رفوف عربية متربة و إنزال صدام كدمية مغبرة
بقلم مهدي قاسم
كلما احتدم النزاع والقتال بين إسرائيل و الفلسطينيين المدافعين عن أراضيهم المحتلة ، وخاصة عندما تفرط إسرائيل بعملياتها العدوانية قصفا و تدميرا لمدن فلسطينية آهلة بسكان مدنيين ، و كتعبير عن عجز مزمن و مطلق ــ مثلما منذ عشرات من عقود ماضية ــ يتباكى كثير من العرب على غياب صدام حسين ويولولون على نحو :
ــ آه لو كان صدام موجودا لفعل كذا و كذا مدمرا إسرائيل عن بكرة أبيها !!..
وهكذا تمتلئ المواقع والمنصات و صفحات التواصل الاجتماعي بمشاهد ظهور وحركات وأقوال لصدام مع مئات تعليقات تفتقد وجوده ” في هذا الوقت الحرج والعصيب من الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي ” وكيف أنه لو بُقي على قيد الحياة حتى الآن لما تجرأت إسرائيل على ضرب قطاع غزة بهذه الصورة العنيفة و الضارية والخ الخ !! ..
و بما أنه معروف عن عرب ــ وهنا لا أقصد التعميم ــ ضعف الذاكرة و تقعرها المسطح ونسيان سريع وعجيب وخاصة عدم ربط الأحداث بعضها ببعض عبر تسلسلها التاريخي والخروج بعبرة مفيدة ، فقد نسى أو تناسى هؤلاء البعض الكثير من العرب أن صدام حسين بقي في السلطة أكثر من أربعين عاما سواء عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية أو فيما بعد حينما أصبح رئيسا للجمهورية مباشرة لمدة ثلاثين عاما و بسلطة مطلقة ، وفي كل هذه الفترة الطويلة من حكمه ، أي في 1982 جرت عملية اجتياح بيروت بعد قصفها المدمر بالطائرات العسكرية والبوارج البحرية والمدافع بعيدة المدى من قبل الجيش الإسرائيلي ، كما أن مدينة جنين الفلسطينية قد تعرضت إلى نفس الحصار و القصف والاجتياح مثلما قطاع غزة الآن ، حيث كان زعيم المقاومة الفلسطينية الرحل ياسر عرفات محاصرا فيها ، ومع ذلك وفي كلا الحالتين بقي صدام حسين ــ وهو رئيس العراق بمطلق الصلاحيات ــ متفرجا دون أن يطلق صاروخا واحدا باتجاه إسرائيل .
ولم يفعل ذلك إلا بعد مرور وقت طويل جدا ، أي بعد تكوين تحالف دولي ــ عربي ، لتحرير الكويت من قواته الغازية ، حيث بقي وحيدا ومعزولا فتصور أنه عندما يقصف إسرائيل ببضع صواريخ فاشوشية سوف يُثير ويهيّج الشارع العربي ضد بعض حكومات عربية التي اشتركت مع القوات الأمريكية ــ البريطانية في عملية تحرير الكويت ، طبعا في سعي واضح منه لإحداث شرخ في ذلك التحالف الدولي ــ الإقليمي ضده و من ثم ربما تأخير عملية تحرير الكويت بعض الوقت ، ثم تورط بحربين مدمرتين وخرج من إحداها ــ أي من الحرب العراقية ــ الإيرانية ــ بشبه هزيمة ، ومن الثانية بهزيمة كاملة و مخزية ولكن قاصمة للعمود الفقري للجيش العراقي ..
فبعد كل هذا يستغرب بعض كثير من العرب بأنهم يتعرضون لهزيمة تاريخية تلو أخرى أمام إسرائيل ،دون أن يدركوا بأنهم يقاتلون ب رموز تاريخية مهزومة أصلا ، وكذلك بعاطفة فضفاضة على شكل تمنيات من فقاعات ، بينما إسرائيل تقاتل بعقلية باردة ومخططة وبعيدة المدى مع تهيؤ كامل لكل الاحتمالات المتوقعة أو ممكنة الحدوث ، حتى ولوعلى مدى بعيد ..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط