هل الاحتفاء بشاعر بشكل مفرط ومبالغ به تماما دليل نجاح مجتمع أم فشله ؟ ..
بقلم مهدي قاسم
يكاد يتفرد المجتمع العراقي ــ وهل هي مصادفة فعلا ؟ــ وحده بالاحتفاء بشعرائه عندما يرحلون بشكل مفرط ومبالغ به جدا ..
ولكن المثير في هذا الأمر أن تجري عملية الاحتفاء المفرطة هذه بشعراء على حساب مبدعين عراقيين آخرين في مجالات أدبية ــ روائية ــ وفنية ــ الفن التشكيلي ــ وأكاديمية وعلمية و صحية أخرى ، الذين بفضل إبداعهم المميز ذاعت صيتهم وشهرتهم في العالم بالطبع مع اسم العراق سويا ــ مثل المهندسة العراقية الراحلة ذات الشهرة العالمية زها حديد ــ مثلا وليس حصرا ، والتي لم تحظ بذلك الاحتفاء والتكريم والتعظيم ، مثلما في حالة شعراء عراقيين رحلوا إلى مثواهم الأخير..
علما أن كل عراقي خامس ــ أن لم يكن الثالث ــ يعد نفسه شاعر ــ أما بالفصحى أو الدارجة ــ و السادس يعتبر نفسه مشروع شاعر ، والسابع يقول أنه سيكون شاعرا حتما وفي كل الأحوال !..
هذا دون أن نذكر شعراء ” من نمط المهوال ” المدّاحين الذين أخذوا يتكاثرون يوما ،بعد يوم ، مع تكاثر زعماء وساسة ومسؤولين فاسدين من ذوي عطايا ببضعة دنانير ..
لذا فلا نبالغ إذا قلنا إنه : في كل زاوية أو ركن من شوارع وساحات العراق سنجد ” شاعرا ” واقفا ، في حالة استنفار و ترصد ليقرأ شعره ” بصوت منبري جهوري قوي وملعلع !..
حتى وصلت الحالة من المبالغة والأفراط الفادح بمسألة الاحتفاء بالشعراء ، ربما لحد الهوس بحيث نجد أشخاصا يمنحون أنفسهم لقب ” الشاعر “مثل لقب الدكتور والمهندس أو الأكاديمي الحقيقي ..
فربما لولا هذا الاحتفاء المبالغ جدا ، لما كان سيحدث هذا الهوس ..
علما أن عديدا من هؤلاء ، و أولئك الشعراء المُحتفى بهم قد مدحوا طغاة و جلاوزة قتلة ، أو تهجموا على أنظمة ، ثم فيما بعد قرروا العيش و عاشوا تحت كنفها ورعايتها ! ..
بطبيعة الحال ، ودرء لأي سوء فهم ، نحن هنا لا نقصد حرمان الشعراء من آيات تكريم وتبجيل وتعظيم سواء كانوا أحياء يرزقون أم أمواتا راحلين ..
ولكن في مقابل ذلك يجب تكريم و تبجيل غيرهم أيضا من مبدعين عراقيين في مجالات أخرى الذين من خلال إبداعاتهم الفنية و اكتشافاتهم العلمية والصناعية والصحية وغيرها ربما هم أكثر أهمية وفائدة للمجتمع والبشرية من جعجعة كلام مزوق وحذلقة عبارات لا تغني ولا تسمن ، و خاصة في حالة مجتمع يكاد بعض كثير من شرائحه وفئاته أن يكون محروما من كثير من أمور غذائية وتعليمية صحيحة وسليمة ، و صحية وخدمية وكمالية أخرى ..
يبقى أن أضيف ــ لكيلا يتصور بعض الشعراء أنا ضدهم ــ أنا نشرتُ عدة دواوين شعرية كتب عنها نقاد مهمون سبق لي أن ذكرتُ أسماءهم في مقالات سابقة ..
و أخيرا.. وفي سياق رجوعي إلى سؤالي :
ــ هل الاحتفاء بشاعر بشكل مفرط دليل نجاح مجتمع أم فشله ؟ ..
للوهلة الأولى يبدو هذا الاحتفاء علامة ورقي ونجاح لمجتمع ما ، ولكن لو تعمقنا بحثا و تنقيبا في وضع المجتمع العراقي المتأزم على كل صعيد وناحية ، فإنه سيبدو حسب رأيي دليل فشل مجتمع اتكالي يحاول أن يخدع نفسه و يداري فشله بالكلام الجميل والمنمق المخدر المتحذلق !..
و أخيرا مجرد ملاحظة : يعتبر المجتمع الدنماركي ــ مثلا وليس حصرا ــ حسب استبيانات جدية لمعاهد عالمية ، ما قبل الأخيرة ــ أنه اسعد مجتمع ، ولكن مع ذلك فلا نجد بين صفوفه إلا بضعة شعراء وشاعرات ، طبعا مقارنة بكثرة شاعرات وشعراء العراق .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط