شخص مثالي * مقطع حواري قصير من قصة طويلة .
بقلم مهدي قاسم
بدأ التلميذ ماريتيريانوس يعبر بين حين وآخر عن خذلانه من مجتمع أثينا القديمة شاكيا بمرارة لمعلمه ا الحكيم ا استريا سوس الأثيني من إنه :
ـــ كم من الصعب ومثير للخيبة و الإحباط أن تكون عضوا في مجتمع :
يريد منك أن تكون مثاليا بكامل أوصاف حميدة و خصال رفيعة وسامية ، وهو يتشدق بأجمل كلام مُنمق و بحكم بليغة عن الحب والخير والجمال ، و لكن بقلوب قاحلة و ناشفة من أية عاطفة إنسانية جميلة حقيقية و أصيلة ..
حتى يشجعك ــ أحيانا ـــ على التضحية بنفسك و حتى بعائلتك لكي ينسيك بعد دفنك مباشرة لتصبح نسيا منسيا إلى الأبد !..
توقف التلميذ مارتيريانوس فترة صمت قصيرة كأنما يعطي زخما جديدا لأفكاره العميقة لتتدفق بانسيابية مريحة مضيفا :
ـــ بينما هو في سلوكه اليومي ما هو سوى مجتمع اتكالي ، لا أبالي ، ومشلول بعجز معنوي مزمن عن فعل أي شيء آخر ، طبعا ما عدا نهمه و شهيته في الأكل و رغبته المفرطة في الإنجاب .
رد المعلم الحكيم استرياسوس الأثيني متفقا :
ــ نعم !.. رؤيتك أو تصورك هذا صحيح إلى حد كبير، ولهذا فترى وتلاحظ أنه حتى كبير الإلهة قد تخلى عنهم رغم إنهم يذكرون ممجدين باسمه صبحا و عشيا ـ بل غضب عليهم حتى أخذ ينصر عليهم أعداءهم من أهل الطروادة ، لمعرفته بمدى نفاقهم وزيف قيمهم الباطلة والقائمة على حب التظاهر وإظهار المظاهر الشكلية والسطحية التافهة فقط ..
سكت قليلا ليجمع بقايا أفكاره مستطردا كأنما ختاما نهائيا :
ــ لأن هذا المجتمع الكسول والاتكالي ــ حسب تعبيرك الصائب ــ لا يرغب في أن يروى جوانيته ودواخله القاتمة و أمراضه الروحية المشوّهة بمرآة الحقيقة الكاشفة والساطعة ، بل يسعى دوما إلى إخفائها بأوهام بطولات وأمجاد وهمية وخادعة للذات .
*ملحوظة: هذا النص من نسيج خيالي أنا ، سواء ما يتعلق الأمر بالأحداث و بالأمكنة أو الأسماء ، لذا فإذا تصادف أشخاص بهذه ا الأسماء فأنها محض صدفة فحسب .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط