مفهوم العدوان في القرآن الكريم (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

قوله تعالى “قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ” ﴿النمل 34﴾ اذلة صفة، قالت محذرةً لهم من مواجهة سليمان بالعداوة، ومبيِّنة لهم سوء مغبَّة القتال: إن الملوك إذا دخلوا بجيوشهم قريةً عنوةً وقهرًا خرَّبوها وصيَّروا أعزَّة أهلها أذلة، وقتلوا وأسروا، وهذه عادتهم المستمرة الثابتة لحمل الناس على أن يهابوهم. قوله تعالى “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” (الاعراف 165)، فإن الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر نجوا من العذاب، وأما الفريقان الآخران أي المعتدون والساكتون على اعتدائهم فأخذهم العذاب. قوله تعالى “مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا” ﴿الأحزاب 61﴾ المعتدون هم “مَّلْعُونِينَ”.

جاء في موقع الألوكة الشرعية عن العدوان في ضوء الكتاب والسنة للدكتور طه فارس: دلالة ألفاظ العُدوان في القرآن والسنَّة: دلَّت ألفاظ العدوان في الكتاب والسنَّة على جملة من المعاني، وإن كانت في أصلها ترجع إلى معنى واحد، وهو تجاوز الحق والعدل في الفعل أو القول أو الحال، من ذلك: أولاً: الكفر وقتل الأنبياء عليهم السلام أو تكذيبهم: ومن ذلك قوله تعالى: “وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” (البقرة 61) أي: إن ما جازاهم الله به من الذلة والمسكنة، وإحلال الغضب بهم، إنما هو بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات الله، وإهانتهم للأنبياء وأَتْبَاعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم، والذي حملهم على جحود آيات الله وقتلهم الأنبياء إنما هو تقدُّم عصيانهم واعتدائهم، فجرَّهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات وقتل النبيين، إذا المعاصي بريد الكفر، فكفرهم بالآيات سببه العصيان، وقتلهم الأنبياء سببه الاعتداء، ومثلها في المعنى والدلالة آية (ال عمران 112). ومنه قوله تعالى: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” (المائدة 78) أي: إن ذلك اللعن إنما هو بسبب عصيانهم واعتدائهم على ما حرَّم الله، فعصيانهم هو مخالفتهم لأوامر الله تعالى، واعتداؤهم هو الإضرار بالأنبياء وقتلهم. ومنه قوله تعالى: “ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ” (يونس 74) أي: مثل هذا الطبع العجيب المحكم الذي يمتنع زواله نطبع على قلوب المعتدين، المجاوزين الحد في الكفر والتكذيب فلا يؤمنوا، والمراد به: المشركون لأن الشرك اعتداء، فإنهم كذبوا الرسل فاعتدوا على الصادقين. ثانياً: الظُّلم: ومن ذلك قوله تعالى: “ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (البقرة 85) “تَظَاهَرُونَ” (البقرة 85) أي: تتعاونون وتتناصرون، ويقوّي بعضكم بعضاً، في ارتكاب المعاصي، والإفراط في الظلم وتجاوز الحد فيه. ومنه قوله تعالى: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (المائدة 2) أي: لا يحملنَّكم بغضُ قوم قد كانوا صدُّوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام عام الحديبية، على أن تعتدوا في حكم الله فيكم، فتقتصُّوا منهم ظُلمًا وعُدوانًا، بقصد الانتقام والتشفِّي. ومنه قوله تعالى: “وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ” (المائدة 62) أي: ترى كثيراً من اليهود يسابقون ويبادرون في اقترافهم للمعاصي والآثام، وفي ظلمهم للناس واعتدائهم عليهم، وأكلهم أموالهم بالباطل. ثالثاً: الصَّدُّ عن الإيمان: ومن ذلك قوله تعالى: “مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ” (ق 25) أي: كثير الصدِّ للناس عن الإيمان من أن يدخل في قلوبهم، ظالم يعتدي على المسلمين بالأذى، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والقول الباطل، صاحب ريب وشكوك، يلقيها على الناس مغالطة، ليوقع في نفوسهم الشك في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة الإيمان والتوحيد. ومثله في المعنى قوله تعالى: “مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ” (القلم 12). رابعاً: العدوان على المؤمنين: ومن ذلك قوله تعالى: “وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ” (المجادلة 8) أي: إن اليهود كانوا يتحدثون فيما بينهم بما هو إثم، وهو مختصٌّ بهم، وعداون للمؤمنين، وهو ما يتعلَّق بغيرهم، ومنه معصية الرسول ومخالفته، يُصِرُّون عليها ويتواصَون بها، فنهى الله المؤمنين أن يفعلوا فعلهم، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ” (المجادلة 9). خامساً: السبيل والتَّبِعة: ومنه قوله تعالى: “أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ” (القصص 28) أي: أن موسى عليه السلام قال لصهره شعيب عليه السلام: إنَّ الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين، فإن أتممتُ عشرًا فمن عندي، فمتى فعلتُ أقلهما برئتُ من العهد، وخرجتُ من الشرط، فلا سبيلَ عليَّ ولا تبعة ولا حرج، ولا أُمنَع من أخذ أهلي والذَّهابِ بهم. سادساً: القتل والقتال: من ذلك قوله تعالى: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ” (البقرة 193) أي: إن انتهوا عمَّا هم فيه من الشرك، وانتهوا عن قتالكم، فكُفُّوا عنهم ولا تأخذوهم بالظنة ولا تبدؤوهم بالقتال، فإنّ مَنْ قتلهم أو ابتدأهم بالقتال بعد ذلك فهو ظالم، ولا عُدوانَ إلا على الظالمين، وسُمِّي ما يُصنع بالظالمين عدوانًا من حيث هو جزاء عدوانهم الذي يستحقونه، إذ الظلم يتضمَّن العدوان، فَسُمِّيَ جزاءُ العُدوان عدوانًا، وهو من باب المشاكلة اللفظية.

تكملة للحلقة السابقة جاء في الموسوعة الحرة ويكبيديا عن عدوان (إسلام): ذم العدوان: في القرآن الكريم: وردت العديد من الآيات في القرآن تذم العدوان وتحذر منه: سورة المجادلة الآية 9: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” (المجادلة 9) سورة المائدة الآية 62: “وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (المائدة 62)، قال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: يبادرون إلى ذلك مِن تعاطي المآثم والمحارم، والاعتداء على النَّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل، لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: لبئس العمل كان عملهم، وبئس الاعتداء اعتداؤهم). سورة المائدة الآية 2: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (المائدة 2). يقول الطَّبري: (وَالْعُدْوَانِ يقول: ولا على أن تتجاوزوا ما حدَّ الله لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم). سورة المائدة الآية 87: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (المائدة 87). يقول أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم صلى الله عليه وآله وسلم أنه حق من عند الله “لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم”، يعني بـ”الطيبات”، اللذيذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، فتمنعوها إيّاها، كالذي فعله القسِّيسون والرُّهبان، فحرَّموا على أنفسِهم النساءَ والمطاعمَ الطيَّبة، والمشاربَ اللذيذة، وحَبس في الصَّوامع بعضُهم أنفسَهم، وساحَ في الأرض بعضهم. يقول تعالى ذكره: فلا تفعلوا أيُّها المؤمنون، كما فعل أولئك، ولا تعتدُوا حدَّ الله الذي حدَّ لكم فيما أحلَّ لكم و فيما حرم عليكم، فتجاوزوا حدَّه الذي حدَّه، فتخالفوا بذلك طاعته، فإن الله لا يحبُّ من اعتدى حدَّه الذي حدّه لخلقه، فيما أحل لهم وحرَّم عليهم. سورة البقرة الآية 178: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (البقرة 178) يقول ابن كثير: “يقول تعالى: (كتب عليكم) العدل في القصاص أيها المؤمنون حركم بحركم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا، كما اعتدى من قبلكم وغيروا حكم الله فيهم”. سورة الأعراف الآية 55: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الاعراف 55). في السنة النبوية: في الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أيها الناس، اربعوا على أنفسكم; فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعونه سميع قريب. عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم. قال النَّوويُّ: (معناه أنَّ إثم السُّباب الواقع مِن اثنين مختصٌّ بالبادئ منهما كلُّه، إلَّا أن يتجاوز الثَّاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر ممَّا قال له). عن عبد الله بن مغفل أنَّه سمع ابنه يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنَّة إذا دخلتها. فقال: أي بني، سل الله الجنَّة، وتعوَّذ به مِن النَّار، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنَّه سيكون في هذه الأمَّة قوم يعتدون في الطُّهور والدُّعاء). قال القاري: ((قومٌ يعتدون) بتخفيف الدَّال: يتجاوزون عن الحدِّ الشَّرعي. والاعتداء في الدُّعاء يكون مِن وجوهٍ كثيرة، والأصل فيه أن يتجاوز عن موقف الافتقار إلى بساط الانبساط، ويميل إلى أحد طرفي الإفراط والتَّفريط في خاصَّة نفسه، وفي غيره إذا دعا له أو عليه، والاعتداء في الطُّهور استعماله فوق الحاجة، والمبالغة في تحرِّي طهوريته حتى يفضي إلى الوساوس). في كتب العلماء: كتب الفضل بن يحيى إلى عامل له: (بئس الزَّاد إلى المعاد العُدْوَانُ على العباد). كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمَّاله: (إن قَدَرت أن تكون في العدل والإحسان والإصلاح كقَدْر مَن كان قبلك في الجور والعُدْوَان والظُّلم فافعل، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله). عن أيوب قال: (مَرَّ ابن عمر برجل يكيل كيلًا كأنَّه يعتدي فيه، فقال له: ويحك ما هذا؟ فقال له: أمر الله بالوفاء. قال ابن عمر: ونهى عن العُدْوَان). عن الرَّبيع قال: (سمعت الشَّافعي يقول: أنفع الذَّخائر التَّقوى، وأضرُّها العُدْوَان). كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: (أمَّا بعد: فإنِّي أُشهد الله، وأبرأ إليه في الشَّهر الحرام والبلد الحرام ويوم الحجِّ الأكبر أنِّي بريء مِن ظُلْم مَن ظلمكم، وعُدْوَان مَن اعتدى عليكم، أن أكون أمَرْت بذلك أو رضيته أو تعمَّدته، إلَّا أن يكون وهمًا منِّي، أو أمرًا خفي عليَّ لم أتعمَّده، وأرجو أن يكون ذلك موضوعًا عنِّي مغفورًا لي إذا علم منِّي الحرص والاجتهاد).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here