ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ في أسواق النفط، بعد هجوم حماس على إسرائيل. ومع مرور الوقت، هدأت الأسواق وعادت الأسعار تقريباً إلى مستوى ما قبل يوم الجمعة 13 تشرين الاول، فكما يظهر لا يرى البائعون والمستهلكون في سوق النفط حتى الآن أي تهديد يتسبب نتيجة انخراط دول أخرى في النزاع، برغم إعلان الحكومة الإسرائيلية يوم الأحد (8 تشرين أول ) حالة الحرب بعد الهجمات.
يقول يورغ كريمر رئيس الاقتصاديين في بنك “كوميرتسبنك” الألماني “ليس لدي انطباع بأن إيران أو دول أخرى تنوي شن هجمات مفتوحة على إسرائيل. هذا يشير إلى عدم وجود تصعيد كبير”، ويرى أن “السوق تشارك هذا التقدير، كما يمكن ملاحظته من خلال رد الفعل المعتدل لأسعار النفط”.
لكن أكثر من ثلثي النفط العالمي يتم نقله عبر السفن من الشرق الأوسط، ولذا لاتزال الأسواق تتابع الوضع بحذر، حتى وإن لم تكن هناك تأثيرات مباشرة على إمدادات النفط حتى الآن. ووفق وكالة الطاقة الدولية “IEA” فإن أن النزاع في الشرق الأوسط مليء بعدم اليقين، وأن الأحداث تتسارع.
برغم ذلك يعتقد المستثمرون أن ما جرى قبل خمسين عاما لن يتكرر. في تلك الفترة، في تشرين الأول 1973، هاجمت مصر وسوريا إسرائيل، فارتفعت التوترات ولجأت بعض الدول العربية إلى استعمال أسعار النفط للضغط على الدول الصناعية الغربية مثل ألمانيا، التي كانت تعتمد بشكل كبير على أسعار النفط المنخفضة.
حينها قررت الحكومة الألمانية وضع قيود السرعة بحد أقصى 100 كيلومتر في الساعة على الطرق السريعة وأيام الأحد خالية من السيارات، بعد أن ارتفعت أسعار النفط بنسبة تقارب 70 في المئة بسبب تقليصات في إنتاج النفط في الشرق الأوسط.
“اليوم، لم يعد العالم العربي كتلة واحدة، وهناك توترات كبيرة في المنطقة، مثل تلك بين المملكة العربية السعودية وإيران. لذلك يجب ألا يتكرر ما حدث في السابق، ومن المرجح ألا ترتفع أسعار النفط بالطريقة نفسها كما كان الحال في ذلك الوقت”، بحسب يورغ كريمر.
ومع ذلك، يمكن أن يتغير الوضع، إذا تورطت إيران في الصراع، لأنها تقدم دعما ماليا لحركة حماس، وهي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة “إرهابية”.
ان “المخاوف من مشاركة إيران في الأزمة، في هذه الحالة قد يكون لهذا الدور تأثير واضح على أسعار النفط والاقتصاد العالمي”، يقول رئيس بنوك “شباركسين” الألمانية، هيلموت شليفايس.
وفي اجتماع صندوق النقد الدولي في المغرب، شدد شليفايس على أن الاقتصاد العالمي يمر بفترة ضعف بالفعل. وأضاف “فضلا عن التوترات الجيوسياسية الموجودة بالفعل، يأتي الآن أيضا الهجوم “الإرهابي” لحماس على إسرائيل. سيتوقف الكثير على إمكانية السيطرة هذا النزاع الرهيب على الصعيدين المحلي والإقليمي”.
في عام 2018، فرضت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عقوبات على إيران، أدت إلى تقليل صادرات النفط من البلاد.
وبعد تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، زادت صادرات النفط الإيراني بشكل ملحوظ. جو بايدن يسعى لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي جرى توقيعه عام 2015. وكجزء من جهود ضبط ومراقبة المنشآت النووية الإيرانية، هناك إمكانية لتخفيف العقوبات على إيران.
ان أكثر من ثلثي النفط العالمي يتم نقله عبر السفن من الشرق الأوسط، ولذا لازالت الأسواق تتابع الوضع بحذر.
في الوقت الحالي، بدأت إيران مرة أخرى في تصدير كميات كبيرة من النفط، وهو الكم الأكبر من النفط الذي صدرته منذ خمس سنوات. بالإضافة إلى ذلك، زادت الولايات المتحدة من إنتاجها من النفط، حيث أصبح إنتاج النفط فيها مرة أخرى على مستوى ما كان عليه قبل جائحة كوفيد-19.
وفي الوقت نفسه، الاقتصاد العالمي ضعيف ما يقلل الطلب على النفط. كل هذه العوامل تسهم في منع ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير. وإلى جانب ذلك، تُلائم هذه التطورات أيضا حكومات الدول الغربية التي تواجه تضخما مرتفعا.
لكن ماذا لو توسع النزاع؟ يرى عديد من خبراء الطاقة أن سعر النفط قد يرتفع بسرعة مجددًا فوق مستوى 100 دولار للبرميل. لأنه إذا تورطت إيران، فقد يؤدي ذلك إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو الممر البحري الرئيس لنقل النفط العالمي بين الخليج وخليج عمان، حيث يمر نحو ثلث النفط العالمي بوساطة السفن عبر هذه الممرات البحرية.
وانخفضت أسعار النفط في الأسواق العالمية في الأيام الأخيرة، لكن الأمر مختلف بالنسبة لأسعار الغاز، حيث شهد زيادات ملحوظة، وحدثت طفرات في الأسعار في سوق الغاز الحالي بلغ 40 في المئة.
هذا الارتفاع يعود إلى عدة أسباب، أولاً، أغلقت إسرائيل حقلًا للغاز يقع على بعد نحو 20 كيلومترا من قطاع غزة في البحر الأبيض المتوسط. ثانيا، تعكس أسواق الغاز أيضا عدم اليقين بسبب إغلاق خط أنابيب الغاز بين فنلندا وإستونيا بسبب هبوط في الضغط. وأخيرا، إضراب عمال وموظفي مرافق غاز “أل. إن. جي.” التابعة لشركة شيفرون في أستراليا الذي دام اسبوعين.
برغم كل ذلك، يتوقع محللون في مجال الطاقة أن تهدأ الأوضاع في سوق الغاز بمرور الوقت بمجرد تجاوز هذه التوترات. وبالنسبة للمستهلكين، لا تؤدي مثل هذه التقلبات في أسواق الغاز الى دور كبير في الوقت الحالي إذا كانت مؤقتة. إذ يقوم مزودو الغاز وشركات الطاقة بتأمين أنفسهم من مثل هذه التقلبات عن طريق عقود توريد طويلة الأمد.
وقفزت أسعار النفط الخام في ختام تعاملات الجمعة 13 تشرين الاول 2023 بنحو 5 دولارات للبرميل الواحد للعقود الآجلة ليصل إلى نحو 91 دولارا للبرميل، كما صعد الذهب بنسبة 3.2% ليصل لمستوى 1929 دولارا للأوقية (الأونصة)، وذك في ظل تصاعد الأزمة في الشرق الأوسط مع مواصلة إسرائيل قصفها المكثف على قطاع غزة، وحذر مسؤولون دوليون من استمرار الصعود في أسعار النفط.
من جهتها، أعربت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتارامان عن قلق بلادها إزاء تأثير الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط على أسعار الوقود. جاء ذلك في إطار توضيح الوزيرة تفاصيل المناقشات التي أجراها كبار المسؤولين الماليين بمجموعة العشرين في مدينة مراكش بالمغرب.
وقالت الوزيرة الهندية إن “الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط والقلق بشأن نقص الوقود هي مخاوف تساور كثيرا من الدول وقد عبَّرَت عنها أيضا”.
وجاءت تصريحات الوزيرة الهندية على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين المنعقدة في مراكش بالمغرب.
كما حذر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير من أن الحرب الدائرة حاليا بين إسرائيل والفلسطينيين تشكل خطرا على الاقتصاد العالمي. وقال “لدينا حاليا خطر جيوسياسي، هو خطر اتساع النزاع في إسرائيل إلى المنطقة ككل، وهذا خطر أساسي على الاقتصاد العالمي”، مشيرا إلى أن عواقب النزاع في الشرق الأوسط ستكون “ثقيلة” على النمو وأسعار الطاقة في العالم.
من جانبه، أعرب وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي عن قلقه إزاء الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحماس بعد عملية “طوفان الأقصى”، وقال إن عديدا من المشاركين في اجتماع زعماء مالية مجموعة السبع في مراكش بالمغرب عبّروا عن قلقهم إزاء الصراع المتصاعد بين إسرائيل والفلسطينيين.
التآخي ـ وكالات