القضاء العراقي ينظر في الدعوى المقامة ضد يزيد أبن معاوية ؟!

علاء كرم الله

لم أقصد أن أشد وألفت أنتباه القاريء الى المقال من خلال العنوان ! ، بل هناك فعلا دعوى مقامة على يزيد أبن معاوية في أحد المحاكم العراقية!. فقد تداولت وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي قبل أيام وعلى فضائية ( sky news العربية) خبرا يقول: ((بأن عددا من المحامين العراقيين قد تقدموا بدعوى ضد يزيد أبن معاوية في أحد المحاكم العراقية ، لأقدامه على قتل الأمام الحسين عليه أفضل السلام عن تعمد وقاموا بالتمثيل بجسده الطاهر، وأن موضوع القضية لا يتعارض مع تقادم الزمن ))، الى هنا أنتهى الخبر، (( وبعيدا عن سخرية مقدم الخبر عن موضوع الدعوى وأستهزائه بمضمونها وبطريقة غير مودبة! لا تليق به كأعلامي ولا بقناته التي نقلت الخبر، بأعتبار أن الأمر مضى عليه أكثر من 1400 سنة!؟)) ، بدأ أقول : أن القضاء العراقي لازال بخير وبعافية ويتمتع بأستقلالية ويحافظ عليها ويتمسك بها ، رغم كل الظروف الصعبة والضغوط التي تعرض ويتعرض لها من هذا السياسي ومن ذاك ، ومن تلك الكتلة وذاك الحزب ، وبأعتراف سياسيين كبار معروفين بالوسط السياسي العراقي! ، ألا أن القضاء العراقي ظل متمسكا بأستقلاليته وبمباديء المهنة وقيمها في أتخاذ القرار، وحرص على الحفاظ على سمعة القضاء العراقي الطيبة عبر تاريخه الطويل ، في ظل العنوان الكبير الذي يعمل به وبمضمونه بأن ( العدل أساس الملك) . أن القضاء العراقي رغم الظروف العصيبة التي يمر بها وطننا الحبيب شكل حائط الصد والجدار القوي والأمين والصدى النقي لصوت الحق والعدل ونصرة الضعيف والمظلوم ، فلا زال القضاء العراقي هو أمننا وأماننا وملجأنا الأمين من عوادي الزمن والدهر. وكلامي هذا هو لكل قضاتنا وبكل درجاتهم القضائية وعلى رأسهم الأستاذ الفاضل الدكتور فائق زيدان المحترم . وأيضا يعرف الجميع أن سوح القضاء العراقي شهدت الكثير من المرافعات الكبيرة والرائعة من قبل محامينا ، كان صوت الحق فيها جهورا عاليا كما أنهم خاظوا جولات وصولات من أجل أحقاق الحق لهذا الطرف أو ذاك وكان لهم ذلك والقصص كثيرة بذلك . ونأتي الآن الى موضوع الدعوى ومضمونها ، وقد يتفق معي الكثيرين بالسؤال : ماذا يريد الأساتذة المحامين من دعوتهم تلك التي رفعوها للقضاء العراقي؟ هل هناك من شيء جديد ، يريدون أن يثبتوه ويبينوه للعالم وللتاريخ وليس للعراقيين فحسب بخصوص واقعة الطف؟ ، لا سيما أن العالم كله يعرف تماما وبالتفصيل كل شيء عن الواقعة لأنها ملحمة أممية!! ، وهل هناك من سر أو أي شيء كان خافيا خلال أكثر من 1400 سنة هو عمر تاريخ هذه الملحمة الألهية يريد الأخوة المحامين كشفه للعراقيين بل للعالم الأسلامي كله!؟. أن الأساتذة المحامين مع كل التقدير والأحترام لهم يعرفون ، أن قصة أستشهاد الأمام الحسين عليه وعلى أصحابه أفضل السلام هي قصة تاريخية عبر الزمن ، يعرفها القاصي والداني وغالبية العراقيين وحتى البسطاء منهم يعرفون جوهر الواقعة وتاريخها وكل ما وقع وحدث فيها من بطولات ومن تضحيات ومن مواقف الأيثار بالنفس من قبل الأمام وأهله وأتباعه وصحبه ، كما لا أعتقد أن أحدا في العالم لا يعرف لماذا أستشهد الأمام الحسين عليه أفضل السلام؟ ولماذا جاء بأهله وعائلته وعدد قليل من خاصته لا يتجاوزون المائة شخص الى كربلاء؟ ، وبناء على ما تقدم ، قد يتفق معي الكثيرين أن ملحمة البطولة والفداء للأمام الحسين عليه السلام لا تحتاج ان نقيم فيها دعاوى قضائية!؟ فكلا الطرفين معروفين (( الطرف الأول هو الأمام الحسين عليه أفضل السلام وهو سبط الرسول وريحانته وسيد شباب اهل الجنة ، وأنه لم يخرج بطرا أو أشرا أو طلبا للسلطة والجاه ، بل خرج من أجل أصلاح ماظهر على رسالة جده العظيم محمد عليهم جميعا أفضل السلام من أعوجاج فخرج للتصدي لمن يريدون الأساءة للدين وللرسالة الأسلامية المحمدية وضد الفساد الذي أنتشر بكل صوره ومعانيه وأشكاله في ظل الخلافة الأسلامية في عهد يزيد ، والذي يتنافى تماما مع قيم وأسس ثورة الأسلام العظيمة التي قادها وبشر بها النبي الأكرم محمد جد الأمام الحسين صاحب الدعوى . أما الطرف الثاني فالآخر هو معروف أيضا ، فهو يزيد أبن معاوية ومعروف من هو ومن هو أباه ومن هي أمه ومن هي جدته! ، فكانت الواقعة بينهما ، بحقيقتها هو صراع بين حق وبين باطل ، وأنتهت الحكاية ، بأنتصار الحق الذي مثله الأمام الحسين وأصحابه عليهم جميعا أفضل السلام رغم أستشهادهم جميعا!)) . فواقعة الطف تعتبر الملحمة الوحيدة التي أنتصر بها الدم والمباديء والقيم الأنسانية والتربوية والأخلاقية ، على سيف الباطل الذي مثله يزيد ومن كان معه ، وبالتالي يجمع كل كتاب السير والتاريخ أن واقعة الطف كانت ملحمة ربانية ، أراد بها الله أن يستشهد الأمام الحسين ويقتل بهذه الطريقة ، ويمثل بجسده الطاهر الشريف من قبل قاتليه وأعداءه ، الذين تصوروا واهمين بأنهم بقتلهم للأمام الحسين سيطفؤون جذوة الدين ورسالة الأسلام التي خص بها الله عز وعلا النبي العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ليبشر بها العالم أجمع ، ويعودوا بالمجتمع الأسلامي الى أيام الجاهلية الأولى عندما كانوا هم سادته وأسياده! . فدم الحسين الطهور الذي أرتوت به أرض كربلاء مع دماء أهله وأصحابه البررة ، هو الذي كسر سيف الباطل الذي أراد أعوجاج الدين ، فالجنة كانت مكانا للأمام وصحبه وأهله ، والنار كانت مثوى لقاتليه ولكل من شارك وأشار وأمر بقتله. أن أنتصار الأمام الحسين في ملحمة الطف هي في الحقيقية أمتداد لأنتصار الأسلام في معركة بدر وأستكمالا لرسالة النور والهداية التي بدأها جده محمد العظيم في غار حراء لتتوهج وتزداد ألقا ولتّثبت أركانها في كربلاء . وأخيرا : الذي نريد أن نقوله أن أقامة مثل هذه الدعاوى لا يحتاجها الأمام الحسين عليه أفضل السلام فهو أكبر من أن نأتي بعد اكثر من 1400 سنة لننتصر له عبر المحاكم والقضاء وندين قاتليه!؟ فقد نصره الله وأخزى من قاتله وهل هناك نصر أكبر وأبهى من نصر الله؟! ، كما أن ضريحه وقبته الجميلة البهية المذهبة وزواره الملايين الذين يأتون أليه من كل بقاع العالم خير دليل وشاهد على أنتصار الحق على الباطل، فهذا ضريح الأمام وهذه مكانته ، فأين قبر يزيد وأين قبور قاتليه؟ . فهل من داعي لأن نشغل القضاء العراقي في سنة 2023 بدعاوى محسومة آلاهيا منذ 1400 سنة! . أتمنى من الأخوة الأساتذة المحامين الذين يرومون رفع دعوى ضد يزيد كما ورد في الخبر بداية مقالنا هذا ، أن يعرفوا أن أعداء العراق كثيرون ويتربصون به الخطأ والزلة ليشهروا وليشمتوا به ويسخروا منه ! كما سخر مقدم الخبر!! ، فلا داعي لرفع مثل هذه الدعاوى ، التي تجعلكم وتجعل القضاء العراقي في موقف حرج لا أتمناه لكم ، ولنخرس كل الألسن التي تريد الأساءة والسخرية علينا وعلى عراقنا الحبيب وعلى قضائنا والأهم من كل ذلك ، حتى لا نعطي أية فرصة لهذا وذاك أن يسخروا من قضية الأمام الحسين عليه أفضل السلام ، كما فعلها مقدم الخبر الذي أشرت أليه بداية المقال . والله من وراء القصد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here