فبراير 14, 2023
حيدر الموسوي – صحيفة النهار العربي
بالتزامن مع حلول احتفالات “عيد الحب” (الفالنتاين)، تعاني فئة من الشابات والشباب في العراق بخاصة الذين أُجبروا على ترك بلدهم نتيجة التهديدات التي تلقّوها جرّاء مواقفهم السياسية ومشاركتهم في احتجاجات تشرين من عام 2019، من الحرمان العاطفي بعدما أدت مغادرتهم للأراضي العراقية لفراقهم عن شريكاتهم.
البداية كانت مع محمد البولاني، المصوّر التلفزيوني الذي قام بتغطية التظاهرات العراقية وغادر بلاده قبل عامين مكرهاً، بسبب تلقيه تهديدات من جهاتٍ سياسية نتيجة حضوره المتواصل في تظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) 2019 ونقله لأحداثها.
يصف هذا المصوّر ما يعيشه اليوم من مشاعر في داخله بالـ”جحيم”، إذ يقول لـ”النهار العربي”: “هذا هو الحال عند العيش بعيداً عمّن تحبّ. بعيداً عن العائلة والوطن”.
ضريبة “نريد وطن”
ويضيف: “مع أنني في وضعٍ معيشي جيدٍ إلى حد ما، إلا أنه مهما توافرت سبل العيش الرغيد، لن أكون سعيداً كوني بعيداً عن أحبابي وعائلتي ووالدتي، فالذكريات الجميلة عند مرورها ببالي في كل مناسبة، أشعر وكأنها تقتلني. تصبح لحظات مرّة، هذه الخيبة والنقطة السوداء في حياتي تكونت بسبب قضية لم أعانِ منها لوحدي، بل طاولت العديد ممن أُجبروا على ترك لحظاتهم الجميلة خلفهم. وربّما هذه هي ضريبة شعار “نريد وطن” والسعي من أجله”.
ويتابع أن “الخيبة الكبيرة كانت في الخاتمة، حيث لم أحصل على الوطن الذي حلمت به وفي الوقت نفسه أجد نفسي بعيداً عن حبيبتي، ففي عام 2021 تركت رفيقة دربي في العراق ونُفيت إلى خارجه باحثاً عن الأمان، وباحثاً عن بقائي على قيد الحياة بأمل أن يتجدد اللقاء بها ولو بعد حين”.
ويكمل البولاني سرد قصته قائلاً إن “عيد الحب لم يكن يوماً واحداً فقط، فقد كان عيدا ميلادي وميلادها وكل مناسبة سعيدة هي عيد نعيش فيه حبنا. كل يوم معها كان عيداً، أفتقد طقوسنا البسيطة والمساحة التي كُنا نصنع سعادتنا فيها. لم أتخيل يوماً أن لعيد الحبّ طقوساً حزينة أيضاً إلا عندما عشتها في منفاي”.
الخوف من المجهول
ولا تختلف قصة عراقيّ آخر عن حكاية البولاني، فأحد المشاركين في احتجاجات تشرين والذي أرغم على مغادرة العراق يروي واقعه الذي يصفه بـ”المأسوي” في عيد الحبّ. ويقول علاء نبيل: “عَمِلتُ موظفاً لدى إحدى شركات القطاع الخاص في محافظة الديوانية التي أنحدر منها. كانت لدي مشاعر عاطفية تجاه زميلتي الموظفة بالشركة، لكنني لم أصارحها بما أشعر به تجاهها خوفاً من شيء لم أكُن أعرفه”.
ويضيف: ” في شباط (فبراير) 2021 بالتحديد في يوم عيد الحب وقبل نهاية وقت العمل بعد خلو الشركة من الزبائن، صارحتني بأن لديها مشاعرَ تجاهي، وأنها على دراية بأنني أحمل مشاعر تجاهها. تلك اللحظة كانت من أصعب اللحظات التي يمكن أن تمر بحياة إنسان، مزجت فيها مشاعري بين السعادة والحزن، بين الخوف والأمان، وأدركت وقتها السبب الذي كان يمنعني من الاعتراف لها بمشاعري”.
ويكشف: ” أجبتها، لن تنجح هذه العلاقة لأنك ستجديني في يوم ما مقتولاً أو مغادراً العراق دون عودة، لينتهي حديثنا بجوابي وبكائها، لتترك العمل لاحقاً بعد أقل من شهر من حديثنا دون أي كلام بيننا”، لافتاً إلى أنه “أُرغِمت على هذا الجواب كما أُرغمت على المغادرة بعد ثلاثة أشهر بسبب تهديدات جماعاتٍ مسلّحة، ورغم ارتياح ضميري من جوابي لها كوني لم أُرد خذلانها في يوم من الأيام، إلا أن جُرحي منذ ذلك الحين لم يندمل، وتمر عليّ مناسبة عيد الحب كأكثر ذكرى مخيبة للآمال”.
احتفال معزول
ولا تقتصر “الطقوس الحزينة” في عيد الحبّ في العراق على المنفيين في الخارج، ففي الداخل أيضاً لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً عن المنفى وخصوصاً مع تعدد الجماعات العرقية والدينية والتي تحرم الزواج من بعضها البعض، والعادات والتقاليد التي تفرضها العشائر على أبنائها.
يقول عباس مقداد، وهو شاب من محافظة الديوانية، لـ”النهار العربي”: “لقد استسلمت أخيراً للواقع في العراق وصرت أحتفل في منزلي أو مكانٍ بعيدٍ عن هذه البيئة، وبمعزل عن رياح الأوصاف الدينية والعشائرية التي تهب كل عام عند قرب مناسبة عيد الحبّ”.
ويضيف : “العادات القبلية ورجال الدين يرون أن الاحتفال بهذه المناسبة كفر، لذلك قررنا الاحتفال بعيداً عن العالم وفي أماكن ليست عامة”.
ويتابع عباس أن “الاحتفال بعيد الحب يكون في السرّ، ذلك أن رجال الدين والعشائر يرفضون هذه المناسبة، لكن لو قرروا دعمها كغيرها من المناسبات أو على الأقل الكف عن ذمها ومهاجمتها وزرع الثقة في المجتمع، سوف نلاحظ أن الأمر طبيعي ولا توجد أي ممارسات سلبية أو تخل بالشرف على حد وصفهم”.
خطيبة ثائر
وحتى الآن، لدى الشابات العراقيات قصص حزينة أكثر مع عيد الحب وخصوصاً أولئك اللاتي فقدن شركائهن، فعبوّة لاصقة كانت كفيلة بالقضاء على أحلام شابة عراقية كانت خطيبة ثائر كريم الطيب قبل اغتياله في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2019 جرّاء زرع العبوّة أسفل مركبته التي كان يقودها خلال احتجاجات تشرين.
تقول خطيبة الطيب لـ”النهار العربي” إنها كانت تتمنى أن تعيش حياتها وتؤسس أسرتها معه. وتضيف أن “أجمل اللحظات التي قضيتها كانت عند احتفالي معه بعيد الحب كما يحتفل العشّاق، لكن بعد رحيله لم يعد للحياة طعم. أفتقد الأمان والسعادة وكل ما هو جميل. كانت آمالنا بسيطة تلخّصت بتكوين حياتنا وزواجنا والاستقرار كأي علاقة حب تنشأ بين حبيبين، لكن المجرمين الغادرين حالوا دون ذلك”.
وتواصل سرد حكايتها بالقول إنه “شعورٌ لا أستطيع وصفه الذي عشته حين سماعي خبر استشهاد ثائر. شعرت أن الحياة توقفت وانتهى كل شيء. رحل فخري واعتزازي وفخر أهله ومحبيه، أحببته لأنه اسمٌ على مسمى، الثائر على الفساد والمطالب بالحريات والمحب للوطن والمضحي من أجله”.
وتتابع: “لقد حذرته آلاف المرّات، ليحافظ على حياته أيام تظاهرات تشرين، حتى حصلت خلافات بيننا أكثر من مرة بسبب إلحاحي عليه خوفاً على حياته، لم أرد فقدان ثائر”، لافتة إلى أنه “كان في حسباني أنني سأكون خطيبة شهيد في يوم من الأيام نتيجة الخطورة التي كان يواجهها بسبب صرخته ضد الظلم وعدم سكوته عن الحق”.
وتكمل أن “شعور الفقد شعور صعب جداً وأصعب من الموت نفسه. لن يشعر به حقاً سوى من يمرّ به، لكن يكفيني فخراً بهذه المناسبة أنني حبيبة الشهيد البطل الذي دافع عن حقوق المظلومين في زمن الخوف وتكميم الأفواه”.
الإبعاد القسري
ولدى محمد فاصل العبودي أحد ناشطي احتجاجات تشرين والذي تم تعذيبه واختطافه من ساحة التحرير وسط بغداد في 7 كانون الثاني (يناير) 2020 من قبل ميليشيا مسلحة، قبل أن يرحل خارج العراق بسبب تجدد التهديدات التي وصلته، حكاية أخرى مع عيد الحبّ.
ويقول لـ”النهار العربي”: “يمرّ علينا عيد الحبّ، العيد الذي أتذكر جيداً كيف كُنا نستقبله في بغداد، وكيف كان يستقبله إعلام الفصائل المسلحة التي حرمتنا من عاصمتنا، باعتباره مُحرماً وعيباً وعادات أجنبية، إلى كثير من هذا الكلام الذي لا يمت للحقيقة بأي صلة، ولكن نحن الذين نسعى إلى بناء دولة مدنية، نحتفل مع من نحبّ ونرتدي القمصان الحمراء، ونحمل الورود الحمراء لنحيي هذا اليوم”.
ويضيف العبودي: “خيبت آمالنا فصائل الظلام وميليشياته، وأبعدتنا قسراً عن بغداد التي طالما أردنا أن نحتفل فيها بكل مناسبات الحبّ والجمال، لكن الموقف المعادي من الإسلام السياسي وفصائله يكلف الكثير والكثير، وإحدى الخسارات هي خسارة أن أحتفل مع من أود بهذا اليوم في بغداد”.
ويتابع: “تعيش عوائلنا أياماً صعبة وظروفاً قاسية. تمر مناسبة عيد الحبّ ومناسبات وأيام مهمة، كانت لنا فيها ذكرياتٍ معهم، ولكن اليوم يعيشونها دون وجودنا. عيد الحبّ الذي أهدي أمي فيه كل عام باقة ورد، لا تزال تتذكره بحرقة قلب. بات هذا العيد مأسوياً بالنسبة لأمي وعائلتي”.
“كلا لحبّ الفجور”
لكن لدى المجتمع العشائري العراقي وجهة نظر مغايرة لآراء العشاق، فهو رافض وبشدة لاحتفالات عيد الحب، عاداً إياها مناسبة لممارسة “الرذيلة” بحسب ما صرح عميد السادة العناكشة العام في العراق حيدر العنكوشي لـ”النهار العربي”، قائلاً إن “حبّ هذا الزمان وما يسمى بعيد الحبّ هو مناسبة للفساد والرذيلة، ودعوة للتقارب غير الشرعي بين الذكر والأنثى”، مضيفاً: “كلّا لحبّ الفجور”.
ويتابع :”قد يصفني البعض بالتخلف على إثر هذا الكلام ولكن هذا ما يكمن بداخلي”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط