بقلم: أ. د. سامي الموسوي
يتواجد الجنس البشري على الارض منذ أكثر من مئات الالاف من السنين، فقد أظهرت دراسة الحفريات وتحليل الحمض النووي أدلة تشير إلى أن البشر كان موجودا قبل ٣٠٠ ألف عام. والآن يستوطن الإنسان كل القارات ومدارات الأرض المنخفضة بعدد إجمالي يصل إلى 7.8 مليار نسمة حسب إحصاء عام 2021. يواجه الجنس البشري اليوم انعطافه خطيرة في تواجده على الأرض. حيث ان اول خطر يهدد وجود البشر على كوكب الأرض هو الكوارث البيئية الطبيعية وتلك الناتجة عن اعمال الانسان. تشير الدراسات العلمية البيئية الى ان الجنس البشري يسير بخطى متسارعة نحو الكوارث الطبيعية وازمات الطاقة التي ستؤدي بالتالي الى انقراضه. هنالك عاملين اخرين لا يقلان اهمية سوف يقضي احدهما او كلاهما على الجنس البشري وهما الحرب النووية والذكاء الاصطناعي.
دعنا نلقي نظرة في الأول علــي قسم من الكوارث الطبيعية التي سوف تؤدي الى انقراض البشر. مرت الأرض على الأقل بخمسة حقب من الانقراض الجماعي للحياة ولأسباب مختلفة وفي دراسة أعدتها ثلاثة جامعات أمريكية ونشرت حديثا في مجلة Advance Science العلمية، فأن الأرض الان قد دخلت في حقبة الانقراض الجماعي السادس فعليا. و من المرجح ان يكون الجنس البشري بين أوائل ضحايا الانقراض السادس، حسبما خلصت هذه. وأشارت الدراسة، التي أعدتها جامعات ستانفورد وبرنستون وبيركلي، إلى أن الفقريات تختفي بمعدل أسرع ١١٤ مرة من الطبيعي. وتردد تلك النتائج ما جاء في تقرير نشرته جامعة ديوك الأمريكية، حديثا. وتقول الدراسة بأننا اليوم على مشارف مرحلة الانقراض الجماعي السادسة الكبرى. حيث كانت آخر مرحلة (الخامسة) من تلك المراحل للانقراض الجماعي منذ ٦٥ مليون عام، عندما محيت الديناصورات من على وجه الأرض، فيما تشير جميع الاحتمالات إلى أنه حدث جراء ارتطام نيزك ضخم بالأرض. وإذا ما حدث هذا الانقراض فأن الأرض ان لم تمحى من الوجود فأنها تحتاج الى ملايين السنيين لكي تعود قادرة على استيعاب الحياة مجددا.
و من خلال تقييم سجلات ألحفريات توصل المختصون إلى أن معدل الانقراض الحالي للفقريات أعلى مئة مرة في المراحل التي كانت تمر فيها الأرض بمرحلة انقراض جماعي أي ان مرحلة الانقراض قد دخلت فعلا، بحيث منذ عام ١٩٠٠ اختفى اكثر من ٤٠٠ نوع من الفقريات وهذا عدد كبير ومتسارع. وقد يكون الامر لا يبدو وشيكا ولكنه حسب عمر الأرض والعمر القصير للإنسان على الكوكب فأنه يعتير وشيكا رغم ان حدوثه قد يستغرق اكثر من عشرة الاف سنة. كما ويقول (الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة) إن ما لا يقل عن ٥٠ نوعا من الحيوانات تقترب من الانقراض كل عام ومنها النحل الذي سينقرض خلال ما يقارب ثلاثة أجيال بشرية. وقد تنبأ (البرت أينشتاين) الى ان انقراض النحل يعني اقتراب انقراض الانسان. فالنحل اذا ما انقرض سوف يؤدي الى انقراض ٥٠٠ نوع من النباتات لأنه هو المسؤول عن التلقيح فيها، والنحل يلقح سدس النباتات على الأرض مما يؤثر ليس على دورة الغذاء الطبيعي ولكن على التوازن في الطبيعة اذا ما اختفى ٥٠٠ نوع من النبات في آن واحد. وقد ينقرض النحل خلال ٣ أجيال بشرية فهو يموت بشكل كبير خلال الاعرام الماضية ومما يسارع موته استخدام المبيدات الحشرية في الانتاج الغذاء الزراعي بكميات هائلة علاوة على كون الإنتاج الزراعي اصبح على مدار السنة وهذا يخالف سنن الطبيعة فمثلا هناك محاصيل مثل الطماطم والخيار والباذنجان وغيرها كثير هي بالأساس موسمية صيفية او شتائية ولكن الانسان جعل منها مستمرة بواسطة خلق ظروف اصطناعية وتلاعب في الجينات الوراثية للنبات.
كما وان الباحثون يشيرون الى أن قرابة ٤١٪ من البرمائيات و٢٥٪ من الثدييات مهددة بالانقراض قريبا. هذا فيما لو تم الانقراض بشكله التدريجي الحالي ولكن هناك احتمالات ان يكون الانقراض يحصل بين عشية وضحاها كما حصل في حال الدينصورات. وأوردت الدراسة، عدة أسباب لهذا الانقراض مثل تغير المناخ والتلوث وإزالة الغابات وإنتاج الغذاء بكميات هائلة لكسب الأموال فقط. وتشير الدراسة إلى أنه نظرا للآثار الجانبية للأنظمة البيئية التي تُدمر حاليا فإن بعض الفوائد، مثل التلقيح من خلال النحل، قد تختفي في غضون ثلاثة أجيال بشرية. وقد وصف احد القائمين على الدراسة بأن ما يفعله البشر اليوم من تهديد للبيئة وتعجيل للانقراض السادس هو (كمن يعمل على بتر ساقيه التي يقف عليها ويمشي بها). وكان قد حذر كذلك تقرير أعده (ستيوارت بيم)، عالم الأحياء وخبير الانقراض بجامعة ديوك في نورث كارولينا، من أن الجنس البشري على أعتاب مرحلة الانقراض الجماعي السادسة. واكد تقرير بيم بأن معدل الانقراض الحالي أسرع (ألف مرة) مما كان عليه في الماضي، وليس ١١٤ كما جاء في الدراسة الجديدة المذكورة اعلاه. قال تعالى: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ . أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وهناك عوامل كثيرة تهدد بانقراض الانسان بدون كارثة طبيعية وبدون حرب نووية. وعلى سبيل المثال لا الحصر يحذر علماء ال Microbiology والأدوية على ان العديد من البكتريا الموجودة حاليا أصبحت تكتسب قابلية متسارعة على مقاومة المضادات الحيوية دون احداث تطور في إيجاد البديل وفي غضون عشرات السنين سيجد الطب نفسه عاجزا من معالجة الالتهابات الجرثومية مما سيتسبب بكوارث تفوق كثيرا جدا كارثة COVID وسيموت البشر باعدا هائلة وسوف لن يتمكن الأطباء من اجراء العمليات الجراحية لأنها تؤدي للإنتانات المميتة. ويصاب الانسان بعدوى متعددة ومتسارعة في آن واحد قد تقضي عليه كجنس بشري. واذا استمر الحال كما عليه فأن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية سوف تقتل اكثر من عشرة ملايين انسان كل سنة بحلول عام ٢٠٥٠ وبالتالي سوف تؤدي الى كارثة بشرية.
الامر الاخر الذي سوف يؤدي الى فناء الجنس البشري هو الذكاء الاصطناعي حيث ان هناك اتجاه متسارع لإدخال الذكاء الصناعي في كافة المجالات، وهناك تسارع في جعله يفوق الذكاء البشري بأضعاف متسارعة. سوف يجلب ذلك تأثيرات سلبية كثيرة مثل حدوث البطالة بشكل كبير والحروب وتطور التجسس والاحتيال والاستهداف وغيرها. والاهم من ذلك كله هو عندما تصبح الروبوتات أكثر ذكاءً من البشر فأنها سوف تشكل خطرا وجوديا على الانسان وقد يهدد ذلك الجنس البشري كله. فاذا ما استطاع الروبوتات ان تطور نفسها بنفسها يصبح الانسان عبئا ثانويا عليها يجب التخلص منه. فالإنسان لكي يكون طبيبا او قاضيا او مهندسا او غير ذلك عليه ان يدرس لسنوات طويلة ثم عليه ان يكتسب خبرات لكي يتطور بالوظائف بينما تحتاج الروبوتات الى برمجة ذاتية لمدة دقائق لكي تكتسب ما يحتاجه الانسان في هذه السنوات الطويلة. وان الانسان يحتاج الى ان ينام ويرتاح من العمل لفترات بينما لا تحتاج الروبوتات لذلك وتستطيع ان تعمل تحت ظروف قاسية لا يتحملها البشر. وقد اخذت بعض المهن ادخال الذكاء الاصطناعي والروبوتات في عملها ففي الصين مثلا ادخل الروبوت في دور القاضي وفي دور المذيعة وكان ذلك بأفضل من أداء الانسان وفي اليابان صار عندهم فنادق تديرها روبوتات وهناك سيارات تقودها روبوتات وغير ذلك كثير ومتسارع. الامر خطير والأخطر من ذلك انه لا يوجد قانون ينظم ذلك لحد الان وهناك دعوات للتوقف عن ادخال الذكاء الفائق في المجالات كلها ودعوات لسن قوانين لذلك. حيث ان هناك مخاوف جدية ليس في البطالة وفقدان الوظائف للروبوتات في المستقبل القريب ولكن المخاوف أكثر من ذلك في ان تتفوق هذه الروبوتات على الانسان وتكاثر نفسها بنفسها وتعمل على ليس اقصاء الانسان وجعل دوره ادنى مستوى بل وقتله والتخلص منه. هذا اصبح واقعا مخيفا وليس خيال علمي.
كما وان هناك كوارث بيئية وفلكية قد تحدث بشكل سريع وخلال ساعات لا نعلمها جيدا والله يعلمها اكثر وقد حذرنا منها وهو موضوع يطول. الاهم هو دور الانسان في فناء نفسه بحرب نووية قادمة لا محالة. وقد أظهرت الاستطلاعات التي تديرها الولايات المتحدة ان أكبر دولتين تشكلان خطرا على العالم بالحرب النووية هما أمريكا وإسرائيل. واظهرت هذه الاستطلاعات ان اكبر تهديد للسلام العالمي يأتي من أمريكا. ومن المثير للاهتمام ان وسائل الاعلام الامريكية رفضت نشر هذه الاستطلاعات ولكن هذا لا يغير من الواقع شيئا. وحتى عندما يقولون انهم يريدون الحد من استخدام الأسلحة النووية فانهم يعملون بالضد من ذلك. ففي عهد (باراك أوباما) أعلن عن نظام بمئات الالاف من المليارات لتحديث السلاح النووي للحد منه ولكن ما حصل هو عكس ذلك فقد عمل على تقديم عقارب الساعة دقيقتين على الأقل من خمسة دقائق، أي وضعت نهاية العالم ثلاثة دقائق قبل النهاية بدلا عن ٥ دقائق قبل النهاية النووية. وجاء ذلك في نشرة وضعها علماء الذرة حديثا وقالوا بها ان ذلك لم يحصل منذ ٣٠ سنة منذ عهد (ريغان) حيث كان هناك خطر حرب نووية كبرى. كان هذا قبل حرب أوكرانيا وعندما اشتعلت تلك الحرب كان العالم قاب قوسين او أدنى من اعتاب حرب نووية ولايزال خطر ذلك قائما حتى تنتهي هذه الحرب. وسيبقى كذلك ما لم يتخلص العالم من تلك الأسلحة وهذا مستحيل في الوضع الراهن.
اما بالنسبة لإسرائيل فان سياسة أمريكا الداعمة لها هو أكبر خطر عليها لأنها جعلتها مكروه من قبل الشعوب لاسيما في الحرب الدائرة في غزة اليوم. فقد أصبحت إسرائيل معزولة ومكروهة وتشتمل على عناصر فنائها بنفسها ومن داخلها وكل ذلك بدعم السياسات الامريكية لها. اذ ان الولايات المتحدة تساهم بشكل مباشر في التهديدات التي تواجهها إسرائيل. كما و ان أمريكا هي أكبر دولة تساعد الإرهاب فهي التي أنشأت داعش والقاعدة وهي التي افتعلت حرب الخليج الثانية واحتلت العراق وتشارك بقتل المدنيين والأطفال في غزة وهي راعية الإرهاب بشكل مباشر في انحاء العالم وهي التي تدمر البيئة وتعجل من انقراض البشر. اما (أوروبا) فهي تشارك أمريكا ذلك ولكن يبقى القرار دائما امريكيا وما اوروبا الا جبناء لا يقدرون على اتخاذ قرار بدون أمريكا ولا يستطيعون قول (لا) لأمريكا وما هم الا ذيول وعبيد مطيعين وامريكا تعلم ذلك. وان أمريكا هي السبب الرئيسي في حرب أوكرانيا لأنها هي السبب في تمدد حلف الناتو شرقا ففي عام ١٩٩٠ عندما تفكك الاتحاد السوفيتي بواسطة عميل المخابرات الامريكية CIA (ميخائيل غرباتشوف) كان القرار هو ان لا يتمدد ذلك الحلف (انجاً) واحدا من حدود المانيا والذي حصل هو زحف هذا الحلف حتى بلغ أوكرانيا وكانت الحكومات الامريكية كلها هي الداعمة لهذا التمدد حتى وان رفضته اوروبا. اشتعلت الحرب واقتربت الحرب النووية بشكل كبير وحبس العالم انفاسه والسبب أمريكا بينما اوروبا العجوز اتخذت موقف الذيل الجبان وذيل الكلب المطيع.
سواء دخلت الأرض الانقراض السادس ام ستدمر الحياة فيها العوامل الأخرى العديدة فان ذلك يعود بشكل مباشر او غير مباشر للبشر وافعالهم فيها. قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. وقال تعالـى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. والبشر لا يرجعون فهم ماضون بتدمير وجودهم على هذا الكوكب بل وتدمير كل الحياة وربما ذلك الكوكب الجميل بما فيه. (كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ. أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ. إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط