بقلم بـدر جاسم
لكي نعرف زوجة الشهيد لابد من معرفة الشهيد أولاً، لأنه هو التغيير الكبير، الذي طرأ على حياة هذه الزوجة العظيمة، التي كانت سكناً لرجل أرتقى شهيداً لله سبحانه.
الشهادة لا تأتي صدفة، ولا تُأخذ بالمجان، إنما نتيجة طلب حثيث، ونوايا صادقة، بالعمل لله سبحانه وتعالى، فسلوك الشهيد هو خدمة الناس، والتقرب بهم إلى الله تعالى لأنهم عياله، إن السعي بهذا الاتجاه لا ينطلق إلا من التزام بقواعد الشرع الإسلامي، التي تضع الأخلاق والتعامل مع الناس في مقدمة قواعدها، لذا فالشهيد قطعة مطرزة بالخلق الرفيع، والرأفة مع المؤمنين، أيضاً يحمل هموم الأمة لأنه جزء منها، ما يصيبها من شيء إلا أصابة شيء من ذلك، سواء كان خيراً أم شراً، لذلك تجده في مقدمة أي عارض يصيب الأمة، بدفع الضرر عن الناس البسطاء، وتقديم كل جهوده لأجل منع غيوم الجهل أن تحجب شمس الحقيقة، حتى يصل به الأمر، بتقديم نفسه قرباناً لله تعالى، تاركاً الدنيا بما فيها من رغبات ومغريات، ليحلق في سماء العشق الإلهي.
إن من يكون مع الناس خلوقاً رحيماً، حيث يصل إحسانه إلى الناس البعيدة عنه، فكيف بمن هم قريبين منه؟ ورعايتهم واجبٌ عليه، بالتاكيد يمنحهم الكثير من أهتمامه وعطفه وحبه، الذي يربطهم به ويزيد تعلقهم منه، ليكون لهم قمراً يضيء عتمة ليلهم.
عندما يغيب من يملك تلك المزايا، بشكل مفاجئ، من دون وداع، بالتاكيد وقع ذلك كبير ومؤلم جداً، فكل من كان يصل إليه نور هذا الشهيد، سيدرك حجم مكانه، وما ترك من فراغ لا يسده غيره إلا نادراً، إن لكل واحد من أهله ومحبيه سيكون لهم جرح خاص، وألم على قدر حبهم وتعلقهم به، لكن ستكون حصة الأسد من ذلك لزوجته، فكسرها لا يجبره الزمن، وجرحها تبقى الذكريات تدميه مع كل طيف وصورة وموقف
عندما تطرق كلمات الرحيل والوداع أسماع الزوجة، لا يمكن للكلمات أن توصف مشاعرها، بالفقد والرحيل بلا وداع، لا يمكن قياس حرارة قلبها الملتهب بنيران الفراق، كيف يكون حالها وهي تشاهد زوجها ماثل أمام عينها، بكل صوره ومواقفه وذكرياته؟ ما حالها عند مشاهدة سندها تأخذه أمواج الرحيل، إن ذلك خطب عظيم يصيب قلب هذه المرأة، التي لم تعرف من الحياة شيئاً بعد.
إن صوت زوجها ما زال قريباً منها، ووصاياه حديثه عهد، وديدن الشهداء أن يوصوا بشيءٍ لأهلهم، ربما يطلب أن تزغرد زوجته على جثمانه، أو تكلله بعلم وطنه أو أحد الفصائل المجاهدة، لتكون هذه الزغاريد بداية السعادة في التحاق روح الشهيد مع قافلة الشهداء، كذلك لبداية تمحيص وبلاء لهذه المرأة، التي انضمت لقافلة الأرامل.
كم ستذرف من الدموع؟ وكم ستعيش بحزن عميق؟ إن كل نسجها قد نقضته الأيام، لعمري أن مصابها لجلل، وموقفها لصعب، بأن تُترك بمنتصف الطريق، بهذه الحياة الصعبة، وأن كان لها أطفال أم لم يكن فهي في موقف صعب، بين أن تكمل حياتها بتربية الأطفال، وتُعبّد طريقهم بأيام شبابها، لتصنع جيلاً من الاشبال في ذات الطريق الذي سار بهِ أبوهم الشهيد.
إن الأم بتربيتها لأطفالها وإعدادهم أفضل إعداد، فهي تصنع رعيلاً من الأبطال، الذين سيسلكون طريق الحق، ويواصلون سعي والدهم الشهيد، بالتأكيد المعاناة والمصائب والأزمات سيواجهها الأبناء بسبب غياب الأب، لكن السهم الأكبر من هذه الآلام ستكون من حصة الأم، بتحملها مسؤولية العائلة بمفردها، وإبحارها بهم في بحر الحياة، فأن فقدوا الشراع برحيل الشهيد، فالله سبحانه وتعالى هو خير معين، وأكبر ظل من اي ظل أخر.
أما إن كانت زوجة الشهيد بلا أطفال، كذلك صعب عليها أن تغرب شمس الشهيد من عيونها، وتلتحق بحياة جديدة، لكن هذه مشيئة الله سبحانه وتعالى، فلها شيء كبير في خزانة العطاء الإلهي، لما قدمت، وصبرت، وإن تعويض الله تبارك وتعالى لها ليس بمحدود.
عن الامام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (ثلاثة يشفعون الى الله يوم القيامة فيشفعهم ( الانبياء، ثم العلماء ، ثم الشهداء) إن للشهيد قدراً كبيراً عند الله تعالى، كيف لا وهو من قدم نفسه لله سبحانه، بالتاكيد سيشفع الشهيد للحلقة المحيطة به، من الأهل والأصدقاء، والزوجة لها النصيب الأوفر من الشفاعة، لأنها خير معين لزوجها في مقارعة أهل الباطل، حتى أرتقى شهيداً لله تعالى، فسلام على قافلة الشهداء، وكل من سند ووقف مع هؤلاء الافذاذ، وعلى عوائلهم الكريمة التي تحملت الكثير من أجل إعلاء كلمة الله تعالى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط