المؤتمر العالمي للمناخ وتطلعات الدول الأكثر هشاشة

د. كاظم المقدادي
أكاديمي متقاعد، متخصص بالصحة والبيئة

افتتحت يوم أمس (الثلاثين من تشرين الثاني 2023) في دبي الدورة الـ 28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ “COP 28 ” ، وتستمر حتى إلثاني عشر من كانون الأول القادم، وسط تطلع الدول الفقيرة والأكثر هشاشة مناخياً لإنصافها هذه المرة بموجب ضمانات، والطموح العام بان تتوج الجهود التحضيرية الحثيثة، التي بُذلت لعقدها، ولإنجاح المفاوضات الإطارية الجديدة، بنتائج ملموسة وإلزامية، وفق مبدأ العدالة المناخية، وبمخرجات متوازنة وطموحة وشاملة، لتكون إرثاً يمنح الأمل للأجيال القادمة.
المطلوب من “COP 28” ان يتمخض عن نتائج نوعية طال إنتظارها، من حيث راهنيتها وفاعليتها وضمان إلتزام الدول الغنية بتعهداتها.فهذا ما تمليه الوقائع التالية، التي يتعين أخذها بنظر الإعتبار:

أولآ- فشل خطة الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، الذي حذرت منه الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وأكّده مؤخراً علماء من جامعة كونكورديا الكندية، مستندين في تحليلهم إلى دراسات علمية مكرّسة لحالة المناخ العالمي، ولدراستهم للإتجاهات التي أدّت الى إرتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، ولإستخدامهم للنتائج في تنبؤاتهم- وفقاً لمجلة Science ، موضحين أنه مع الأخذ بالإعتبار الأوضاع الحالية، فإن احتمال تحقيق هدف الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين يعادل الصفر عملياً. لأن هذا يتطلب تخفيض الانبعاثات المسببة للإحتباس الحراري بنسبة 43 في المئة بحلول عام 2030، بينما هي آخذة في الارتفاع حالياً.وفعلآ تؤكد المعطيات المناخية العلمية الأخيرة إرتفاع درجة الحرارة الى 2 درجة مئوية.
وهذا يدل على إستمرار التقاعس في تنفيذ اتفاقية باريس لعام 2015، التي صادقت عليها 195 دولة، ومن ضمنها دول الإتحاد الأوروبي، والداعية لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مدى العقود الثلاثة المقبلة، للحفاظ على ارتفاع الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.
علماً بأن “كوب 27” في عام 2022 شهد تنازع الوفود بشأن الأرقام التي تحدد مقدار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يجب خفضها خلال السنوات المقبلة، وكيفية تضمين جهود إزالة الكربون الاصطناعي أو الطبيعي في المعادلات.وعدا هذا، عارضت الولايات المتحدة بشدة فكرة “المسؤولية التاريخية” عن التغيُّر المناخي، وهي التي أطلقت أكبر قدر من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ التحوُّل الصناعي.

ثانياً- قبل 14 عاماً، تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لتمويل مكافحة تغيُّر المناخ ومساعدة الدول النامية في التعامل مع تبعات تفاقم التغيرات المناخية، ولكنها تقاعست عن الوفاء بإلتزاماتها، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تصف التقاعس بالمهزلة – على لسان مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر. لاسيما وأن الدول المتقدمة تتحمل المسؤولية الأكبر عن الاحتباس الحراري، ناسية أو متناسية أنها تعهدت خلال محادثات المناخ التي عُقدت تحت رعاية الأمم المتحدة في كوبنهاغن عام 2009 بتمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ في البلدان الأشد فقراً، بحلول عام 2020.
ثالثاً- تبنى ” COP 27″ إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” لدعم الدول النامية المعرضة بشكل خاص لمواجهة التداعيات الخطيرة الناجمة عن ظاهرة تغيُّر المناخ. هذا القرار إعتبره البعض في وقته “خطوة نحو العدالة المناخية”. وهناك من إعتبره “أحد القرارات التي نجحت في دفع العالم للانتقال من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ”. بينما يجري في الواقع الحديث،حتى عشية إنعقاد مؤتمر دبي، عن “تفعيل” الصندوق، ولم يتضح بعد كيفية تفعيله، ولا الدول التي ستدفع الأموال، ولا كيفية تحديد أي الدول معرضة للخطر وتستحق تلقي الدعم المالي من الصندوق، فضلاً عن عدم تحديد مقدار الأموال التي سوف تُدفع. لكل ذلك، تعول الأطراف على “COP 28” ان يحسم الأمور.
رابعاً- منذ إنشاء “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ” (IPCC ) في عام 1988، بوصفها الهيئة العلمية التي تضم علماء من جميع أنحاء العالم، لتقديم المشورة إلى الأمم المتحدة حول التغيُّرات المناخية في العالم، أصدرت لحد الآن 6 تقارير تقويمية ضخمة، أعدها المئات من العلماء المتخصصين ،من جميع أنحاء العالم .تضمن كل واحد منها بيانات قوية، مُلِخصاً أحدث المعلومات والوقائع حول واقع تغير المناخ ، مُقدماً أكثر الأدلة شمولية وموثوقية حول دور أنشطة الإنسان الجشعة، عاكساً إجماعاً لا لبس فيه من أن النشاط البشري المستنزف للموارد هو سبب مهم في التغيرات المناخية وتداعياتها المؤثرة كارثياً على نصف البشرية.
من المقرر ان يناقش “COP 28″، التقرير التقويمي الأخير(السادس) عن حالة تغير المناخ والجهود الدولية المبذولة لمكافحته والتخفيف من وطأة تداعياته وأبرز الحلول المطروحة، معتبراً إياه غطاء جامع يستوعب الكمّ الكبير من الأبحاث التي أجريت حول ظاهرة الاحتباس الحراري منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
وقد أكّد التقرير ما هو معروف منذ سنوات: ” المناخ يتغيَّر أسرع من المتوقَّع، والنتائج ستكون مدمّرة وكارثية في غياب معالجات فورية “- برأي العالم البيئي العربي والأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) نجيب صعب. ومن أبرز الإستنتاجات التي توصل إليها أن حصْر ارتفاع معدلات الحرارة بدرجة ونصف درجة مع نهاية هذا القرن لم يعد هدفاً ممكن التحقيق، بسبب التأخر في تنفيذ الالتزامات المطلوبة لتخفيض الانبعاثات الكربونية. وهذا يعني أن نطاق الآثار التي لن يمكن وقفها سيتوسَّع، أكان في ارتفاع البحار أو الجفاف أو تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية المتطرفة وحجمها، مما يستتبع زيادة ميزانيات التكيُّف، استعداداً للتعامل مع تأثيرات لم يعد ممكناً ردُّها.
لكن هذا لا يعني- برأي العالم صعب، أننا دخلنا في قَدَر محتوم لن تجدي معه أي تدابير، كما يروّج بعض أرباب الصناعات والنشاطات الملوِّثة. فتسريع تدابير خفض الانبعاثات، وإن كان لن يوقف ارتفاع الحرارة عند درجة ونصف درجة، سيضع حدّاً للارتفاع، لتجنُّب نتائج أكثر كارثية. كما يمكن، خلال فترة زمنية، امتصاص جزء من فائض غازات الاحتباس الحراري، إما بأساليب طبيعية مثل زيادة مساحات الغابات، أو صناعية بالتقاط الكربون من الجو وتخزينه. أما زيادة الانبعاثات بلا حدود فيضع التغيُّر المناخي وتأثيراته خارج أي ضوابط يمكن التعامل معها.

خامساً- يسعى مؤتمر دبي- وفقاً لما أعلنه الوزير الإماراتي د. سلطان الجابر، الرئيس المعيّن للمؤتمر- لتحقيق الهدف العالمي بشأن التكيُّف مع تداعيات تغيُّر المناخ، ووضع الصيغة النهائية للاتفاق على مضاعفة تمويل التكيُّف. وأوضح د. الجابر أن النقلة النوعية، التي نحتاج إليها لتسريع التقدم، تتطلب توفير التمويل بشكل مُيسَّر وبتكلفة مناسبة. ودعا إلى ضرورة اعتماد سياسات داعمة للعمل المناخي والنمو الاقتصادي بشكل متزامن لضمان انتقال في قطاع الطاقة يشمل الجميع، ولا يترك أحداً خلف الرَكب.
وأكد بأن الدول النامية لم تشهد سوى قدر ضئيل من العدالة حتى الآن في ما يتعلق بتحويل الطاقة، وان الحاجة ماسة لتوفير رأس المال من أجل التشغيل الكامل لصندوق “الخسائر والأضرار” الذي تبناه مؤتمر شرم الشيخ في العام الماضي.وحثّ على التكاتف الدولي ليكون مؤتمر الأطراف في دبي مؤتمر النتائج العمليّة واحتواء الجميع.

أنه لطموح أممي مشروع التطلع نحو نتائج إيجابية جديدة للمؤتمر العالمي للمناخ في دبي في ظل ما يواجهه من تحديات ساخنة عديدة، تستلزم بالضرورة إيجاد حلول ومعالجات اَنية وملحة وفاعلة، تقترن بتنفيذ الإلتزامات الدولية، إذا ما أرادت الأطراف المعنية الحدّ حقاً وفعلآ من وطأة المشكلات المزمنة والمتفاقمة والخطيرة المتعلقة بالتغيُّرات المناخية وتداعياتها الإقتصادية-الإجتماعية والبيئية والصحية والأمنية، التي واجهتها المؤتمرات السابقة وأخفقت في تحقيق حتى أهمها وأكثرها إلحاحاً.

فهل سيكون COP 28 فرصة أخرى لإحداث نقلة نوعية لحلول ومعالجات مناخية وتمويلية عاجلة، تضع مصلحة الشعوب وتطلعاتها المشروعة بالحد عاجلاً من الكوارث والأضرار الناجمة عن التغيُّرات المناخية، على رأس أولويات المفاوضات الجديدة ؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here