“تعرّضتُ للعنف الأسري من قبل أهلي لعملي في شركة أهلية بالقطاع الخاص، إذ كانوا يأخذون راتبي بالكامل، أو تهديدي بمنعي من العمل”، هكذا تحدثت رسل سالم (33 عاماً) من محافظة النجف ، عن العنف الذي تعرّضت له على يد أهلها.
وتضيف رسل؛ أن “الحال لم يتحسّن بعد الزواج، حيث زاد العنف وتحوّل من النفسي إلى الجسدي، واستمر الاستحواذ على راتبي، لكن هذه المرة من قبل زوجي كونه بلا عمل”.
ورغم أنها انفصلت عنه منذ سنتين وعادت إلى بيت أهلها، إلا إنها لا تزال تعاني من الآثار النفسية والجسدية من الزواج، إلى جانب سلب راتبها المعتاد من قبل أهلها.
ويحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، لكن النساء في العراق يعانين أنواعاً مختلفة من العنف، والتي تبلغ يومياً نحو 100 حالة في العاصمة بغداد فقط، بحسب إحصائية لوزارة الداخلية العراقية.
نسب صادمة
وكشف مدير مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري، التابعة لوزارة الداخلية، اللواء عدنان حمود سلمان، أن “معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة ضمن ظاهرة العنف الأسري في البلاد بلغ 57 في المئة من إجمالي الحالات”.
وأكد في تصريح صحفي، في أيلول الماضي، أن “المديرية تمتلك 16 قسماً لحماية الإنسان موزعة على المحافظات كافة بينهما 2 في جانبي الكرخ والرصافة، يسجلان معدلاً يومياً بأكثر من 90 دعوة، وتفرز بحسب نوع العنف”.
وأوضح، “فإن كان لفظياً يتم المصالحة في شعبة الصلح والتراضي بين الزوجين، أما إذا كان العنف جسدياً وأدى إلى كسر أو إعاقة، فيتم إحالة المعنف إلى الطبيب المختص وإيجاز تقرير طبي ثم إرساله إلى قاضي التحقيق وفق المواد القانونية من قانون العقوبات 111 سنة 1969”.
وتشهد حالات العنف الأسري في العراق تزايداً مقلقاً خلال الآونة الأخيرة، وفق ما رصدته الشرطة المجتمعية، وبينما يعزو مختصون أسباب ارتفاع هذه الظاهرة الخطيرة إلى ضغوطات الحياة المختلفة، شددوا على ضرورة تشريع قوانين صارمة، ونشر ثقافة احترام الأسرة منذ الصغر، فضلاً عن زيادة وعي المجتمع للوقاية من هذه الجرائم التي تنتهي أحياناً إلى موت الضحية.
وتتصدر النساء قائمة حالات التعنيف في العراق، تليها الأطفال، وثم الرجال في الدرجة الثالثة، بحسب ما قاله مدير الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، العميد غالب العطية، في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز.
العنف الاقتصادي
“يمارس العنف الاقتصادي ضد النساء من خلال سلوكيات متعددة، أبرزها (السيطرة، والحرمان، والإكراه، والمنع)”، وفق القانونية أريج رياض الشاهر، مبينة أن “من أمثلتها، السيطرة على المصاريف العائلية المعيشية والمصاريف الرفاهية، وإنكار الممتلكات والموارد الشخصية للنساء، مثل الميراث وغيرها، أو يُصادر راتبها إذا كانت لديها وظيفة ذات دخل شهري”.
وتضيف الشاهر “أما النساء الريفيات اللواتي يقمن بالأعمال الزراعية، فإن المال الناتج من المحاصيل يذهب للرجل، وبهذا هي تتحمل التحديات الاقتصادية حتى وإن كان الوارد قليلاً، وتتكفل بترتيب احتياجات البيت وتنظيمها، أما النساء الأرامل والمطلقات فهن يتحملن الجزء الأكبر من الاحتياجات الاقتصادية”.
وتوضح أنه “لا يوجد قانون واضح بقانون العقوبات العراقي يتحدث عن العنف ضد المرأة أو الأسرة، وإنما مواداً تتضمن فقرات فقط، وبعبارات غير صريحة، فيما لم يُشرّع قانون العنف الأسري لحد الآن، رغم المُطالبات بتشريعه”.
ثقافية اجتماعية
من جهتها، تشير المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، إلى “وجود عادات وأعراف تسيء للإنسان وتُساهم في ارتفاع حالات العنف الأسري في البلاد، يرافق ذلك عدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات الحياة، مع الإنجاب غير المدروس، وقلّة مفاهيم التربية والاحترام بين أفراد الأسرة، وأيضاً حق التأديب في المادة 41 من القانون العراقي التي تعتبر حافزاً لممارسة العنف ضد النساء”.
وتضيف جاسم في تصريح سابق “فضلاً على الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، والجهل الرقمي للوقوع في مشاكل أسرية، وكذلك تعاطي المخدرات التي ازدادت في السنوات الأخيرة”.
وتُلّخص جاسم، أسباب تفاقم العنف إلى “نتاجات ثقافية اجتماعية، وأخرى نفسية، ففي السياق الأول، تفرض الثقافة العراقية سلطة اجتماعية مبنية على أساس العمر والقرابة، فإن الآباء عادة ما يمنحهم المجتمع سلطة مُطلقة على الأبناء، كما يمنح الكبار سلطة على الصغار تقل وتزداد تبعاً للنسب والقرابة الدموية”.
ووفقاً لهذا الفهم، يُصبح العنف مُبرراً لعدم ارتكاب الأطفال والصغار أخطاءً تعرض الكبار لكلف اجتماعية، وتجاوز القيم والأعراف التي توارثت من جيل لآخر، ومفهوم سلطة الرجل على المرأة التي تجعل الأغلبية يرى الحق بضرب وتعنيف المرأة كونها تابع لا إنسان له حقوق وكرامة”، بحسب جاسم.
عوامل نفسية
أما السياق الثاني (النفسي)، فتعزو الاختصاصيتان في الطب النفسي، الدكتورة براءة العاملي، والدكتورة بتول عيسى، أسباب العنف الأسري إلى الظروف التي تمر بها البلاد وما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة من أخبار ومشاهد عن القتل التي تزيد ميول العنف والتقليد داخل مخيلة الإنسان، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة المختلفة أبرزها الجانب الاقتصادي ومحاولة إفراغ جميع هذه الضغوط داخل الأسرة.
وتضيفان، فضلاً عن عامل الاضطرابات النفسية، خاصة إذا كان الشخص يعاني من فقدان الثقة بنفسه وليست لديه القدرة على مُواجهة مصاعب الحياة، لذلك يظهرها بصورة غير مباشرة بالعائلة، أو وجود توارث لهذه الحالة كأن يكون تنشئة الزوج أو الزوجة في بيئة سيئة فيها عنف أسري، بالإضافة إلى أسباب بالشخصية منها حب الأنا والذات والتملك والسيطرة.
وتؤكد الاختصاصيتان على أهمية وضع قوانين صارمة ضد المُعنّف الذي يعطى أحياناً مُبرراً لجريمته بحجة تقويم السلوك، وتشريع قانون حماية المرأة والطفل وتمكين الضحية للوصول إلى القانون، والإفصاح عن العنف لتتمكن الجهات المختصة من التدخل والمساعدة، وزيادة الوعي منذ مرحلة الطفولة على احترام الأسرة والتثقيف المبكر للزوجية، وللمجتمع والمؤسسات الدينية دور في ذلك.
عنف متزايد
ويتسم العنف ضد المرأة بطابع دولي، فلا يقتصر على نساء العراق فقط، لكن ربما الأوضاع العامة في البلاد ساهمت بارتفاع وتيرته، وفق منسقة شبكة النساء العراقيات، أمل كباشي، وتؤكد أن “استمرار الصراعات والنزاعات المسلحة في ظل الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي ترسخ مفاهيم العنف داخل الأسرة والمجتمع، ساهمت بارتفاع أعداد الحالات”.
وتضيف كباشي خلال حديث سابق، أن “الحكومة وضعت عدداً من السياسات والبرامج لمناهضة العنف ضد المرأة، لكنها تحتاج إلى جانب ذلك إلى إطار قانوني يُساهم في معاقبة مرتكبي العنف في نطاق الأُسرة للحد منه ومنع تكراره، ما يؤكد ضرورة وضع رؤية وطنية شاملة للحد من العنف ضد المرأة”.
قانون الحماية من العنف الأسري
تتيح المادة 41 من قانون العقوبات للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، منبهاً بأن “نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها ردت”.
ويبين التميمي لوكالة شفق نيوز أن “الإنسان – كما يقول علم النفس الجنائي – يتأثر في المراحل الأولى من حياته (من 5 إلى 15 سنة)”، مؤكداً أن “مثل هذه الجرائم تُحطّم هؤلاء الصغار وتجعلهم حاقدين على المجتمع وحتى مُجرمين”.
ويتابع، أن “هذه الجرائم تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان، لهذا أصبحت الحاجة مُلحّة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، كما فعل إقليم كوردستان وشرّع هذا القانون”.
ومنذ العام 2020، أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون “مناهضة العنف الأسري”، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقرّ حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية في البرلمان، وخصوصاً تلك المنتمية إلى الأحزاب الدينية.
وترى هذه الأحزاب أنّ القانون فيه مخالفة شرعية، وأنّه سيؤدي إلى حدوث تفكّك أسري، ولجوء إلى القضاء من الزوجات والأطفال ضدّ ربّ الأسرة.
وفي هذا السياق، يقول المستشار القانوني لدائرة التشريع في مجلس النواب العراقي، الدكتور غازي فيصل مهدي، إن “مشروع قانون (مناهضة العنف الأسري)، لا يزال يراوح في مجلس النواب، لوجود معارضة قوية عليه من جهات ترى أن نصوص قانون العقوبات مجزية ولا يوجد داعٍ لتشريع قانون يؤدي إلى تفكيك العلاقات داخل الأسرة”.
ويؤكد مهدي أن “من الناحية القانونية لا يوجد مانع من إصدار قانون يحارب ظاهرة العنف الأسري المستشرية في المجتمع العراقي، لذلك بالامكان تشريع هذا القانون بما يتناسب مع مبادئ الشريعة الإسلامية والحقوق والحريات العامة”.
وأعرب مهدي في ختام حديثه عن أمله “بأن يُكتب لمشروع قانون (مناهضة العنف الأسري) النجاح ويأخذ طريقه إلى التشريع في مجلس النواب العراقي”.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد حددت يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر في العام 1999 اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم فعاليات ذلك اليوم المخصص للتعريف بهذه المشكلة. مما يمهد الطريق نحو القضاء على العنف ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط