في البدء لا بد من القول ان الهدف من كتابة السطور التاليه ليس لأثارة الفزع عند سكان واد الرافدين بل لحث المسؤولين على توخي الحذر والتحسب لأسوء السيناريوهات والتحلى بأقصى درجات المسؤليه الوطنيه عند التعامل مع معضلة سد الموصل. ولعل الفاجعه التي حصلت في ليبيا الجريحه تشكل ناقوس خطر لما متوقع حصوله في وادي الرافدين. وان حصل (لا سامح الله) وأنهار السد بعمل تخريبي او غيره عندها ستكون خسائر ليبيا الشقيقه مجرد بروفه لا تقارن بما يصيبنا من مصائب لايتخيلها العقل. وللحقيقة أقول أن الغالبيه يتلبسها الشك والريبه عند الأطلاع على بعض المسلمات التي تثير قلق الحريصين على امن البلد وسلامته. ومن اجل التوصل الى مقاربات موضوعيه, علينا معرفة أن الأراضي التي شيدت عليها السدود الليبيه في مدينة درنه تقع فوق مايعرف بالمروحه الطمييه او المروحه الغرينيه وهو مصطلح يشير الى طبيعه الأراضي الهشه التي تتشكل عند قواعد سلاسل الجبال بواسطة الرواسب التي تتكون بعد انسياب المجاري المائيه كما وصفتها الباحثه كاترين ماخ . ومن سوء الطالع ان طبيعة أراضي سد الموصل طميه وتشابه الى حد كبير المروحه الغرينيه التي شيدت عليها سدود مدينة درنه وهي كذلك مشابه الى طبيعة الأراضي التي شيد عليها سد اليسو التركي الجدلي الذي يبعد 50 ميلا فقط عن شمال مدينة زاخو العراقيه. وقد أثار سد اليسو هواجس وتوجس ألأتحاد الأوربي بسبب طبيعة الأراضي التي شيد عليها والأخطار المتوقعه ,لذا امتنع الأتحاد عن تقديم اي دعم مادي اوعلمي لتركيا اعتراضا منه على تشييد السدود العملاقه في الأماكن الرخوه. وكذلك سبق وأن نبه بعض الجيلوجيين الأتراك الى تعاظم الأخطار المتوقعه بسبب التربه الرخوه التى شيدت عليها بعض سدود تركيا. ومشكلة سد الموصل لاتكمن في طبيعة الارض التي شيد عليها فقط بل هناك خلل بنيوي يعرفه الجميع وهو استخدام مادة الجص بدلا من الخراسانه المسلحه في اساسات السد. ومادة الجص سريعة الذوبان وتتطلب الحقن المستمر بمواد خراسانيه لمنع التشققات المستمره في جسم السد وخصوصا في اساساته. ولا ادري أن كان هذا خطء مقصود من قبل الشركات المصممه للسد. وقد تنبهت السلطات العراقيه مطلع التسعينات من القرن الماض للخطء البنيوي في تصمميم سد الموصل وبدأت فعليا ببناء سد بادوش. وقد صمم هذا السد ليكون حين انتهائه بديلا عن سد الموصل المهدد بالانهيار. ولكن سرعان ما توقف العمل في هذا السد لأسباب اقتصاديه معروفه .
وهناك حقيقه مقلقه أخرى تبرز على السطح عند مقارنة الطاقه الأستيعابيه لسد الموصل وسدود درنه . فالسد الأكبر في مدينة درنه ويطلق عليه سد ابو المنصور صمم بطاقه استيعابيه قدرها 22.5 مليون متر مكعب ولكن متوسط المخزون السنوي لايتجاوز 13 مليون متر مكعب. والسد الثاني ويطلق عليه سد البلاد بطاقه استيعابيه قصوى تقدر 1.5 مليون متر مكعب . ورغم صغر هذه السدود نسبيا فلقد سببت بمقتل وتشريد عشرات الألاف. وبالمقارنه الطاقه الأستيعابيه لسد الموصل تزيد على أحد عشر مليار متر مكعب وأكرر (مليار) وليس مليون كما هو القياس بالسدود الليبيه. اي ان حجم الكتله المائيه في سدود درنه لا تساوي سوى واحد بلألف من الكتله المائيه المحشوره في سد الموصل. ولك أن تتخيل هول الدمار المتوقع عند أنهيار السد وأنفلات المياه . ومن المتوقع أن تتحمل العبء الأكبر من اهوال الطوفان مدينة الموصل وضواحيها, وبيجي, وتكريت, وبلد, والدجيل, وسامراء . ومن غير المستبعد أن يصيب هذه المدن أضعاف ما أصاب مدينة درنه من أهوال ودمار. وأكاد اتفق مكرها مع التقارير التى تحذر من ان خسائرنا ستتجاوز المليون ضحيه عند انهيار سد الموصل. ما العمل اذن؟ هل نردم السد؟ بالتأكيد هذا الحل غير منطقي وغير مجدي. فعند ردمه سيتسبب في حدوث فياضانات عارمه كل شتاء وكل ربيع. ولتفادي المخاطر وتقليل الخسائر والبحث عن بدائل لا بد للمشرع والمصمم من التمحيص بالمقترحات التاليه:
اولا: يتوجب خفض مناسيب المياه في سد الموصل الى أقل من النصف او الربع وخصوصا في موسم الأمطار وذوبان الجليد تحوطا لما تسببه الكتل المائيه الحبيسه من ثقل هائل ربما يؤدي الى تشققات وتصدعات غير محسوبه يصعب السيطره عليها
ثانيا: لكون سد الموصل اصبح هدف مغري لأعداء العراق من ارهابين ومرتزقه, لذا يتوجب وضع رقابه أمنيه قصوى على مدار الساعه على سد الموصل وكل مرافقه لمنع عمليات التخريب والحذر كل الحذر من الأساليب الخبيثه التي يلجأ اليها المخربون ومنها الطائرات المسيره التي اصبحت بمتناول الجميع.
ثالثا: البحث عن حلول ناجعه بديله لحل مشكلة التشققات المزمنه في اساسات السد. فلا بد من وجود بدائل للأجراات الوقائيه البدائيه المستمره منذ انشاء السد في ثمانينات القرن الماض ولحد الأن. فليس من المعقول ان تغيب كل الحلول سوى الحقن بمادة الأسمنت.
رابعا: على مجلس النواب ان يأخذ زمام المبادره ويعمل عن قرب لمراقبة ما يجري من عمليات وقائيه لتدعيم وتأمين السد وبأمكانه استضافة عددا من الخبراء للتعرف على معالجة التشققات الحاصله في السدود المشابه حول العالم. وعسى ان نأتى بحلول وتوصيات تهدأ من روع سكان وادي الرافدين.
خامسا: واخيرا الضروره تقتضي العمل الجاد على أكمال مشروع سد بادوش وبلأمكان تجنب كل الاخفاقات الكارثيه المزمنه التي حصلت عند بناء سد الموصل.
واخير لا بد من التنويه بأن الخوف والهلع عند الكثير من المهتمين أمر طبيعي ومشروع ومتوقع وخصوصا بعد ما حل بليبيا الجريحه من كوارث سببتها سدود صغيره لاتقارن بسد الموصل العملاق. اضافة الى ماتقدم, تجدر الأشاره بأن أجراأت الحكومه وتأكيداتها على سلامة السد لا تحضى بثقه عاليه من قبل طبقه واسعه من ابناء الشعب العراقي الأبي, لذا على جميع المعنيين العمل بما استطاعو من أجل طمئنة الناس والحفاظ على أرواح وممتلكات البشر. والله المستعان
أ.د. عادل جميل
19/9/2023
[email protected]
Read our Privacy Policy by clicking here