الإمارات والمغرب: شراكة أخوية متنامية

د. سالم الكتبي

تمثل زيارة الدولة التي قام بها مؤخراً إلى دولة الإمارات، الملك محمد السادس محطة استثنائية في مسيرة العلاقات بين البلدين الشقيقين، حيث أجرى جلالته محادثات مثمرة مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، كما وقع قائدي البلدين إعلان “نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة” بين المملكة المغربية ودولة الإمارات، بهدف تطوير مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق نوعية أرحب تلبي تطلعات قيادتي البلدين وآمال الشعبين الشقيقين في توثيق التعاون وتطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها نحو مزيد من التنمية والنماء.
حققت هذه الزيارة المهمة العديد من النتائج المثمرة، ومنها توقيع اثنتي عشرة مذكرة تفاهم، تعد في مجملها خارطة طريق مهمة تمضي عليها مسارات التعاون بين البلدين في مختلف في المجالات، وتتضمن هذه المذكرات ارساء شراكة استثمارية في مشروعات القطار فائق السرعة في المملكة المغربية، ومذكرة بشأن شراكة استثمارية في ملف المياه، وأخرى بشأن شراكة انمائية، وثالثة بشأن شراكة استثمارية في قطاعي الزراعة والصيد البحري ورابعة بشأن تعاون استثماري في قطاع المطارات، وخامسة بشأن خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، وسادسة للتعاون الاستثماري في قطاع الموانىء، وسابعة بشأن التعاون المشترك في قطاع الأسواق المالية وسوق الرساميل، وثامنة بشأن ارساء شراكة استثمارية في مشروعات تخزين المعلومات.
العلاقات الإماراتية ـ المغربية توصف تقليدياً في الأدبيات السياسية بأنها علاقات أخوية تاريخية، وهذا الأساس القوي يوفر لها المناخ اللازم للتطور، المدعوم بقوة الروابط التي تجمع بين قيادتي البلدين، والذي تعكسه كلمات الترحيب وأجواء الاستقبال والحفاوة الرسمية التي قوبل بها العاهل المغربي في دولة الإمارات، حيث استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ الملك محمد السادس في “قصر الوطن” مرحباً بجلالته “في بلده وبين أهله”، مؤكداً سموه “متانة الأواصر الأخوية الراسخة بين دولة الإمارات والمملكة المغربية، التي تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل والتعاون والتي وضع أسسها القوية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك الحسن الثاني”، ومؤكداً “نحن نحرص على مواصلة نهجهما وإرثهما في تعزيز هذه العلاقات والبناء عليها”.
هناك إذن إرادة قوية مشتركة لتقوية العلاقات وتطويرها، ولذا فإن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي يوقعها البلدان خلال الزيارات المتبادلة تلعب دوراً حيوياً كقاطرة تفتح آفاق جديدة للتعاون وتحقيق الآمال خلال الفترة المقبلة، ولاسيما أن البلدين قد اتفقا خلال اجتماعات اللجنة المشتركة في أبريل الماضي على مضاعفة التبادل التجاري والاستثماري خلال الـ 7 سنوات المقبلة.
إعلان الشراكة يمثل أيضاً نقطة مضيئة في تاريخ العلاقات الإماراتية ـ المغربية، حيث تجسد مثل هذه الصيغ في العلاقات الدولية نوايا ومسارات بعيدة المدى تمثل إطار عمل استراتيجي لكل المؤسسات والقطاعات في البلدين، كما تعكس رغبة قوية مشتركة في المضي قدماً للبناء على ماتحقق في مختلف مجالات وقطاعات التعاون الثنائي، وتحقيق اختراقات ايجابية جديدة عبر شراكات مثمرة في مختلف مجالات التعاون التي تصب في مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، ولاسيما أن مذكرات التفاهم التي تم توقيعها تشتمل على شريحة عريضة من مجالات التعاون والقطاعات التنموية والاستثمار في قطاعات عديدة ذات أبعاد استراتيجية حيوية من شأنها توسيع قاعدة التعاون وتوثيق الروابط.

واشير هنا إلى أن ما يميز العلاقات القوية بين دولة الامارات والمملكة المغربية أنها لا تقتصر على المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية، بل تشمل منظومة كاملة من العلاقات التي تطال الجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية والإنسانية وغيرها. ورغم أهمية المصالح المشتركة كمرتكز لا غنى عنه في بنية العلاقات الدولية، فإن العلاقات بين دولة الامارات والمملكة المغربية الشقيقة تتجاوز الأطر التقليدية، على أهميتها، وتقوم على الود والروابط الأخوية المتينة التي توفر لهذه العلاقات قدراً مميزاً من الخصوصية والتفرد، وتوفر لها المنعة والحصانة في مواجهة متغيرات السياسة وتقاطعات المصالح.
انطلاقاً من الأساس القوي للعلاقات الإماراتية ـ المغربية، فإن التعاون مستمر ومتواصل ويزداد عمقاً ورسوخاً بفضل الرعاية السامية التي تحظى بها من جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، وأخيه حضرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، حتى أصبحت العلاقات الثنائية بين البلدين نموذجاً مثالياً يحتذى به للتعاون بين الأشقاء على المستويين الرسمي والشعبي، فالمملكة المغربية الشقيقة شريك استثنائي في التنمية والاستقرار والتعاون والتنسيق والتشاور المستمر من أجل دعم العمل العربي والإسلامي المشترك، والحفاظ على الأمن والاستقرار، ونشر قيم التسامح والتعايش والوسطية، التي نتقاسمها سوياً ونبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار للبشرية جمعاء.
بالاضافة إلى تنامي حجم التبادلات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بشكل قوي (الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري عربي للمغرب خلال عام 2021، حيث بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين 3.6 مليار درهم “991.2 مليون دولار أمريكي” خلال عام 2022 محققة نمواً بنسبة 16% مقارنة بعام 2021، وبنسبة نمو 67.3% مقارنة مع عام 2020).، وكون الإمارات تشغل المرتبة الأولى على صعيد الاستثمارات العربية والثاني عالمياً بقيمة استثمارات تبلغ أكثر من 50 مليار درهم بالمملكة المغربية، فإن الملاحظ أيضاً أن عدد مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال الزيارة الأخيرة لجلالة الملك محمد السادس للإمارات تساوي تقريباً مجمل مذكرات التفاهم التي توقيعها بين البلدين في السنوات والعقود السابقة، والتي تمثل إطار عمل للجنة المشتركة التي تأسست في مايو 1985، وعقدت دورتها الأولى بأبوظبي في نوفمبر 1988 برئاسة وزيري خارجية البلدين، وانعقدت الدورة الثانية بالرباط في يونيو 2001، فضلاً عن أن تنوع مجالات التنوع وشمولها لتطال مختلف جوانب التعاون والعلاقات الثنائية مع التركيز على القطاعات ذات العائد الاقتصادي والتنموي، يعكس قيمة الشراكة بين البلدين وأهميتها المتصاعدة.
الشواهد تؤكد أن العلاقات التاريخية الأخوية بين دولة الامارات والمملكة المغربية الشقيقة تمر بأزهى فتراتها ومراحلها، ومهما استفضت في وصف هذه العلاقات فإن ما قاله صاحب الجلالة الملك محمد السادس في وصف علاقات البلدين الشقيقين بأنها “علاقات ثنائية مثالية تعبر خير تعبير عن الوفاء للعهد الذي كان يجمع الشيخ زايد والحسن الثاني، رحمهما الله”، يبقى خير تعبير عن حقيقة هذه العلاقات الأخوية المتينة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here