باسل عباس خضير
المواطنون بشكل عام ليست لديهم مصالح مباشرة مع الدولار وما يرتبط به من أسعار الصرف او سواها من التفاصيل ، فالغالبية العظمى من الشعب تتكون من الموظفين والمتقاعدين والكسبة والمشمولون بالحماية الاجتماعية والعاطلون عن العمل وأصحاب الاحتياجات الخاصة او ممن ليست لهم قدرات على العمل ، واغلبهم بالكاد يتدبرون أمور المعيشة بالدينار من خلال ما يحصلون عليه من مرتبات او أجور او إعانات او غيرها من الطرق التي غالبا ما تكون محدودة وتقترب او تبتعد عن متطلبات معيشة الكفاف ، وهؤلاء يشكلون النسبة الكبيرة من سكان البلاد ، ورغم إن أحداثا مهمة شهدها الدولار منذ 2003 وحتى اليوم من عمليات تهريب وفساد وتبذير وغسيل أموال ، إلا إن اغلب المواطنين ليس شان مع الدولار فما يعرفوه انه الأداة التي يتم من خلالها الاستيراد الذي يشكل نسبة مهمة من الاستهلاك ، ولان الدولار متاح للمستوردين فيفترض حصول الناس على احتياجاتهم من السلع والخدمات المحلية والمستوردة بأسعار شبه مستقرة لان الدولار مؤمن لمن يحتاجه من المستوردين والصناعيين وهذا ما كان يحصل بالفعل عبر كل الحكومات .
وحكومة السيد ألكاظمي هي من أوقدت فتيل أزمة معيشة الناس حين غيرت أسعار الصرف لتكون 1450 دينار لكل دولار باتفاق عقدته مع بعض السياسيين والبنك المركزي ، وهذا التغيير لم ترافقه إجراءات لتعويض النقص في القدرات الشرائية التي حصلت بسبب ارتفاع الأسعار مرة واحدة وبدون أي تعويض بنسبة لا تقل عن 25% ، وما يعنيه ذلك التغيير هو إجبار معدومي ومحدودي الدخل بالعيش ضمن التخفيض الجديد بسعر الدينار دون أن يرافق ذلك تغيير في رواتب الموظفين والمتقاعدين الذين يشكلون نسبة مهمة من السكان ، وهذا التغيير أتاح المجال للعديد من ضعاف النفوس من البائعين والمستغلين بالتلاعب الكبير بالأسعار رغم إن أسعار الصرف كانت لا تزيد عن 1480 دينار لكل دولار في السوق السوداء ، وحين تغيرت حكومة ألكاظمي وجاءت الحكومة الجديدة تنفس الكثير الصعداء وكانت أول امنياتهم العودة لأسعار الصرف السابقة ، سيما وان أسعار النفط شهدت ارتفاعات وخزينة الدولة باتت متخمة بالأموال والخزين الاحتياطي من الذهب والعملات ، وبعد إن استلمت حكومة السيد السوداني زمام السلطة التنفيذية وأعلنت عن برنامجها الحكومي وباشرت بجملة إصلاحات لتنعكس على معيشة المواطن ، قررت إعادة النظر بسعر الصرف ليكون 1320 دينار لكل دولار وهو إجراء لم يمثل كل الأمنيات لأنه أكثر من السعر قبل التغيير السابق ، ولكن الكثير اعتبروه بادرة خير لخفض الأسعار والوصول بنقطة التعادل بين الدخل العائلي ومتطلبات الإنفاق .
ورغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على قرار تغيير سعر الصرف الذي اتخذ في شباط 2023 ، إلا إن المواطن لم يشهد أي تحسن في الأسعار بما في ذلك السلع الضرورية من الخبز والبيض والخضروات والإيجارات والنقل وغيرها ، وما حصل هو العكس فالرقم الرسمي 1320 يتم تداوله في النشرات الرسمية أما في واقع الحال فانه قريب من 1500 دينار لكل دولار ، وذلك جعل الناس يتساءلون كيف يحصل ذلك والبنك المركزي يضاعف مبيعاته من الدولار لتصل لأكثر من مليار كل أسبوع وكيف ينجوا المتلاعبون بالسعر الرسمي من العقوبات وفعلهم يعد من الجرائم الاقتصادية التي تعاقب عليها القوانين النافذة ، ورغم إن الموضوع اخذ يتفاقم ويشكل رأي عام لان الغالبية يكتوون من الارتفاع الحاد بالأسعار بعد تخطى الدولار خانة ال1500 واجتاز حاجز ال1600 دينار هذه الأيام ، إلا إن المواطنين لم يشهدوا إجراءات حاسمة سوى تبريرات ووعود لم تقنع المواطن قط ، والناس اخذوا يستغربون من الحالة التي يمرون بها فإيراداتنا من النفط آخذة بالازدياد ومن المفترض أن تتحسن مستوياتهم المعيشية بخفض الأسعار ، وحسب مصادر رسمية فان إيرادات بيع النفط بلغت (9.494) مليار دولار لشهر أيلول الماضي ، وهل يعقل أن تكون للبلاد هكذا إيرادات وسعر ( طبقة البيض ) تتحول خلال أيام من 6 ل8 الآلاف دينار ورواتب الموظفين والمتقاعدين لم تتغير دينار كما إن مدخولات العاملين في القطاع الخاص تميل للتناقص بسبب كساد الأسواق ؟! .
وصحيح إن الحكومة والبنك المركزي اتخذوا حزم من الإجراءات للسيطرة على أسعار صرف الدولار في السوق السوداء ، إلا إن الحال لم يتغير ويسير نحو الاسوأ فسعر الصرف في لحظة كتابة هذه السطور 1620 في الأسواق مقابل 1320 للسعر الرسمي ، ويقابل ذلك مبيعات من البنك المركزي تصل ل250مليون دولار يوميا لسد الاحتياجات من الاستيراد ، ومنطق العقل يقول إذا كانت الأسواق تحتاج 25 مليون دولار لسد الطلب على الدولار خارج النافذة فأين تأثير المبيعات بالحوالات التي تبلغ عشرة أضعاف الطلب في السوداء ، وأين تذهب ألمليارات والدولة تغطي احتياجات السفر والعلاج وغيرها من الحالات ؟ ، وهل من المعقول أن يتم تهريب تلك الملايين نقدا والدولة لها علم ودستور وأجهزة أمنية وقضائية ورقابية وتصرف عليها التريليونات ؟ ، والى متى نستمر بهذا الحال والبعض يتوقع بان يتجاوز السعر 1700 خلال أيام وربما يعبر حاجز ال2000 دينار بعدها بأيام او أسابيع ، والموضوع يتحمل عشرات بل مئات الأسئلة والمواطن لاتهمه التبريرات لأنه يريد الحلول ، فالمواطن يريد أن يعيش بكرامة وعفة وان لا يضطر أحدا للجريمة وممارسة الفساد ، ويتم كل ذلك في ظل رقابة محدودة على أسواقنا التي تتمتع بحساسية غريبة لدرجة إن صاحب الدكان يرفع السعر رغم إن بضاعته مكدسة في المخازن او على الرفوف ، فالكثير يرفعون الأسعار وكأنها من غنائم حرب ضد الشعب فرفع الأسعار يتم بذات التكاليف بما يخالف الشرائع السماوية والوضعية.
وان ما يثير عقول وعواطف المواطنين إزاء الدولار إن الغالبية منهم باتوا المتضررين من الارتفاع بسعر صرف فاسعار السلع باتت وثيقة الصلة بأسعار الصرف ، ومما يزيد الأمور تعقيد إن الأمور لا تسير نحو حلول فعلية وجذرية يجعل أسعار الصرف الرسمية هي السائدة في الأسواق وانما التوقع باسوء مما هو موجود ، وأمس توقع مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاستثمار عودة الاستقرار لأسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي في السوق الموازية خلال مدة أقصاها شهرين ، وأشار إلى أن ما كان يفترض أن نقوم به خلال ست سنوات نحاول إنجازه في سنة واحدة وتابع متسائلا هل سيستمر صعود أسعار الدولار؟، الجواب: نعم ممكن أن يستمر هذا الارتفاع لفترة معينة من الزمن لكن نتوقع الانخفاض لأن 70 % من التجارة في العراق انتقلت إلى المنصة الالكترونية ، وفي سياق متصل كشف ائتلاف دولة القانون عن مشروع حكومي جديد يخص التبادل التجاري بين العراق وثلاث دول ، وقال قيادي بالائتلاف في حديث لوكالة ( المعلومة ) : إن هناك مشروعاً حكومياً جديداً باعتماد عملات أخرى غير الدولار للتعامل مع عدة دول بينها الصين وإيران وروسيا ، مؤكداً إن هذا المشروع لو طُبق بشكل صحيح سيعمل على تقليل طلب الدولار بالأسواق العراقية مؤكداً أن الارتفاع الحالي بأسعار صرف الدولار لن تستطيع أية جهة تخفيضه سواء كان البنك المركزي أم غيره ما دام الطلب عليه مرتفعاً ، وبشأن موقف أمريكا من المشروع الجديد أوضح أن أمريكا ليست لديها أي علاقة بهذا المشروع وليس من المهم إن وافقت أم لا على بشرط وجود إرادة من العراق وهذه الدول .
وإذا تم التعويل على التصريح الذي يتوقع بان الأسعار ستتم السيطرة عليها بعد شهرين ، او التصريح الذي يبشر الشعب بالخطة الجديدة في التعامل التجاري بغير الدولار التي لم يحدد أمدها بعد ، فمن الحق السؤال كيف سيعيش المواطن ( البسيط ) بما يقبضه او يحصل عليه من دنانير وهو يتدبر أموره يوما بيوم او شهرا بشهر ؟ ، ومن يضمن توقف ارتفاع أسعار السلع والخدمات في وقت لا يوجد أمل بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين في الأمد القريب ؟ ، فزيادة الرواتب ترتبط بالموازنة التي أعدت ل3سنوات وهي تعاني من عجز سنوي يزيد عن 60 تريليون دينار ، وعند الأخذ بنظر الاعتبار إن معظم ما في اقتصادنا يعول على صادرات النفط وقيمة وكمية وأسعار النفط ليس لها أمان لأنها مرهونة بالمتغيرات والأحداث الدولية التي تتعقد شيئا فشيء ، سنجد إننا بحاجة لحلول عملية لتجيب عن كل التساؤلات ، وحين يسألون أي سؤال فليس الهدف بان نركن لليأس بل لصياغة حلول فعلية لما يجري وليس لإملاء الجيوب بهواء من الأمنيات والتوقعات .