بقلم: أ. د. سامي الموسوي
قال تعالى على لسان بلقيس ملكة سبأ: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ. وهذا تعميم عام لايقتصر على ملك دون آخر بما في ذلك سليمان الذي كان نبيا. وبالأكيد يكون الحال أسوأ اذا كان الملك او ما يوازيه مشركا بالله لايخافه والاسوأ من ذلك الذين يعبدون شهواتهم او الشيطان والامثلة على ذلك كثيرة في هذا الزمن الرديء. أفغانستان ذلك البلد الجميل وذو الموقع الستراتيجي كان قد تعرض للغزو الروسي ثم الغزو الأمريكي مما جعله يكون في ذيل قائمة الدول من نواحي الفقر والجهل والاقتصاد والجوع والتخلف في كافة الميادين. احتلت أمريكا أفغانستان وعندما كانت القوات الامريكية موجودة عم الفساد والمخدرات والادمان والتخلف والفقر وانعدام الامن والبطالة والتدهور الصحي وتم وضع نظام حكومي باسم الديمقراطية المزعومة وكان عبارة عن فاسدين همهم الوحيد السلطة والمسارعة في خدمة الاحتلال. استمر الوضع منذ عام ٢٠٠١ ولمدة عشرين سنة عجاف يشيع فيه الامريكان الفساد والتدهور تلو التدهور. فشلت أمريكا في ذلك الغزو ودفعت ثمنا باهضا من الأموال والارواح والمعدات دون تحقيق ادنـى شيء. وفي الجانب الاخر اشتدت عزيمة طالبان وقويت واخذت تسيطر علـى البلدان الأفغانية تلو الأخرى وكانت قطعان الامريكان اهداف مشروعة لها. أخيرا وقبل عامين أعلنت أمريكا افلاسها وفشلها وهربت بشكل مذل لامثيل له في التاريخ تاركة جميع معداتها العسكرية وعملائها يلهثون ورائهم ويسقطون من الطائرات بعد إقلاعها. واليوم ولمجرد سنتين بعد خروج المحتل الأمريكي اخذت أفغانستان تعيد بناء نفسها بمشاريع عملاقة ومتسارعة بحيث سوف تصبح بعد ٥ سنوات على اكثر تقدير من البلدان المصدرة للقمح والمحاصيل الزراعية ناهيك عن مشاريع الطرق والجسور والصحة والإسكان ولقضاء التام على المخدرات وزراعتها وبناء اكبر واطول نهر صناعي في العالم واكبر مشروع زراعي في اسيا ومشاريع اقتصادية وصناعية كبيرة ومتسارعة مع الحفاظ علـى سيادة البلد من التدخلات الخارجية مما يحسب لها الف حساب خاصة من قبل التهديدات الإيرانية حول المياه اذ هددت أفغانستان بانها ستغزو ايران دفاعا عن سيادتها ومصالحها اذا استمرت ايران بالتهديد مما اسكتها وللابد. هذا مثال لما يتعرض له العراق من فساد وخراب وتدمير وضياع للزراعة والصناعة وكل شيء رغم ان موارده اكثر من أفغانستان بكثير ولكنه لايزال واقعا تحت نير احتلالين امريكي صهيوني وفارسي.
المثال الاخر هي بنغلادش ذلك البلد الذي كان اذا ذكر يتوارد للذهن الفقر والفيضانات والبطالة والتخلف في كل شيء. واليوم تنهض بنغلادش نهوضا استثناءا خلال العشرة سنوات الماضية بمشاريع عملاقة وبناء طرق ومساكن والقضاء على الامية وازدهار الصناعة والزراعة والتعليم والصحة وذلك لان البلد أولا غير محتل وهو الاهم وثانيا محاربة الفساد بشكل كبير مع التنمية الاقتصادية. كان اكثر من نصف سكان بنغلادش تحت خط الفقر عام ٢٠٠٠ واكثر من ثمنانين مليون لايعرفون القراءة والكتابة. وكانت الكهرباء لاتصل الى اكثر من نصف السكان وكانت البنى التحتية مدمرة تماما. واليوم اصبح الناتج المحلي لهذه الدولة هو ٣٥٠ مليار دولار أي ببساطة اكثر من الناتج المحلي لاربعة بلدان عربية مجتمعة هي قطر وتونسي ولبنان والجزائر وقد كان لايتجاوز ٧ مليار. أي انها تحولت من الفقر الى الثراء. أصبحت الكهرباء تصل الى جميع السكان وانخفضت الامية بنسبة ٣٣٪. نهضت بنغلادش من الفقر الى الثراء خلال عشرين سنة رغم عدم امتلاكها ثروة طبيعية. تعتبر بنغلادش اليوم واحدة من اسرع خمسة اقتصادات نموا بالعالم. وهي مرشحة لان تصل الى ٧٠٠ مليار دولار في عام ٢٠٣٠ لتصبح واحدة من اقوى الاقتصادات في العالم. اصبح اليوم معدل دخل الفرد فيها ٦٠٠٠ دولار سنويا بعد ان كان اقل من ٤٠٠ دولار عام ٢٠٠٠. هذا كله بسبب التركيز على تطوير الاقتصاد مع عدم وجود تدخل اجنبي وغياب الفساد عند السلطات المسؤولة او على الأقل محاربته بشكل كبير. هذا مثال اخر فأين العراق من ذلك الا الفساد والعمالة والتسلط والقواعد الامريكية والفساد العام والمالي والإداري والتدخل الفارسي وتهريب العملة والنفط وما الـي ذلك. العراق ممكن ان ينهض ولكن بخروج القوات الامريكية وعدم تدخل ايران ووأد الفساد بما في ذلك النظام الفاسد.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط