بينها تعاون بغداد واربيل: تصور أمريكي لمعالجة التحدي المناخي عراقيا


2023-11-30
رسم “معهد السلام الامريكي” صورة واسعة للمشهد المناخي في العراق، أحد أكثر 5 دول في العالم تأثرا بسلبيات التغييرات للتغيير المناخي بما في ذلك التصحر والجفاف، وذلك من الجوانب المحلية والاقليمية والعالمية، داعيا بغداد الى تبني سياسة مائية شاملة للتعامل مع الخطر المناخي الذي يمس حياة 43 مليون مواطن، وذلك بالتعاون ايضا مع حكومة اقليم كوردستان.

وذكر المعهد الامريكي في تقريره ان العراق يشهد تراجعا في الامدادات المائية الى جانب تسارع في التصحر، مما يؤدي إلى خسارة نحو 60 ألف فدان من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا، محذرا من أن هذه الظواهر المناخية تهدد سبل العيش والأمن الغذائي لسكان العراق، ويخلق دوافع للنزوح والاضطراب وتدهور التماسك الاجتماعي.

وبعدما لفت التقرير إلى أن الأزمة المائية تتزايد بشكل مطرد وسط الجفاف الحاد، وممارسات بناء السدود عند المنبع في تركيا وإيران، وزيادة الاستهلاك المحلي للمياه بين العراقيين، قال التقرير إن تأثير التغيير المناخي يتزايد مع مرور كل عام، بينما يتزايد عدد السكان المتوقع ان يبلغ عددهم 80 مليون نسمة بحلول العام 2050، في وقت تتناقص موارد البلد.

وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير أن درجات الحرارة في العراق ترتفع بمعدل أسرع بنحو 7 مرات من المتوسط ​​العالمي، مما يؤدي إلى تراجع مستويات المياه من خلال التبخر، مضيفا أنه مع بحلول نهاية هذا القرن، فإنه من المرجح أن تتناقص مستويات المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة لا تقل عن 30% وقد تصل الى 70%، وهو ما يستدعي القيام بتخطيط طويل المدى بهدف ادارة الموارد وخصوصا في المناطق الزراعية.

وبحسب التقرير، فإن فقدان سبل الحياة الزراعية في المناطق التي تعاني من شح مائي، ادى الى تسريع النزوح في المحافظات الجنوبية والوسطى، والتسبب بنزاعات محلية تتعلق بتقاسم المياه، مشيرا الى ان المنظمة الدولية للهجرة، قدرت أنه منذ سبتمبر/أيلول 2023، كان 130,788 شخصا ما زالوا نازحين بسبب عوامل تتعلق بظروف الجفاف والشح الحاد في المياه.

واشار التقرير الى انه في ظل ازمة المياه هذه، هناك عدد كبير من العوامل الاضافية التي تمس استقرار العراق وتطوره، بما في ذلك انعدام الثقة المتزايد بين المواطنين والدولة بشأن الخدمات والفساد، وحول النزعة الحزبية المثيرة للانقسام، والفصائل المسلحة التي تتصرف بحصانة، والتدخلات الإقليمية والتداعيات الاجتماعية والبيئية الناتجة عن عقود من الحروب.

وحذر التقرير أنه من دون معالجة شح المياه المرتبطة بعوامل الضعف الأوسع هذه، فإن ذلك قد يؤدي إلى إحباط الجهود الطموحة التي يبذلها العراق من اجل تحقيق التنمية، بما في ذلك من خلال مشروع “طريق التنمية” الذي أطلقه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وخطط التحول الاقتصادي في اقليم كردستان.

وتابع قائلا انه فيما يطالب المواطنون بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، فانه من الضروري ضمان الا تطيح الازمة المائية بهذه التطلعات.

وذكر التقرير بأن “المعهد الأمريكي للسلام”، تعاون مع معهد الدراسات الإقليمية والدولية في الجامعة الأمريكية في العراق -السليمانية، لإجراء بحث في العام 2023 يحدد دوافع وعواقب أزمة شح المياه. وتابع قائلا انه بخلاف التعامل مع التحديات الاخرى، حيث يعمل العراق من خلال تجزئة القضايا ويحرز تقدما على المستوى المحلي، الا انه من اجل منع النتائج الأسوأ فيما يتعلق بأزمة المياه، سوف يتطلب استراتيجية أكثر شمولية تغطي المدى الكامل من المنبع الى المصب، مؤكدا على أهمية الانخراط العاجل والمستدام على كافة المستويات الإقليمية والداخلية المحلية.

الديناميات الإقليمية

وبعدما أشار التقرير الى أن السياق السياسي الاقليمي يكون مثاليا عندما تنسق الدول المتشاطئة لحوض نهر دجلة والفرات (أي العراق وتركيا وسوريا وإيران)، معا وفق اتفاقيات طويلة الأمد وملزمة قانونا، اوضح ان سياسات هذه الدول في ادارة المياه بشكل متباين، احبطت هذا الاحتمال.

وبينما لفت إلى ان العراق يشهد انخفاضا كبيرا في حصصه المائية، بسبب سياسية السدود الموسعة التي تقوم بها تركيا، وبسبب قيام ايران بتحويل الانهار المشتركة من اجل تلبية احتياجاتها الفورية من المياه، نقل التقرير عن مسؤول عراقي كبير مشارك في المفاوضات، طلب عدم الكشف عن هويته، اشارته الى الشعور بالاحباط من وجهة نظر الحكومة، بالقول “نحن في العراق غير راضين عن حصة المياه التي نحصل عليها من تركيا وإيران، ولا ينبغي النظر الى قضية المياه باعتبارها مشكلة عراقية فقط”.

وتابع المسؤول العراقي قائلا انه من اجل “تأمين حصتنا الصحيحة، نعتمد على المفاوضات اولا وقبل كل شيء (..) ولا نريد اللجوء الى المحاكم الدولية أو الحلول العسكرية لضمان حقوقنا. الحصول على المياه هو حقنا المشروع. ونحن بحاجة الى شيء، وهم بحاجة الى شيء، وبالتالي فإن التفاوض هو السبيل لحل مشكلة تقاسم المياه بشكل ثنائي”.

وبرغم أن التقرير تحدث عن أن الإحباطات في الجانب العراقي، كبيرة، لفت ايضا الى ان نفوذ العراق ينظر اليه على انه منخفض. وتابع ان المسؤولين العراقيين قالوا ان طهران تميل الى اتخاذ قرارات أحادية الجانب من دون أن تتشاور مع شركائها العراقيين، على الرغم من أن بعض المراقبين أشاروا أيضا إلى أن بروز إطار التحالف الحاكم، الذي يعتبر مدعوما من إيران، تزامن مع قيام إيران بعمليات إطلاق أكبر للمياه من نهر كارون الى العراق.

اما فيما يتعلق بالمحادثات بشأن المياه مع تركيا، فقد اشار التقرير الى انها لم تترجم الى اتفاق رسمي تشتد الحاجة إليه فيما يتعلق ممارسات بناء السدود. وبحسب التقرير فإن هناك أطرافا داخل الحكومة العراقية والمجتمع الدولي ممن يعتقدون ان العراق بامكانه استخدام الطاقة والتجارة والمجالات الاخرى كورقة مساومة بشكل أكثر فعالية.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وذكر التقرير ان برنامج الامم المتحدة الانمائي أطلق برنامجا لبناء القدرات في مفاوضات المياه يستفيد منه مسؤولون من الوكالات الحكومية مثل وزارة الموارد المائية، ووزارة الخارجية، ووزارة البيئة، موضحا أن هذه الدورات التدريبية تركز على تعزيز استخدام البيانات و”المقايضات”، واعداد المفاوضين العراقيين للاستفادة من حقيقة ان العراق وتركيا لديهما 4 مليارات دولار من التجارة عبر الحدود كل عام. لكن بحسب أحد المشاركين في التدريب، فان البرنامج يعزز بالتأكيد المهارات الفنية للمفاوضين” الا انه “يفتقر الى مشاركة كبار المسؤولين”.

اربيل وبغداد

وفي حين قال التقرير ان اقليم كوردستان، يعتبر موطنا لبعض اكبر السدود والخزانات في العراق، حيث ينتقل 85٪ من المياه في هذه السدود جنوبا خارج نطاق ولاية حكومة اقليم كوردستان الى العراق الاتحادي.

وبرغم أن تقارير سابقة اشارت الى ان حكومة الاقليم قد تستفيد من موقع المنبع من أجل ممارسة النفوذ على بغداد من خلال حجب مخصصات المياه، مما قد يؤدي إلى صراع بين الجانبين، إلا أن المعهد الأمريكي تحدث عن مقابلات أجراها مع مسؤولين من كلا الجانبين، تشير الى ان الخلافات بين الطرفين تتعلق بتدفق الأموال، ولا علاقة لها بالمياه، حيث أوضح مسؤولون في وزارة الزراعة والموارد المائية في حكومة اقليم كوردستان تكرارا على أنهم يلتزمون “دائما” باحتياجات بغداد من المياه. وفي المقابل، فإن المسؤولين والمستشارين في حكومة السوداني يقولون ان حكومة اقليم كوردستان “لم” تضع حصص المياه على الطاولة كتهديد في أي مفاوضات حول قضايا أوسع.

لكن التقرير لفت إلى أن غضب حكومة الإقليم تزايد بسبب النقص في الدعم المالي من جانب بغداد لصيانة السدود ومرافق تنقية المياه ذاتها التي تطلق المياه إلى المناطق الاتحادية.

وتابع التقرير أنه في ظل التنافس على الموارد المالية، فقد جرى التخطيط منذ فترة طويلة لإنشاء محطات معالجة وتنقية المياه الرئيسية في إقليم كوردستان ولكن لم يتم تنفيذها، مما يؤثر بشكل مباشر على جودة المياه المتدفقة من الشمال الى الجنوب.

ديناميات محلية

واعتبر التقرير الأمريكي إن الانقسام بين اربيل وبغداد ليس خط الصدع الداخلي الوحيد الذي يثير القلق، موضحا أنه خلال فصل الصيف المرتفع الحرارة وشح المياه، انخرطت السلطات المحلية في جنوب العراق في نزاعات ساخنة حول مخصصات المياه وحدودها، حيث اتهمت محافظات المصب، محافظات المنبع، باستهلاك أكثر من الحصة التي حددتها وزارة الموارد المائية. وقد سجلت مثل هذه الخلافات بين البصرة وميسان، والبصرة وذي قار، وبابل والديوانية والمثنى، وواسط والديوانية، والنجف والديوانية. كما تحدث التقرير عن نزاعات كثيرة تجري بين المزارعين حيث يقول من يعيش بالقرب من نهاية قناة الري، ان المزارعين عند المنبع يستنزفون كميات من المياه أكبر من المسموح به، من خلال تمديدات الأنابيب غير القانونية.

واشار التقرير الى ان مناطق زراعية باكملها تنهار تحت وطأة حدود الحصص المائية للمناطق، وأنه يتحتم بذل المزيد من الجهد لتطوير حلول مستدامة وطويلة الأجل لهذه المجتمعات.

وبعدما قال التقرير انه من الطبيعي أن يكون لدى الحكومات مستوى معين من الاحتكاك بين الوكالات والوزارات، الا انه اعتبر انه فيما يتعلق بحالة العراق، فان مستوى الانفصال بين الوزارات غير مستدام في عصر تغير المناخ وندرة المياه.

الآثار على السياسة

واوضح التقرير انه خلال السنوات المقبلة، سوف تزداد الظروف سوءا حيث تشير التقديرات المناخية إلى أن تساقط الثلوج في المناطق الجبلية الجنوبية الشرقية من تركيا وجنوب غرب إيران، سوف يتراجع ​​بشكل كبير من الآن وصولا الى العام 2050، وبالتالي سيتراجع تدفق مياه الجليد في مجاري انهار العراق، مضيفا أنه بحلول العام 2035، فإن الفجوة بين العرض والطلب، ستصل الى نحو من 11 مليار متر مكعب من المياه سنويا.

وبرغم أن التقرير تحدث عن أن المجتمع الدولي بدأ في تطوير حزم المساعدات والتنمية وفقا لذلك، بما في ذلك من خلال الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الكبرى، إلا أن هناك تساؤلات بشأن مدى استمرارية الجهود والتدخلات الدولية على المدى الطويل، خصوصا مع استمرار الحروب في أوكرانيا وغزة، حيث يخشى العاملون في المجال الإنساني والناشطون البيئيون العراقيون من أن استمرار تراجع التمويل الدولي مع مرور الوقت. كما أن معظم المسؤولين الغربيين في بغداد يعبرون عن شكوكهم حول امكانية الاحتفاظ بمستويات كبيرة من التمويل الدولي الان بعد ان اصبح العراق مستفيدا من ارتفاع أسعار النفط واقتصاده الصاعد.

ومن أجل معالجة السياق الأوسع لأزمة المياه في العراق، قال التقرير ان العراق لديه بنية تحتية معقدة للمياه تديرها الدولة مع عشرات السدود وانظمة الري الطبقية والخزانات، مشيرا إلى أن مستويات المياه في سدود اقليم كوردستان تؤثر بشكل مباشر على مستويات المياه في البصرة، ولهذا فإنه من اجل تحقيق فرق ملموس في تصحيح المشاكل المتعلقة بكمية ونوعية المياه، فإن البنية التحتية المائية المتداعية في العراق في مختلف المناطق تحتاج الى اهتمام عاجل.

ودعا التقرير الى تطبيق اجراءات تحقق الالتزام بالمشاركة المستدامة والشاملة على جميع مستويات نظام إدارة المياه على المستوى الاتحادي، وعلى مستوى حكومة اقليم كوردستان. كما دعا الحكومة العراقية الى ان تقود وتتخذ الخطوة الاولى لتطوير، ثم تنفيذ، استراتيجية شاملة للمياه تتماشى مع حقائق التغيير المناخي، الى جانب السلطات البيئية في اقليم كوردستان.

وختم تقرير “معهد السلام الامريكي” بالقول انه “لدى السوداني والحكومة الاتحادية وقيادة حكومة اقليم كوردستان الفرصة للتعاون لتطوير سجل حافل في تعزيز الخدمات والتنمية وفقا لبرامج حكوماتهم، مع رسم مسار قابل للتنفيذ للعراق للحد من الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن التغيير المناخي وشح المياه”.

ترجمة: وكالة شفق نيوز

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here