د.عامر ملوكا
جمعينا نعيش في عالم اليوم تحت تأثير ثلاث مؤثرات تحدد او تنظم حياتنا وسلوكنا في تعاملاتنا اليومية مع الانسان والبيئة من حولنا. الاول وهو القانون ويقابله الممنوع ، معظم التعاملات والأمور الحياتية وضعت لها القوانين وفي حالة كسرها سوف يعاقب الفاعل . والعامل الاخر وهو الدين ومخافة الله وكسر الوصايا والتعاليم السماوية ويقابلها الحرام ، قد لا يعاقب صاحبها مباشرة عند ارتكابه خطأ او جريمة ولكن يلحقه العقاب في العالم الاخر وحسب مفهوم كل دين . والعادات والتقاليد ويقابلها العيب فالعقاب لكاسر هذه العادات والتقاليد نسبي ويتفاوت بين مجتمع واخر وزمن واخر. بشكل عام الكل يخضع لهذه المؤثرات، ولكن هل هي كافية لجعل الانسان صالحا وعادلا أو ليحكم بالحق والمساواة وان تجعل عالمنا مثاليا وامنا. ففي الواقع انه من المستحيل إيجاد قوانين واحكام ونواميس لكل حالة ظلم او تعدي او تجاوز للحقوق. من المؤكد أن الجواب سوف يكون بالنفي، فالإنسان، مع الوقت والتطور التكنلوجي، تزداد حياته تعقيدا اكثر فاكثر، ومهما تطورت القوانين والشرائع فسوف تبقى عاجزة في الكثير من الحالات عن الحكم بالحق المطلق والعادل والمناسب. وان لم تكن عاجزة، فسوف يتم التلاعب والتحريف فيها من قبل الانسان لصالح طرف ضد طرف اخر.. ولا بد للإنسان ان يكون له ضمير حي وضمير نقي يعمل في داخله لجانب الخير والفضيلة والحق . وهذا هو ما يمكننا تسميته بثورة الضمير، سيما وأن في عالمنا الحاضر قد اجتمعت الكثير من العوامل التي تحاول تخدير الضمير الإنساني او ايهام الضمير بصحة ما يقوم به الانسان من أفعال وتصرفات واخلاقيات لا يمكن للضمير الإنساني الفطري والمكتسب ان يقبل بها. وسوف نتطرق الى الضمير وتعريفه ومفهومه والى مصطلح الثورة، ومن ثم الى مدى حاجتنا لثورة الضمير.
الضمير هو الفلتر الذي يمر فيه كل ما يدور في تفكيرنا ووجداننا ليفصل الصالح من الطالح، المفيد من الأقل فائدة، المطابق للقانون ولكن غير النافع أو الضار …
اما في قاموس أكسفورد فيعرف الضمير بانه المعرفة أو الوعي الداخلي وله القدرة على التمييز بين الخير والشر .
ويعرف الضمير أيضا بانه طاقة ومجس اوجده الله في الانسان له القدرة على التمييز بين الحق والباطل، بين كل ما هو خير أو شر، ونستطيع القول بأنه صوت الله في الإنسان، وهو الذي يحرك الألم النفسي والشعور بالذنب كلما انتهك الانسان القيم والأعراف والقوانين والشرائع التي يؤمن بها الانسان السوي . يقول الشاعر ماريو بينديتي في روايته “بقايا القهوة” واصفا الضمير بانه الجنة والجحيم وهو محاسبة للذات بشكل يومي كيوم الحساب، وان كان ضميرك مرتاحا تنعم بنوم عميق وهادئ وان كان ضميرك غير مرتاح فنومك قلق وملئ بالكوابيس( قد يكون الضمير وسادة من حرير ، وقد يكون أيضاً وسادة من شوك).
اما الثورة كمصطلح فهو مشتق من فعل “ثار”، (ومنها كلمة “الثور” – أو الثور في
هيجانه). فالثورة، إذن، قيام افراد، او مجاميع، او شعب بأكمله بالثورة نتيجة الإحساس بالظلم، او التجاهل، أو الاضطهاد، أو الإقصاء، أو اهدار الحقوق. وتشير الثورة عمومًا إلى تغيير جذري أو هائل في النظام السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، أو الثقافي في مجتمع معين. ويمكن أن تكون الثورة نتيجة لتراكم التحولات والتغييرات الطويلة الأمد، أو قد تنشأ نتيجة لظروف معينة قد تكون فاعلة حادة في إثارة التحول. ومن ابرز الثورات في التاريخ الحديث:
الثورة الفرنسية 1789-1799): ) وكانت هذه الثورة نقطة تحول هامة في التاريخ الحديث.
الثورة الصناعية (منتصف القرن الثامن عشر – منتصف القرن التاسع عشر): و كانت هذه الثورة تحولًا هائلًا في الاقتصاد والصناعة في العالم.
الثورة الأمريكية (1775-1783): وكانت حركة تمرد للمستعمرات الأميركية الثلاث عشرة ضد الاستعمار البريطاني.
الثورة البلشفية (1917): وكانت هذه الثورة في روسيا بقيادة الزعيم فلاديمير لينين.
الثورة الصينية (1949): قادها ماو تسي تونغ، وأدت الثورة الصينية إلى إنشاء جمهورية الصين الشعبية وإنهاء الحكم الإمبراطوري.
ويتعرّض الضمير لكثير من العوامل التي تجعله مريضا او غائبا او مغيبا او ميتا، وذلك عندما تتراجع القوانين التي تنصف الانسان، أو ان وجدت لا تطبق بشكلها العادل، وكذلك في غياب مخافة الله إضافة الى غياب العيب من خلال الالتزام بالقيم والعادات والتقاليد وقسوة الحياة وكثرة متطلبات الانسان والتحول للمجتمعات المادية ( الكل يسعى لكي يملك هذا العالم). إضافة الى ان من اهم العوامل التي تؤدي الى مرض الضمير او موته الإرادة الشريرة لدى الانسان إذ تحاول الصراع مع الضمير فنتنصر الإرادة الشريرة في النهاية امام محاولات الضمير لايقافها عن فعل الشر. وقد يتأثر الضمير بمواقف القادة والرموز، علمانيين او دينيين، وينقاد البشر الى اراء ومبادئ قادتهم ومعهم ضمائرهم؛ ولدينا امثلة كثيرة في مجتمعاتنا وعالمنا اليوم على ذلك. كما يتأثر الضمير أيضا بفعل الجماعة، فالأنسان في كثير من الأمور لا يتجرأ على فعلها بمفرده، حيث تكون حسابات الضمير مؤثّرة وفعالة، غير أن الفعل ذاته ألذي أبى القيام به بدافع الضمير، ها قد اقبل عليه الانسان عندما يكون فردا في جماعة تقوم به معا. من أجل ذلك يتجنب الناس مصداقبة الأشرار والخارجين عن القانون. وللمعرفة والوعي أيضا تأثير على الضمير. فالمعرفة الإيجابية والمبنية على القيم الإنسانية تحصّن الضمير وتجعله رقيبا صالحا وعادلا. اما المعرفة الهدامة فتجعل الضمير غائبا ومغيبا عن النظرة الإيجابية والصالحة للأمور. في عالمنا اليوم، نحن بأمس الحاجة الى ثورة الضمير، فقد ايقن العالم بانه مهما بلغت قوانينه وتطوره التكنلوجي سوف يكون عاجزا عن نشر العدا لة والخير بين الافراد او المجتمعات، او بين الدول، بصورة مثالية وعادلة بالمطلق، حتى لو افترضنا، وهذا من المستحيل، أن الانسان، إذا ابتكر مثل هذه الأنظمة والقوانين المثالية العادلة بالمطلق، قادر أن يطبقها مثاليا بالمطلق . فالكثير من المشاكل والحروب والكوارث التي نعيشها في عالم اليوم لا تستطيع كل قوانين الدنيا او الشرائع او الأعراف ان تقول كلمتها الأخيرة وتنصف كل الأطراف الا بصحوة وثورة عميقة في الضمائر لدى قادة العالم والشعوب وبنزاهة المعايير !!! إن طبيعة الانسان وأخلاقيته العميقة قد اعطته موهبة اكتشاف وتمييز الخطأ او الظلم مهما كان نوعهما، ولابد لنا ان نهيئ كل الظروف على مستوى الفرد او المجتمع او الدول لتنمية هذه الموهبة وجعلها فعالة داخل نفوسنا، فنحن نواجه الكثير من المواقف التي نتجاوز فيها على حقوق الاخرين من دون محاسبة القانون او المجتمع، والضمير الصالح يقف بوجهنا ينبه ويشير الى تجنب فعل الشر والابتعاد عنه. عالمنا اليوم يحتاج للعودة الى مخافة الله والى العنصر الفطري في داخلنا الذي يميل للخير في الانسان، لان القانون وحده لا يكفي لحماية المجتمع ويستحيل عليه ان يغطي ويشمل كل ما يواجه الانسان في عالمنا اليوم المليء بالتعقيد والمتغيرات. إضافة الى ذلك نقول بأن القانون وحده عاجز عن مساعدة الانسان في صحوة ضميره فالطريق الوحيد لصحوة وثورة الضمير الإنساني هي مخافة الله .
د.عامر ملوكا
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط