هل دخلنا مرحلة القيم والمبادرات الإنسانية النادرة و الآخذة بالانقراض ؟

هل دخلنا مرحلة القيم والمبادرات الإنسانية النادرة و الآخذة بالانقراض ؟

بقلم مهدي قاسم

تبدو الإنسانية حزينة و ذو مزاج معتكر ..مكتئب .. مع روح قلقة ومضطربة ، برفقة شعور ممض بضروب أحاسيس اغتراب حتى مع الذات أحيانا ..
إذ …………………..
لا الثري سعيد ، ولا المتمكن مبتهج ، طبعا .. ولا حتى الفقير فرحان أو مرتاح..

فحالات ونزعات التوجس والحذر من ” الآخر ” ، كذلك نوايا مبيتة ، لا مبالاة ، وعدم اكتراث ، انغلاق ذاتي تحصّنا ضد اقتحامات افتراضية ، تضخم أناوي ، بنرجسية مفرطة إيغالا نحو عبادة الذات .. بلادة روحية غليظة ، متحرشفة ، بسبب الإهمال و عدم رعاية متطلبات الروح ذاتها بثراء مطلوب .. لهاث مضحك وراء شهرة زائفة بأي ثمن كان ، ناهيك عن سيطرة مهرجين رديئين على المشهد العام ــ بالمناسبة ــ هو الأخطر في تهديم ما تبقى من قيم نبيلة وسامية وتفريغها بتراهات وتفاهات ..

حتى باتت جملة أمور وسلوكيات كريمة و طيبة من قيّم رفيعة ، التي كانت راسخة عبر عصور وعقود ، تثير الاستغراب والاستهجان او الحذر أو الدهشة من قبيل مساعدة المحتاج حقا .. التخلي عن المقعد في الحافلة لصالح شخص مسن أم امرأة حامل أو لكل طفل صغير أو لمعوق لا يقدر على الوقوف ..

شبه استغراب من مشهد رؤية شخص يقرأ في هذه الأيام كتابا في حافلة .. أو على مقعد في حديقة عامة .. عند ضفة نهر .. وهو المشهد الذي كان مألوفا سابقا مثل مألوفية ارتشاف فنجوان قهوة ،أو شاي :
فالهاتف الجوّال – مفرط الذكاء لحد تبليد الذهن أحيانا – طرد الكتاب بعيدا عن متناول اليد ، عن الجعبة المرافقة ، و أصبح ــ الهاتف الذكي ــ هو المهيمن الطاغي والحضور البارز القوي الجبار يستوطن الجعبة و الجيب واليد ليلا و نهارا ..

حتى اصبحنا مدمنين عليه و نسينا الكتاب و نكهة حبره و متعة ملمس صفحاته الصقيلة وعوالمه الخيالية الزاخرة الساحرة المذهلة ..

بحكم عملي مترجما أسافر بوسائط النقل العام لمسافات طويلة عند.ضواحي بودابست أو للمدن الريفية أحيانا أخرى فعندما أخرج كتابا من جعبتي لأقرأ فألمح من طرف عيني بعض الركاب ينظرون لي على نحو وكأنهم مستغربين من وجود الكتاب بين يدي ..

قبل فترة اردت مساعدة سيدة مسنة جدا وهي تجرجر خلفها كيسها الممتلئ بشتى أنواع بضائع و خضروات .. صاعدة درجات النفق بجهد لاهث و صعوبة بالغة / فرفضت مساعدتي حتى دون أن تنظر لي أو تعرف من أنا ، ومع ذلك مضيتُ اصعد معها مستنفرا بكامل قواي لأمسكها في حالة تعرضها لسقوط محتمل ، ولكنها فيما بعد اعتذرت مني بعدما تأكدت من نواياي الحسنة قائلة :
ـــ عفوا سيدي !.. آسفة حقا لأنني رفضت مساعدتك .. فيبدو عليك أنت رجل جنتلمان !.. وربما يقّل امثالكم يوما بعد. يوم في عصرنا السيء والمضطرب هذا ..، الحقيقة هناك بعض من أناس معروفين بنزعتهم ــ الإجرامية المتجذرة أبا عن جد ، إضافة إلى سكيرين أو مدمني مخدرات ، فهؤلاء و أولئك يخطفون حقائب النساء أو نزع سلسلتهم و أقراطهم الذهبية بعنف ، بحجة إبداء المساعدة لهّن ، ثم يلذون بالفرار .. فمن هنا هذا التوجس والحذر الشديدين ..
ــ نعم سيدتي الموقرة حضرتكِ محقة تماما من هذه الناحية ..بل من الأفضل أن تبقوا حذرين هكذا ..فمن يعلم ؟.. ربما لا ينبغي منح الثقة الكاملة إلا بمن نعرفه حق معرفة جيدة ..
وثم ودعتها مختتما و أنا أنصرف إلى شأني :
ــ ليكن يومكم جميلا وممتعا مع الوصول إلى البيت بسلامة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here