2023-11-09
استعرض موقع “روسيا بريفينغ” (موجز روسيا) الذي يتخذ من موسكو مقراً له، تاريخ العلاقات العراقية الروسية والتحديات التي تواجهها على غرار العقوبات الأمريكية والاضطرابات الداخلية، لكنه يحدد إمكانيات تطورها في المجال الاقتصادي تحديداً خصوصاً في السنوات المقبلة، سواء مع الحكومة الاتحادية أو إقليم كوردستان، متوقعاً أن تصل في مجال الطاقة وحدها إلى نحو 45 مليار دولار بحلول العام 2035.
وذكر التقرير الروسي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن العلاقات الثقافية والاقتصادية بين بلاد ما بين النهرين وروسيا تعود إلى قرون ما قبل العصور الوسطى، إلا أن شهر أيلول/ سبتمبر عام 1944 شهد تأسيس العلاقات العراقية السوفياتية.
أهم شركاء السوفييت
وأشار التقرير إلى أنه برغم مراحل الصعود والهبوط خلال العام 1955 ثم استعادة العلاقات في العام 1958، فقد أصبحت بغداد إحدى أهم شركاء السوفييت في المنطقة.
وتناول التقرير أيضاً مراحل متعددة من هذه العلاقات خصوصاً مع احتلال العراق للكويت في آب/ أغسطس 1990، وانهيار الاتحاد السوفياتي، والعقوبات الدولية، والغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، مضيفاً أن موسكو تعاونت مع الحكومة العراقية الجديدة وأدت دوراً في تطويرها الهيكلي منذ العام 2003 حتى العام 2011.
علاقات سياسية وجيوسياسية
ومن المحطات المهمة في مسيرة الاتفاقات المتبادلة في العلاقات العراقية الروسية، لفت التقرير إلى التوقيع على معاهدة الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفياتي والعراق في نيسان/ أبريل عام 1972، واتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني في آب/ أغسطس عام 1993، بالإضافة إلى اتفاقية التعاون في بناء منشآت النفط والغاز في نيسان/ أبريل 1995، واتفاقية تسوية الديون في شباط/ فبراير 2008.
وإلى جانب ذلك، ذكر التقرير أن اللجنة الاقتصادية المشتركة بين العراق وروسيا شهدت توقيع 16 اتفاقية تعاون بينهما في بغداد في نيسان/ أبريل عام 2019.
وتابع قائلاً إنه جرى التوقيع أيضاً على 14 مذكرة تفاهم في العام 2020 في قطاعات النفط والغاز والصحة والنقل، وتشكيل اللجنة التاسعة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي بين العراق وروسيا في آب/ أغسطس عام 2022، وهو ما ساهم في توسيع العلاقات التجارية.
ولفت التقرير بشكل خاص إلى أنه بعد لقاء الرئيس فلاديمير بوتين الأخير مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال زيارته الرسمية لروسيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت موسكو أنها ستستثمر نحو 19 مليار دولار وستوسع التعاون.
وبعدما قال التقرير إن العراق وروسيا سيحتفلان في العام 2024 بالذكرى الـ80 للعلاقات الدبلوماسية بينهما، لفت إلى أن العراق رفض منذ شباط/ فبراير 2022، انتقاد روسيا بشأن الوضع في أوكرانيا، ما يمثل استمراراً لإستراتيجية العراق المتوازنة من خلال دعم محادثات السلام الروسية الأوكرانية، مضيفاً أن العراق من خلال تطوره السيادي، يراعي مصالحه في علاقاته مع روسيا.
وذكر التقرير أن روسيا أعطت اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقات مع إقليم كوردستان، وتواصلت ضمنيا مع الأطراف كافة، وأكدت على وحدة أراضي العراق.
في مجال الطاقة
وأشار التقرير إلى أن الطاقة تمثل جزءاً أساسياً من العلاقات، حيث أصبحت عقود الطاقة أكثر إستراتيجية منذ العام 2017، فيما تعتبر احتياطيات العراق من النفط والغاز وتلك غير المستغلة، شديدة الجاذبية.
وتابع التقرير أنه في ظل انسحاب الشركات الغربية الكبرى من العراق، ودعم نشاطات شركات النفط والغاز الروسية، والاستحواذ على الأسهم، فإن روسيا استثمرت أكثر من 14 مليار دولار في العراق، في حين أنها تتطلع إلى توسيع استثماراتها في العراق إلى نحو 45 مليار دولار مع حلول العام 2035.
وبعدما لفت التقرير إلى أن نحو 96% من إيرادات العراق مصدرها من بيع النفط الخام، أشار إلى أن روسيا تعتبر واحدة من أكبر اللاعبين في قطاع النفط والغاز في العراق، وأن الاتفاقيات الثنائية بين الطرفين تعتبر حيوية في رفع الإنتاج العراقي للوصول إلى 8 ملايين برميل يومياً.
وإلى جانب ذلك، قال التقرير إن العراق وروسيا وقعا اتفاقيات جديدة هدفها تعزيز التعاون في قطاع النفط، بما في ذلك مشاريع التنقيب والحفر والحد من حرق الغاز، مشيراً إلى أن شركة “لوك أويل” الروسية تدير مشروعاً نفطياً كبيراً في القرنة الواقعة في محافظة البصرة، في حين جرى مؤخراً تمديد عقد تطوير وإنتاج حقل القرنة الغربي 2 حتى العام 2045 وذلك بهدف زيادة إنتاجه إلى 800 ألف برميل يومياً.
وتابع قائلاً إن وجود شركة “غازبروم” في حقل بدرة النفطي في محافظة واسط وكذلك عمل الشركة في إدارة كرميان مهم أيضاً، بينما تعمل شركات الطاقة الروسية الأخرى، مثل Zarubezhneft، وAstrotranskaz، وTatneft، وSuezun Gas، على تعزيز إمكانيات الفرص المتاحة في قطاع النفط العراقي، بما في ذلك مثلاً العقد مع شركة “لوك أويل” حول تطوير حقل نفط أريدو، وهو ما سيزيد الإنتاج اليومي من 30 ألف إلى 250 ألف برميل، بالإضافة إلى العقد الموقع منذ العام 2017، حيث استحوذت شركة “روسنفت” على 60% من ملكية خط أنابيب كركوك – جيهان مع الالتزام باستثمار 1.8 مليار دولار أمريكي.
وبالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى وجود اقتراحات أخرى لموسكو فيما يتعلق بخط أنابيب النفط التركي – السوري – كركوك، وإحياء خط الأنابيب العراقي – السوري، وخط أنابيب الغاز من كركوك إلى أوروبا، وتزويد احتياجات العراق المحلية من الطاقة الكهربائية، والاستثمار في المصفاة النفطية في الموصل.
وأضاف أن اتفاقية “أوبك بلاس” توفر تعاوناً وثيقاً وتنسيقاً أكبر بين العراق وسوريا حيث يتمتعان بموارد نفطية غنية ومصالح مشتركة بهدف الحفاظ على الاستقرار في سوق الطاقة العالمية.
تعاون عسكري ونووي
وذكر التقرير أن روسيا كانت في الماضي المزود الرئيسي للأسلحة للجيش العراقي، ويعتبر العراق أحد المستوردين الرئيسيين للأسلحة العسكرية الروسية.
وأشار أيضاً إلى صفقات التسلح التي أبرمت في الأعوام 2012 و2014 و2017، لكنه قال إن خطط توسيع التعاون في مجال الأسلحة والدفاع يمكنها أن تعزز العلاقات المتبادلة.
ولفت التقرير إلى أن العراق أعرب عن هدفه لبناء 8 مفاعلات نووية لتوفير 25% من احتياجاته من الكهرباء بحلول العام 2030، مضيفاً أنه بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على بناء مفاعل خال من الإشعاع في العراق، فإن بغداد تبحث التفاوض مع شركات روسية في هذا المجال.
تعاون صناعي
وبحسب التقرير، فإنه من المهم بالنسبة للبلدين تحقيق أهداف التنمية الوطنية، وضمان الأمن الاقتصادي، وتعزيز الصادرات من خارج موارد الطاقة، وإطلاق الإمكانيات الاقتصادية في العلاقات، مضيفاً أن نحو 50 شركة روسية تعمل في العراق، مشيراً على سبيل المثال، إلى أن “كونسورتيوم” روسي ينفذ مشروعاً كبيراً لتجديد وتحديث مصنع لمنتجات الزجاج والسيراميك في محافظة الأنبار.
أمن غذائي
وذكر التقرير أن العراق يستورد 50% من احتياجاته الغذائية، مضيفاً أنه في ظل انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الصراع في أوكرانيا، فإن بغداد تتطلع بشكل متزايد نحو روسيا لتكون شريكاً لتحقيق هدفها السنوي المتمثل في إنتاج 4 إلى 5 ملايين طن من القمح.
وأضاف التقرير أنه في ظل الظروف الجيوسياسية غير المستقرة حالياً، فأنه بمقدور روسيا زيادة منتجاتها الزراعية ومبيعاتها الغذائية إلى العراق.
ولفت إلى أن التجارة بين العراق وروسيا في العام 2022 تأثرت بالزيادة الكبيرة في شراء زيت عباد الشمس ودقيق القمح وأعلاف الحيوانات.
النقل والبنية التحتية
ونقل التقرير عن السوداني قوله إن بغداد تريد أن تشارك موسكو في إطلاق مشروع “طريق التنمية” بقيمة 17 مليار دولار، والذي سيمتد لمسافة 1200 كيلومتر من تركيا إلى ميناء الفاو العراقي في الخليج.
وتابع أن العراق وروسيا وقعا مؤخراً اتفاقية تعاون في مجال النقل البحري بهدف تسهيل مرور البضائع والركاب عبر الموانئ البحرية، مضيفاً أن أي جهود في تطوير البنية التحتية، ومشاريع البنية التحتية المختلفة مثل تحديث المطارات، ومبادرات التنمية الحضرية، بإمكانها أن تساعد في التجارة وزيادة قدرة الطرقات التجارية.
وإلى جانب ذلك، هناك محادثات بين العراق وروسيا تتعلق بالتعاون المتعدد الأطراف حول ممر النقل بين الشمال والجنوب، مضيفاً أنه تم مؤخراً توقيع اتفاقية حول الخدمات الجوية بين العراق وروسيا، ما سيعزز آفاق التعاون في قطاع النقل وتطوير وضع الطيران في البلدين.
كما أشار إلى أن توقيع اتفاقية بين البلدين لإعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية، وإلى أن روسيا تدرس أيضاً اتفاقية دخول بدون تأشيرة مع العراق مخصصة للسياح ورجال الأعمال.
وذكرّ التقرير بتصريح السوداني مؤخراً في موسكو بأن العراق مستعد للانضمام إلى مجموعة “بريكس” إذا تلقى دعوة من الدول المؤسسة، مضيفاً أن احتمال دعم موسكو لعضوية العراق في المجموعة تتزايد، ومشيراً إلى أن العراق بحال انضمامه سيتمكن من الحصول على القروض والخدمات التي يقدمها “بنك التنمية الجديد”.
التجارة الثنائية
وفي حين قال التقرير إن روسيا كانت قبل العام 2003، الشريك التجاري الأول للعراق، وأن التجارة بين الجانبين ازدادت بنسبة 43% في العام 2022، أشار إلى أنه خلال العام 2021، صدرت روسيا إلى العراق ما قيمته 283 مليون دولار، بما في ذلك النفط المكرر والخشب والحديد، بينما صدر العراق ما قيمته 50 ألف دولار فقط إلى روسيا، معظمها من الفواكه.
رؤية العراق – روسيا
وختم التقرير بالإشارة إلى أن بوتين أكد خلال العام 2023 على تطوير العلاقات مع الدول الإسلامية، والبحث عن شركاء جدد لتعزيز التعاون الزراعي والصناعي، وإنشاء سلاسل النقل والخدمات اللوجستية، وتعاون تجاري وإنساني وثيق مع الدول الإسلامية مثل العراق.
لكن التقرير لفت إلى أن العلاقات التجارية والاستثمارية بين العراق وروسيا تواجهه تحديات داخلية وخارجية، حيث أن المستوى التجاري للبلدين بين الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين، يعتبر صغيراً نسبياً.
وأوضح التقرير أن التكاليف الأمنية المرتفعة التي تتحملها الشركات الروسية للقيام بأعمالها في العراق (أحياناً ما يصل إلى 25% من ميزانيتها السنوية)، تعتبر بمثابة عامل رادع.
وأضاف أنه بغض النظر عن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فإن الخلافات السياسية الداخلية العرضية والعقبات البيروقراطية في العراق، تلحق الأضرار بالتجارة مع روسيا، بالإضافة إلى أن العقوبات المفروضة على موسكو، والعقوبات الأمريكية (CAATSA)، وما إلى ذلك، تمثل حاجزاً تجارياً كبيراً.
وتابع التقرير الروسي أنه في حين رفضت الولايات المتحدة إعفاء العراق من القيود التي تستهدف روسيا، فإن إحدى القضايا الرئيسية بين موسكو وبغداد في العام 2023 مرتبطة بآلية الدفع للشركات الروسية وتوسيع العلاقات رغم العقوبات، موضحاً أن تسوية الحسابات المالية في البنوك الدولية، أصبحت أكثر صعوبة، فيما تجري محادثات من أجل هذه المشاكل بهدف حماية العلاقات الاقتصادية بينهما من العقوبات.
ولفت إلى أنه يجري البحث أيضاً في إمكانية انضمام المصارف العراقية إلى أنظمة الخدمات المالية MIR وSPFS الروسية وطبيعة القيام بمعاملات مالية بدون الدولار الأمريكي.
ورأى التقرير أن الإمكانيات التجارية والاقتصادية القائمة لم يتم استغلالها بالكامل وأن منظور العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين مرتبط بمتغيرات جيوسياسية وسياسية وأمنية واقتصادية ثنائية ودولية مختلفة، مشيراً برغم ذلك إلى أن العراق يتطلع للانفتاح أمام الاستثمارات الدولية، وسيساعد السعر المناسب للنفط في عام 2023 وحتى العام 2024 على تحقيق التوازن المالي والخارجي للعراق، ولهذا فإن الاستثمارات المشتركة في استكشاف واستخراج وتوزيع موارد الطاقة ستكون من مصلحة البلدين.
كما يمكن أن تكون إقامة فعاليات مثل أهمية التمويل الإسلامي، وتأسيس المصارف الإسلامية، والاهتمام بقضايا الاقتصاد الإسلامي وصناعة الحلال، فرصاً مهمة يجب متابعتها.
وخلص إلى القول إن التفاوض على تنمية التجارة الثنائية، وتقليص الحواجز التجارية، وتسهيل الاتصالات، واتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والانخراط المشترك في مشاريع البنية التحتية المتعددة الأطراف وممرات مشاريع النقل الاقليمية، كلها تعتبر مؤشرات مفيدة من أجل تطوير التجارة الثنائية بين العراق وروسيا.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط