على المستويات البيئية والصحية والاجتماعية والإنسانية الصعبة”، الذي “لا يواكبه أيضا تأطير من الدولة والمنظمات”.
🔴🖍شاهد حالة إحتقان كبيرة تشهدها معتمدية #العامرة بعد ترحيل الأفارقة جنوب الصحراء من ولاية #صفاقس إل معتمدية العامرة عبر حافلات#تونس #انقلاب_تونس#قيس_سعيد #سياسة #تونس_عاجل pic.twitter.com/oSNEblpOii
— بلاصة لنادي باريس – Blassa L Club De Paris (@Tunvs1) September 18, 2023
واستقر مهاجرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء في ساحات وفضاءات عامة بوسط مدينة صفاقس، منذ أسابيع، إثر حملة طرد واعتقالات طالتهم من قبل قوات الأمن والأهالي، وفقا لفرانس برس.
وقال المتحدث الرسمي باسم “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، رمضان بن عمر، لفرانس برس إن المهاجرين الذين تم ترحيلهم من وسط صفاقس “تم دفعهم للتفرق على شكل مجموعات صغيرة تنقلت في اتجاه مناطق ريفية وفي اتجاه مدن أخرى”.
وفيما لم تشر السلطات التونسية إلى مكان ترحيل هؤلاء المهاجرين، أفاد موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس، أنه بعد عملية الإجلاء من وسط المدينة، “سرعان ما ساد التوتر معتمدية العامرة القريبة، بعد وصول عديد الحافلات التي تحمل هؤلاء المهاجرين إلى المدينة”، موردا أنه سبق أن نبه مما وصفها بـ”الحلول الترقيعية وترحيل المشكلات من مكان إلى آخر”.
“حلول ترقيعية”
وفي مطلع يوليو الماضي، طُرد مئات المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء من مدينة صفاقس، في أعقاب اشتباكات مع سكان محليين بعدد من الأحياء، أدت إلى مقتل تونسي وتسجيل إصابات من الجانبين.
وخلال الأيام التي تلت الحادثة، عمدت قوات الأمن التونسية إلى ترحيل مئات المهاجرين نحو مناطق صحراوية على الحدود مع ليبيا والجزائر، تركوا لحالهم في الصحراء والمناطق النائية، فيما لجأ مهاجرون آخرون إلى إقامة خيم وتجمعات في أماكن متفرقة بمدينة صفاقس.
الخبير في قضايا الهجرة، مجدي الكرباعي، يقول إنه في ظل “غياب سياسة واضحة” لتدبير ملف الهجرة، تلجأ السلطات إلى “حلول ترقيعية” متمثلة في ترحيل المهاجرين من مكان إلى آخر، مما يؤدي إلى “تأجيج الرأي العام بالبلاد”.
ويلفت الكرباعي، في تصريح لموقع “الحرة”، إلى “تصاعد خطابات الكراهية وموجات العنصرية التي تطال المهاجرين”، وأبدى أسفه من “التحول الحاصل” في المجتمع والانتقال من سلوكات “كنا ندينها ونرفضها، حتى صرنا نمارسها ضد مهاجرين فارين من أوضاع إنسانية صعبة في مناطق الحرب والنزاع”.
وتسارعت وتيرة أزمة المهاجرين في تونس بعد خطاب ألقاه الرئيس، قيس سعيّد، في فبراير الماضي، ندد فيه بوصول “جحافل من المهاجرين” في إطار “مخطط إجرامي” يهدف إلى “تغيير التركيبة الديموغرافية” في تونس.
ويقول الخبير التونسي إن خطابات السلطة، وحديثها عن “المؤامرة وعمليات التوطين والتغيير الديمغرافي”، أدت إلى “تفاقم أوضاع المهاجرين الصعبة وفي تزايد الهجمات العنصرية ضدهم”، وتركتهم “في احتكاك مباشر مع المواطنين الرافضين لحضورهم”، إضافة إلى استعمالهم “كورقة سياسية مع الطرف الأوروبي لكسب بعض اليوروهات من الأوروبيين”.
ويكشف الكرباعي أنه تواصل مع مهاجرين كشفوا له أن “عمليات ترحيل تمت دون مرافقة أو حماية أمنية”، كما “اعترض بعض الأشخاص حافلاتهم، وسط هتافات عنصرية وعنف لفظي”، محذرا “من تكرار سيناريو الاشتباكات في معتمدية العامرة”.
“بين المطرقة والسندان”
وتعتبر ولاية صفاقس نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين، سواء من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء أو من التونسيين، في عمليات هجرة غير نظامية في اتجاه السواحل الأوروبية.
أستاذ الديموغرافيا (علم السكان) والعلوم الاجتماعية، حسن القصار، يرى أن ما يجري في صفاقس خلال الأيام الأخيرة “ليس أمرا طبيعيا، في ظل بعض الردود العنصرية المدانة”، لكنه يلفت إلى أن “المدينة وضواحيها تعيش أزمة اقتصادية وفي ظل كثافة المهاجرين تنتج ردود أفعال، عنصرية في جانب منها”.
ويشير الجامعي التونسي في تصريحه لموقع “الحرة”، إلى أن إبعاد السلطات للمهاجرين من مركز المدينة نحو الضواحي المجاورة “كان متوقعا أن تنتج عنه ردود سلبية من سكان هذه المناطق”، معتبرا أن “الرفض المجتمعي لتنقيل المهاجرين له مبررات من المنطق السوسيولوجي، إذ ترفض الجماعات السكانية عموما قدوم الغرباء أو الأجانب”.
ويؤكد القصار على ضرورة ربط ملف الهجرة في صفاقس بـ”الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة التي تعرفها البلاد”، لافتا إلى “انحسار فرص العمل وتردي الأوضاع الاقتصادية لفئات واسعة من المواطنين”.
وقالت السلطات الأمنية في ولاية صفاقس إنها شنت حملة واسعة على المهاجرين والمهربين، خلال يومي السبت والأحد، أسفرت عن “ضبط ما يقرب من 200 مهاجر من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء يستعدون لتنظيم عملية اجتياز، كما تم حجز 6 قوارب” وفقا لتصريحات إعلامية للناطق الرسمي باسم الحرس الوطني، حسام الدين الجبابلي.
وفي هذا الجانب، يقول القصّار إن تونس تقع في منطقة “بين المطرقة والسندان”، موضحا أنها “في فوهة ضغوط أوروبية لمراقبة حدودها، ومحط أعين شبكات الهجرة والمهاجرين الحالمين بالوصول إلى الضفة الأوروبية”.
وفي حديثه عن الحلول المقترحة في ظل هذا الوضع، يؤكد القصار أن مطالبات إدماج المهاجرين في المجتمع “تبقى مستحيلة من الناحية المادية”، كون تونس تعيش بحسبه، “على الكفاف في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها” بالتالي يبقى “من الصعب عليها استيعاب كل المهاجرين، مما يعقد الوضعية، خاصة مع رفض المهاجرين العودة إلى بلدانهم الأصلية.
ويؤكد المتحدث ذاته أنه “لا ينبغي تحميل مسؤولية مشاكل الهجرة بالبحر المتوسط لتونس”، واعتبارها وراء هذه الأزمة الإنسانية بالمنطقة، داعيا إلى “ضرورة التفكير في حلول إقليمية شاملة تعالج خاصة المسببات التي تدفع المهاجرين لمغادرة بلدانهم والسعي للوصول إلى أوروبا”.
الحرة / خاص – دبي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط