سمير عادل
في عالم السياسية، يعتبر نثر الأوهام احد الأسلحة المهمة، لا يمكن التخلي عنها في اية ظروف لخداع الجماهير وبالتالي تعبئتها وسوقها كأداة فعالة، لتحقيق اهداف سياسية او حرف الأنظار وإخفاء الماهية الحقيقية لما يدور من أحداث. وفي حرب إسرائيل على سكان غزة ازدهر سوق الأوهام كما يزدهر سوق بيع التجزءة في المناسبات والأعياد.
اول هذه الأوهام، ويتم تسويقها بشكل حرفي و واسع في العالم، بأن إعلان الحرب على أهالي غزة وقتل المئات من المدنيين بشكل يومي ومنظم منذ السابع من أكتوبر، أي منذ عملية حماس العسكرية على غلاف غزة المحتلة من قبل إسرائيل هو بسبب ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد ذلك من أجل التخلص من المحاكمة لتورطه بعمليات فساد والاستمرار بالسلطة. والتسويق لهذه القضية والاختفاء وراء تحميل ما يسمى بـ “اليمين المتشدد” بكل المجازر التي تحدث بحق الفلسطينيين وخاصة في وسائل الإعلام الرسمية العربية يأتي على قدم وساق لإخفاء ماهية دولة إسرائيل العنصرية والفاشية التي تدافع عنها الولايات المتحدة الامريكية وسياسات التطبيع والعلاقات الدبلوماسية والتجارية القائمة بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. بيد ان الوقائع تفصح عن غير ما يتم اخفائه، فالكل عازمين على خطة مجلس الحرب الذي يقوده نتنياهو على قطاع غزة، بدءا برؤساء الوزراء السابقين مثل ايهود باراك وايهود اولمرت ومرورا بمستشارين ووزراء سابقين وحاليين في المؤسسات الرسمية لدولة إسرائيل، وانتهاء بقادة من يسمون بالمعارضة ويصنفون أنفسهم باليسار مثل يائير لابيد وغيره. وكلنا نتذكر عندما كان لابيد رئيسا للوزراء قبل أكثر من أربعة أشهر، كيف كانت الأوضاع في منطقة جنين في الضفة الغربية، فهو تفنن مثل اقرانه بقتل المدنيين الفلسطينيين ولم يرف له جفن بإطلاق آلته العسكرية على أهالي الضفة الغربية، ولم يحرك ساكنا تجاه السلوك النازي والاجرامي للمستوطنين. وهنا نريد ان نٌذًكَّرَ من جديد ان اليمين واليسار في إسرائيل هو ليس له اية علاقة بموقفه من الظلم القومي على الفلسطينيين ولا بسياسة الابارتايد، انما يتعلق الموقف بمصير الدولة الإسرائيلية كمؤسسة سياسية وقضائية وأمنية. والاحمق وحده يظل غارقا في أوهامه من يعتقد إذا ما اطيح بنتنياهو وحكومته، فإن الحرب على أهالي غزة ستنتهي او على الأقل سياسة دولة إسرائيل تجاه الفلسطينيين سيضع حدا لها.
اما المستنقع الثاني، من الأوهام، هو التطبيل والتزمير لمحور “المقاومة والممانعة” او ل شعار “وحدة الساحات”. فالكثيرون اعتقدوا ان حزب الله سيدخل الحرب دفاعا عن الفلسطينيين او على الأقل حماية احد محاور “المقاومة” حماس، الا انهم ومن شدة فرحتهم وتصاعد حماستهم في حمية العملية العسكرية لحماس نسوا ان الشعارات التي تطلق من قبل هذه الجماعات لها وظيفة واحدة، وهي التضليل، أما في عالم الوقائع، فهناك حسابات ربح وخسارة على الصعيد الاستراتيجي منفصل كليا عن تلك الشعارات، فالمعطيات المادية تثبت صحة ما نذهب اليه، فطوال المواجهات او المعارك السابقة بين حماس وإسرائيل وجهاد واسرائيل او بين حزب الله وإسرائيل، لم تتوحد الساحات ولن تتوحد، بل السؤال لماذا تتوحد اليوم ووفق اية حسابات؟! وعليه يبقى شعار “وحدة الساحات” هي شعار من صادرات الجمهورية الإسلامية في إيران كي تغطي على تمددها القومي في المنطقة، شعار يصدر الى مستنقع الأوهام السياسية في المنطقة والذي لا يحرك ساكنا، مثلما كان شعار الأنظمة القومية العربية التي حكمت بالحديد والنار؛ تحرير فلسطين طريق لتحرير الامة العربية او بالعكس، او فلسطين القضية المركزية للشعب العربي او الامة العربية. ولكي نبسط المسألة أكثر امام القارئ نطرح سؤالا بسيطا لماذا أصلا يدخل حزب الله الحرب على إسرائيل، ما هو مقدار الربح والخسارة، فالحرب على إسرائيل لن تمح الوجود الإسرائيلي ولن يتمكن حزب الله في أفضل الأحوال إلا من قتل عدد من الإسرائيليين، وحتى وليس بإمكانه هزيمة إسرائيل عبر الاستيلاء على الأراضي، وبالمقابل ستخسر سياسيا على صعيد لبنان وخاصة ان نسبة ما يعيشون تحت خط الفقر أكثر من ٦٠٪ من جماهير لبنان، وانها لا تجد ما يسد رمقها، فكيف للبطون الجائعة القدرة على دفع ضريبة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الا لحزب الله في أفضل الأحوال، هذا اذا ما حصلت على رجل ناقة او جمل، فعليها ان تكون ممتنة. بمعنى اخر، ان حزب الله مثل ايران يمسك بقبعته، وكل المناوشات والتي أدت الى قتل ما يقرب من مائة من عناصره لحد الان ودون الدخول في الحرب، هي من أجل درء تداعيات ما بعد حرب إسرائيل على غزة، وفي المحصلة النهائية ان حزب الله هو الخط الدفاعي الاستراتيجي لإيران، تدخل حربا مع إسرائيل اذا ما تعرضت الأخيرة الى تهديد وجودي لنظامها السياسي، مثلما تدخل في الحرب الاهلية السورية. وبغير ذلك فإن حزب الله لن يدخل أي حرب، ولكنه يشجع الاخرين مثل الحوثيين والمجموعات المبتورة اجتماعيا وسياسيا في العراق لمهاجمة القواعد الامريكية هنا وهناك. وبالمناسبة بينت وحشية إسرائيل إمكانية الجماعات والمليشيات التي تتمحور تحت مظلة المقاومة والممانعة كم هي هشة على الصعيد العسكري في العراق واليمن وسوريا، وبينت أنها سياسيا وعقائديا وجماهيريا لا تعدوا أكثر من فقاعة دعائية وإعلامية فجرتها وفضحتها احداث السابع من أكتوبر.
اما الأوهام الأخرى التي روجتها وتروجها إسرائيل حول حقها بالدفاع عن نفسها، والتي تختبئ تحت ثناياها، القاء الاف من أطنان القنابل على غزة تحت ذريعة اجتثاث حماس، انما ليس لها علاقة مباشرة باجتثاث حماس حسب ادعاءاتها الا كتحصيل حاصل، بل لها علاقة بإرهاب المنطقة وإرهاب أي معارض نظام سياسي او دولة او افراد لسياسة إسرائيل، وهي تحذو حذو حليفتها الوحيدة الولايات المتحدة الامريكية عندما استخدمت خزينتها من الصواريخ وقنابل اليورانيوم المنضب على بلد مثل العراق، أضنته الحروب والحصار الاقتصادي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قامت بقصف جسرين في مدينتي الناصرية والسماوة تقع على بعد ٢٠٠ كلم من البصرة في حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١، وهي بعيدة كل البعد عن اي هدف عسكري، وقتلت ما لا يقل عن ١٠٠٠ شخص مدني من الرجال والنساء والأطفال، وحينها كانت عولمة الإعلام لم تمزق شرنقتها بعد، فظلت جرائم أمريكا في العراق مدفونة في ذاكرة ووجدان وتاريخ من عاشوا واختبروا و اكتووا بنيران ألم فقدان ذويهم واعضائهم المبتورة بسبب ذلك القصف الوحشي، ويا ليت أنهم اكتفوا بالعراق فقط، بل راحت تلقي الاطنان من القنابل على بلد مثل أفغانستان بحجة القضاء على القاعدة، والتي أي افغانستان لم تملك حتى الحد الأدنى من البنية العسكرية لدولة وليس كما كان الحال كمليشيات.
واكثر الأوهام التي باتت تقتل أصحابها، هم الذين يتحدثون اليوم عن موقف الولايات المتحدة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية، وكأنهم نسوا ان سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل ليست بجديدة عن تأريخ السياسة في الولايات المتحدة الامريكية، فهي من القت القنابل الذرية على مدينتين يابانيتين، وهي من استخدمت قنابل النابالم على الفيتناميين وهي من استخدمت اليورانيوم المنضب في الفلوجة في العراق، وهي من تركت جماهير أفغانستان فريسة على طبق من ذهب لعصابات طالبان، فالعنصرية والوحشية تضرب في عمق السياسة الامريكية وطبقتها الحاكمة، ومن يعتقد غير ذلك او يتأمل خيرا بالسياسة الامريكية، فهو اما انه اعمى مع سبق الإصرار والترصد، او قرر ان يغرق في مستنقع الأوهام، وهذا شان شخصي فهو حر في خياراته.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط