لماذا حدثت ثورة تشرين العراقية ؟

بقلم: أ. د. سامي الموسوي

هناك سؤال لابد لكل عراقي سواء في سلطة ما بعد الاحتلال او غيرهم ان يسأله ويحاول الإجابة عليه. وهذا السؤال هو لماذا حدثت ثورة تشرين العراقية عام ٢٠١٩ وقدمت مئات الشهداء والاف الجرحى والمعوقين؟ وانه لمن السخف ان يقال عن هؤلاء الشباب الذين خرجوا للبحث عن وطن ذو كرامة وسيادة ان يقال عنهم انهم عملاء للسفارات. العميل لايقود ثورة ولا يستسهل الموت من اجل العمالة بل هي ثورة خالصة ناتجة عن السلبيات التي جائت مع الاحتلال الأمريكي الصهيوني البغيض والتدخل الفارسي وبدعم من ذلك الاحتلال. ويحق لنا ان نسأل سؤال (بلو) الافتراضية فلو كان نتاج ما بعد الاحتلال مجيء نظام وطني كفوء يعتمد المعيار الوطني وليس التحاصصي المذهبي والعرقي ويقوم بوضع خطط لاعادة البناء ومحاربة الفساد وتوفير الامن والحفاظ على سيادة البلد من التدخلات الخارجية بما في ذلك أمريكا وايران وحل مشاكل الكهرباء وباقي الخدمات وتطوير الزراعة وإعادة بناء الصناعة التي هدمها الامريكان في حروبهم وحصارهم المشؤوم لو حصل كل ذلك وما شابهه فهل يحتاج شباب تشرين وشيوخه ان يثوروا مطالبن بوطن؟ الدولة العراقية ما بعد الاحتلال الأمريكي البغيض والتدخل الفارسي الابغض هي دولة فاشلة بكل المعايير والقيم المادية والمعنوية. وان أسباب فشل تلك الدولة هو طبيعة النظام والأحزاب الفاسدة والفاشلة وانعدام امتلاكها لمشروع وطني رصين يحافظ على سيادة الوطن وبالتالي فقدانه كوطن. لهذا السبب طالب ثوار تشرين (بوطن). الدولة كانت فاشلة والوطن مسلوب الإرادة لاسيادة لديه بسبب وقوعه بين احتلالين وذيولهما. انتشر الفساد المالي والسرقات في وضح النهار بل واخذوا يتسابقون على النهب والتسليب بحجة او بدونها او فتوى او دونها وأصبحت ملفات الفساد مجرد أوراق للتسقيط والتهديد حتى سرى الفساد في كافة المفاصل في الدولة من الأسس حتى القمة. جفت الأنهار وتحولت الـى مكبات للنفايات والتلوث البيئي وتدهورت الزراعة فتحول العراق من مصدر الى مستورد. تحولت مشكلة الكهرباء الـى معظلة مستحيلة ووسيلة للسرقات والصرف المالي الغير شرعي وصارت بيئة العراق ملوثة من جراء المحولات وما شاكلها. صار ملايين العراقيين بين مشرد ومهاجر او مهجر من بيته او يعيش تحت خط الفقر او في بطالة او توضيف مقنع او مشرد او بدون كرامة ما عدا المنتفعين وهم قلة. غابت معايير السلامة فتسببت بقتل الناس في الحرائق او التسمم او الامراض الناتجة من النفايات وتلوث المياه والبيئة. قامت الأحزاب الحاكمة بتوزيع الوزارت ومديرياتها والعقود التابعة لها حسب المحاصصة والاتفاق الحزبي وليس حسب معيار الكفاءة والوطنية مما تسبب بتدهور الصناعة والتجارة والتعليم والصحة والمعايير كافة والمحسوبية والمنسوبية وفشلت كافة الحكومات الناتجة عن هذا النظام الذي فرضته سلطة الاحتلال بما في ذلك الحكومة الحالية التي ولدت غير طبيعية لانها نتيجة لامتداد سيطرة الأحزاب التي ازاحت الرابح بالانتخابات (رغم كونها انتخابات غير شرعية باشتراك عدد قليل من الشعب) وسيطرت هي على المشهد السياسي او بالأحرى أبقت سيطرتها كما هي وتنازل الرابح منكبا علـى نفسه خوفا من إراقة الدماء (لعل ذلك هو السبب).

ان الذين يراهنون علـى أمريكا لاحداث تغيير انما هم مخطئون لان أمريكا لاتريد الخير للعراق ولو كانت ما فعلت به مافعلت منذ عام ١٩٩١ ولحد هذه اللحظات ولما سمحت لإيران للتدخل وهي التي وضعت أسس ذلك النظام وهي التي أدخلت وصنعت داعش وهي التي فعلت ما فعلت بالعراق من جرائم وتدمير. ان أمريكا تعاني من مشاكل داخلية وخارجية كما هو حال اوربا كلها فهذا هو زمن الشيخوخة لهم وسوف تنهار امبراطورياتهم لانهم الان دخلوا زمن الانحدار والهبوط. ان الذي يحدث التغيير هو الشعب العراقي وبالخصوص جيله الجديد والمهمش الذي قاموا بالكذب عليه وسلب كرامته ووطنه فاذا ثار عندها سوف لن يستطيع احد ان يقف ضده ولابد ان ترضخ أمريكا وغير أمريكا لمطالبه التي هي كلها مشروعة وتصب بالسلم وان يعم الخير الوطني والإقليمي والعالمي. فامريكا رضخت لارادة الشعب الافغاني ونحن نرى اليوم مدى التقدم والبناء الذي اخذت حكومة أفغانستان تحرزه خلال سنتين فقط من مغادرة (هروب) القوات الامريكية وسوف ترضخ للثوار العراقيين لو انهم اصروا على ثورتهم وقادوها قيادة ناجحة وحضارية ودون ادنى تردد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here