2024-01-03
“لولاي والمالكي.. لما أعدم صدّام”.. هكذا يتحدث القاضي منير حداد الذي أشرف على إعدام رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، في مثل هذا اليوم من صبيحة 30 كانون الأول/ديسمبر من العام 2006 والذي وافق أول أيام عيد الأضحى آنذاك.
وعلى الرغم من مرور 17 عاماً على إعدام صدام، إلا أن إعدامه يبقى محط جدل ونقاش وما تزال التفاصيل المحيطة بظروف اعتقاله وتنفيذ قرار الإعدام تخفي خلفها الكثير من الحقائق، وسيبقى حدث الإعدام وحبل المشنقة حول عنقه عالقاً في الذاكرة العراقية والعربية ويلفه جملة من الخفايا والأسرار.
القاضي منير حداد، الذي أشرف بشكل مباشر على تنفيذ الحكم، وكان نائباً لرئيس محكمة التمييز التي تصادق على قرارات الإعدام، تحدث بشكل تفصيلي ، عن تفاصيل ما قبل إعدام صدام حسين، وكيف أحيل من محكمة التحقيق إلى محكمة الجنايات التي أصدرت حكم الإعدام بحقه.
حكم غير متوقع
وكان هناك تسعة قضاة في محكمة التمييز – في وقتها – اثنان منهم قالا صراحة: “لن نوقع على حكم الإعدام”، وسافر أحدهما إلى السعودية والآخر لأربيل، أما السبعة الباقون، فكان من رأي أربعة من القضاة وكان حداد منهم، تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام، وثلاثة قضاة مع تأجيل الحكم لفترة بعيدة، لكن وبعد المناقشة وقّع القضاة السبعة على الإعدام”.
وفي رده على سؤال عما إذا كان القضاة الراغبون باعدام صدام من طائفة واحدة، أكد حداد، أن “القرار ليس له علاقة بالسنة أو الشيعة، بل أصبحت هناك قناعة لإعدامه”.
وكان قرار محكمة التمييز بالتصديق على إعدام صدام حسين وعواد البندر (رئيس ما كان يسمى بمحكمة الثورة) وتشديد الحكم على طه ياسين رمضان الجزراوي (نائب صدام حسين) الذي كان محكوماً بالمؤبد في الجنايات، وطالب القضاة السبعة بتشديد الحكم وإعدامه أيضاً.
وتم إرسال الطلب – بحسب القاضي حداد – إلى رئيس الوزراء وقتها نوري المالكي، الذي أرسله بدوره لرئيس الجمهورية جلال طالباني، لكن الأخير بعث رسالة مفادها، إن “بمرور المدة القانونية لا يحتاج الإعدام إلى مرسوم جمهوري”.
لذلك قامت رئاسة الوزراء بإيجاد تخريجة باتفاق القاضي حداد مع نوري المالكي ومدير مكتبه طارق نجم عبدالله بإصدار أمراً ديوانياً بتوقيع رئيس الوزراء لتنفيذ حكم الإعدام باعتباره رئيس السلطة التنفيذية في ذلك الوقت، وتم التوقيع على حكم إعدامه في يوم 26، وتم التنفيذ يوم 30 من الشهر نفسه.
حداد والمالكي
نُقل صدام حسين إلى سجن كان مقراً لمديرية الاستخبارات العسكرية في السابق بمنطقة الكاظمية في بغداد، لتنفيذ حكم الإعدام فيه، وكان من المفترض أن ينفذ الحكم بحق صدام قاضي جنح من منطقة الكاظمية أو قاضي تحقيق.
لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى في ذلك الوقت مدحت المحمود، رفض ترشيح قاضي تحقيق أو قاضي جنح من المنطقة، وقال إن القضاء منفصل عن المحكمة الجنائية العراقية العليا، لذلك ليست له علاقة بهذه القضية، وفق ما نقله القاضي حداد عنه.
من جهتهم، لم يقبل القضاة في المحكمة الجنائية العراقية العليا تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام، إذ قال القاضي حداد: “لذلك ذهبت أنا شخصياً ونفذت الحكم لتحقيق العدالة، ولولايّ ولولا المالكي لما أعدم صدام حسين”.
تهريب صدّام
وكانت هناك محاولة لتهريب صدام من السجن من قبل الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي، وفق حداد، ونشرت المعارضة الليبية وثائق بهذا الخصوص بعد الإطاحة بالقذافي، كما أكدت مستشارة القذافي اعطاء البعثيين ملايين الدولارات لتهريب صدام، وقالت إنهم تسلّموا الأموال لكن لم يفعلوا شيئاً.
وأشار حداد، في هذا الصدد، إلى أن القذافي تنبأ في خطابه بإحدى القمم العربية بألاَّ يفرحوا بإعدام صدام لأن مصير رؤساء العرب سيكون مشابهاً لمصير صدام، وفعلاً هذا الذي حصل.
ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة لتهريب قادة النظام السابق – كما يؤكد حداد – حيث كانت هناك محاولة لتهريب عبد حمود (السكرتير الخاص لصدام)، من قبل أحد الموظفين بصفقة 25 مليون دولار.
ثأر المالكي للعراقيين
من جهته، ذكر حيدر اللامي، القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، أن “يوم 30 كانون الأول/ديسمبر 2006، كان يوماً تاريخياً انتظره الشعب العراقي طويلاً، جرّاء ما فعله النظام السابق وعلى رأسه الطاغية صدام، الذي عاث في الأرض فساداً، وتحكم بمصير العراقيين والمنطقة بأسرها، لما قام به من جرائم كبرى تجاه العراق والمنطقة”.
وكان لحزب الدعوة الإسلامية إلى جانب أحزاب أخرى – وفق ما تحدث اللامي ، دور كبير في مواجهة حزب البعث، حيث كان له النصيب الأكبر من الإعدامات والترهيب طيلة سنوات حكم صدام حسين.
وتابع: “لكن بإصرار قيادة حزب الدعوة المتمثلة بالأمين العام نوري المالكي الذي وقف أمام كل التحديات التي أرادت إبعاد إعدام الطاغية عن هذا اليوم، وقّع على إعدامه وأخذ بها ثأر جميع العراقيين الذين انتهوا أمام المشانق وتحت سياط الجلادين البعثيين”.
جرائم ضد الإنسانية
واتُّهم صدام بارتكاب عدّة جرائم ضد الإنسانية على مدى ربع قرن من حكمه للعراق (1979-2003)، إلى أن أطيح به بالغزو الأميركي للبلاد.
ورغم أن القضاء العراقي اتهم صدام بتنفيذ جرائم بشعة ضد الإنسانية، ولا سيما المجازر التي ارتكبها بحقّ الكورد والشيعة، فإن محاولة اغتياله بالعام 1982 بقضاء الدجيل هي التي أوصلته الى حبل المشنقة.
فقد وقعت مجزرة الدجيل مطلع ثمانينيات القرن الماضي في بلدة تحمل هذا الاسم شمال بغداد، بعد هجوم على موكب الرئيس الراحل. وقتل في المجزرة 143 شخصاً من سكان البلدة، ودمّرت ممتلكات عديدة.
ديكتاتور وطاغية
وفي هذا السياق، قال المؤرخ علاء لازم العيسى، إن “حادثة إعدام صدام رافقها الكثير من الجدل محلياً وعربياً ودولياً في وقتها، وقسم كبير كان فرحاً بإعدام صدام لأنه طاغية ومجرم، وبذكره تستذكر المقابر الجماعية والاعتقالات، ولمجرد ذكر اسمه يثير الخوف والذعر، فقد كان مثالاً للدكتاتورية والطغيان”.
وأشار العيسى خلال حديثه للوكالة، إلى أن “قسماً من المعترضين كانوا يثيرون شبهة اعتبار صدام أسير حرب، وضرورة معاملته بطريقة مختلفة بهدف تخليصه من عقوبة الإعدام”.
ورأى أن “سرعة تنفيذ الحكم انقسمت فيها الآراء أيضاً، حيث ان بعضهم كان متوقعاً هذا المصير لصدام، والآخر أصابه الدهشة والذهول، فلم يكن يتصور في يوم ما أن يشاهد في حياته إعدام صدام”.
منعطف تاريخي
من جهته، اعتبر الباحث والأكاديمي، خالد شاتي، أن “هذا اليوم، يُعدُّ منعطفاً تاريخياً كبيراً في القصاص من طاغية العراق الذي أدخل هذا البلد الآمن في حروب عبثية وحصارات اقتصادية انهكت العراق، وجعلته في مصاف الدول الفقيرة، رغم تمتعه بالخيرات الكثيرة”.
وبين شاتي، للوكالة، أن “قرار الإعدام جاء قصاصاً عادلاً لدماء الشهداء من العلماء والشباب المظلومين الذين فرمت مكائن صدام لحومهم ونثرتها في بحيرات أسماكها، وكممت أفواههم بالشبهة لا بجرم أو جريرة”.
وتابع: “لم ننس فجر ذلك اليوم الذي كان أول يوم لعيد الأضحى المبارك الذي جبر قلوب الأمهات والزوجات والأخوات اللاتي فُجعن بفقد إخوانهم و أزواجهن وأبنائهن وآبائهن، ليسجل ذلك اليوم استحالة استمرار الظلم والظالمين مهما طال بقاؤهم فإن مصيرهم سيكون على أعواد السلطة الغاشمة”.
وأردف شاتي، بالقول إن “ذلك التاريخ لم يغب يوماً عن أذهاننا نحن السجناء السياسيين الذين قضينا شبابنا في المعتقلات والسجون وذهبت أحلامنا تحت وقع سياطهم وأدوات تعذيبهم لنا، لكن شهدنا تلك النهاية العادلة لذلك المجرم ونظامه المقبور”.
كلمة رغد صدام
وبذكرى إعدام والدها، قالت رغد صدام حسين في كلمة نشرتها على صفحتها بمنصة إكس (تويتر سابقاً): “تمر علينا اليوم ذكرى إعدام والدي الرئيس صدام حسين هذا اليوم الذي يحيي ذكراه الكثيرون من الأحرار في العالم، حافظ والدي على هيبة العراق والعراقيين حتى آخر لحظة في حياته وهو مؤمن قوي صابر وحافظ على كل قيمه ومبادئه”.
وتابعت: “اليوم أصبح واضحاً للجميع أكاذيب أمريكا والغرب وأطماع الفرس في الأرض العربية دون استثناء، ذلك التوجه كان واضحاً ومفهوماً للعراق وخضنا ضدهم حرباً طويلة، قادسية صدام لثماني سنوات قدم فيها العراقيون الكثير من الشهداء دفاعاً عن أرضهم وأمتهم وانتقدها البعض على تلك الحرب وذلك الموقف حتى حكم العراق بعد العام 2003 أبناء إيران الفارسية في التوجه والعقيدة والتربية ليتركوا الساحة العراقية خالية من كل معاني الكرامة والحرية”.
وأضافت: “اليوم أتوجه إلى الإخوة العرب من أصحاب القرار وأدعوهم ألا يتركوا فرصة لأي عميل مأجور يعامل على أنه بطل تاريخي مثل النامق الذي سلّم الرئيس إلى المحتل مقابل حفنة من الدولارات والتي اشترى بها بعض الذمم الضعيفة وكل ذلك مذكور بشكل مفصل في مذكرات الرئيس صدام وبخط يده حول عائلة النامق”.
الفجر الأحمر
وعملية “الفجر الأحمر” أو القبض على صدام حسين وهي العملية العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة وألقت القبض على صدام حسين. كان ذلك في 13 كانون الأول/ديسمبر 2003 بقضاء الدور في محافظة صلاح الدين.
وكان صدام حسين قد توارى عن الأنظار بعد فترة وجيزة من غزو العراق عام 2003، ووصفه الجيش الأميركي بأنه “الهدف رقم واحد الأعلى قيمة”، وبدأت إحدى أكبر عمليات البحث في التاريخ.
وعُثر على صدام حسين مختبئاً في ملجأ صغير تحت الأرض في شمال الدور في الساعة 20:30 بالتوقيت المحلي العراقي وأٌلقي القبض عليه من دون مقاومة.
وكان خليل الدليمي، رئيس هيئة الدفاع سابقاً عن الرئيس الراحل، كشف في لقاء متلفز عن أبرز ما سمعه من صدام حسين في سجنه وأثناء محاكمته، وقال إن صدام حسين لم يكن مختبئاً في حفرة كما أشيع، إنما في ملجأ محصن يحتمي فيه من القصف.
وأضاف أن مريم الريس (مستشارة سابقة لرئاسة الحكومة العراقية) وموفق الربيعي (مستشار الأمن القومي سابقاً في العراق) هما من قاما بتصوير عملية الإعدام. مؤكداً أن عدد عُقد حبل المشنقة، كانت نفس عدد الصواريخ التي ضربها صدام على إسرائيل.
يذكر أن 20 عاماً مرت على إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش في 20 آذار/مارس 2003، غزو العراق، أو “عملية حرية العراق”، وانتشر إثر تلك العملية نحو 150 ألف جندي أميركي، و40 ألف جندي بريطاني على الأراضي العراقية.
وبعد ثلاثة أسابيع أي في التاسع من شهر نيسان/أبريل من العام نفسه، أعلن سقوط النظام البعثي، فتوارى صدام عن الأنظار لمدة ثمانية أشهر، قبل أن تعثر عليه القوات الأميركية، ويحاكم ثم يعدم في صبيحة 30 كانون الأول/ديسمبر 2006.
صوت العراق :الفضل للامريكان بـ اعدام صدام وسقوط نظامه وقد اعترف صدام علنا بذلك عندما قال للقاضي رؤوف ذلك