الأنتحار في كندا / ماذا لو تعايشوا معنا في العراق!!؟

علاء كرم الله

أثار أنتباهي خبرا قرأته عن نسبة الأنتحار في كندا! والتي تصل الى 3500 حالة سنويا! ، وحقيقة أن مثل هكذا خبر لا يثير أنتباهي أنا فقط وأنما يثير أنتباه غالبية العراقيين على وجه الخصوص! ، ويقول الخبر أن نسبة الأنتحار هذه هي أقل بقليل عن نسبة المتوفين في كندا بسبب سرطان القولون أو سرطان الثدي! ، وينوه الخبر أيضا بأن كندا تحتل المرتبة ( 34) من بين (107) بلدا في العالم بنسبة الأنتحار! . وبعيدا عن الأسباب التي تقف وراء حالات الأنتحار هذه ، فقد أخذني العجب كثيرا وأنا أقرأ الخبر وتسائلت مع نفسي ، لماذا يقدم هؤلاء على الأنتحار؟، ولربما يتعجب معي الكثير من العراقيين أيضا على هذه الحالة؟ ، والتي قد لا نجد لها أي مبرر من وجهة نظرنا نحن العراقيين! ، ليس بسبب الحياة الطيبة الهانئة الهادئة والتي يسودها العدل والمساواة والأمن والأمان والخالية من أية أضطراب ومن أية أزمات وفساد ، ليس هذا فحسب ، ولكن لكون الأنسان هناك يشعر بأنسانيته التي كفلتها له الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ، فمثلما عليه واجبات ، فقد أعطيت له كامل حقوقه غير منقوصة وبالتساوي والعدل والحق حاله حال رئيس الحكومة! وغيرها من أمور وحقوق كثيرة لربما لا تراودنا في أحلامنا نحن العراقيين! . وحاولت أن أجد ولو مقاربة بسيطة بين حياة الشعبين في كندا والعراق! ، فلم أجد شيئا يذكر بتاتا! ، سوى أن كلا الشعبين هم بشر خلقهما الله عز وعلا ، فقط تبقى مسألة الصدفة والقدر والحظ فهم خلقوا في كندا ونحن خلقنا في العراق! ، وتلك أرادة ومشيئة الله عز وعلا! ، وقلت لربما من ناحية طاقة الأنسان على تحمل الظروف المحيطة به وهذه تختلف من أنسان ألى آخر، فالعراقي صار يضرب به المثل بقوة تحمله للظروف المحيطة به لما يمتلكه من طاقة خرافية وغير طبيعية يتفوق فيها على بقية بني البشر، بتحمله هذا الكم الهائل من المصائب والضيم والقهروالحرمان من أبسط متطلبات الحياة ومنذ أكثر من 40 سنة! وخاصة سنوات ما بعد الأحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق! ، بدأ من الجو الحار المجنون صيفا وأنقطاع الكهرباء ، ومرورا بالحياة السياسية والسياسيين والتدخلات الخارجية بالشأن العراقي من قبل دول الجوار والفساد المرعب الذي يتغول يوما بعد يوم ومن حكومة الى حكومة ولا أحد يستطيع التقرب منه ومن حيتانه! ، والخوف الذي يسكننا حتى صرنا نشعر بالغربة ونحن نعيش في وطننا بسبب ذلك الخوف! و و و و ألخ . وأمام تعجبي لخبر أنتحار الكنديين وبهذا الرقم سنويا ، رغم مافيه هم من نعمة العدل والمساواة والحرية والديمقراطية الحقيقية ، سرحت بخيالي بعيدا ، وقلت ماذا لو قمنا من باب الأفتراض، بتجربة معايشة لعدد من المواطنين من كندا صاحبة موضوع الأنتحار! في العراق ، على ان تكون المعايشة مع عوائل فقيرة أو متوسطة الحال من مناطق بغداد العاصمة!! وليس في أقضية ونواحي محافظات الجنوب البائسة! ، على سبيل المثال ، تكون المعايشة في مناطق ( حي العامل أو البياع أو الشعلة ، أو مدينة الصدر أو مدينة الحرية أو منطقة الفضل)! ، لقياس مدى قدرة تحمل هؤلاء للعيش وسط ظروف كالتي نعيشها ونحياها نحن العراقيين ، شريطة أن تكون المعايشة لمدة شهر، وفي فصل الصيف حصرا!! ، والمعايشة تكون بصدقية واضحة ، يعني يعيشون بنفس تفاصيل الحياة اليومية ومفردانها وأزماتها التي يعرفها الجميع من الصباح وحتى المساء! ، على أن لا تخلو المعايشة من شرح للأوضاع السياسية والحديث عن أحزاب السلطة والحكومة ، لكونهم هم المسؤولين عن سعادة شعوبهم أو تعاستها كما في دول العالم ، والأهم هو أن يشوفون أخبار الساعة العاشرة من على فضائية الشرقية وموسيقى بداية النشرة!!! ، ونسولفلهم على أنفلات السلاح ، يعني نكلهم ماكو بيت مابي قطعة او قطعتين من السلاح! ونحجيلهم أنه ممكن بأية عركة بسيطة رأسا واحد يجر مسدس ويكتل اللي ديتعارك ويا! لأن العراقي معروف بعصبيته! ، ونسولفلهم على الدكات العشائرية الرهيبة، وعن المخدرات وكيف نخرت ببنية الأنسان العراقي الأخلاقية ، وأيضا نحجيلهم شلون ممكن رجل المرور ينبسط بالشارع مهما كانت رتبته! ، لأنه أراد أن يوقف أحد أصحاب السيارات المظللة أو يتم الأعتداء عليه من قبل أمرأة متعرف منو هيه ، بس مستكواية بأحد المسؤولين! ، ومننسا نسولفلهم شلون الطبيب أيضا ، ينبسط مو بس رجل المرور، من قبل أهل المريض أذا مات المريض بين أيدي! ، حتى أذا وصل المريض للمستشفى هو ميت ، المهم تنذب براس الطبيب! ، ونسولفلهم شلون أسهل شي ينبسط مدير المدرسة أو المدرس والمعلم وينسحل بالشارع أذا رسّب تلميذ يستحق الرسوب لأنه كسلان !! ، وطبعا مننسا أن نكلهم هايه كلها طلعتها وعرضتها الفضائيات العراقية وطبعا الفضائيات العربية أيضا . ولأن هي معايشة ولازم يعرفون كلشي! فنحجيلهم على الأنتخابات ونكلهم أحنا هم مثلكم عدنه أنتخابات ، بس أول شي النتائج مالتها طول شهر وشهرين وأكثر يله تطلع! مو مثلكم وره 24 ساعة! ، لأن أحنا بنظامنا السياسي ليفوز أول ميبقى أول لا لا يرجع يصير ثاني أو ثالث أو يخسر أصلا! ، أن كانت في الأنتخابات المحلية ، أو الأنتخابات البرلمانية ، وأذا سألونه الأخوة الكنديين ليش شعجب؟؟ نكلهم مو أحنه نختلف عنكم ، وعن كل دول العالم ، لأن أحنا عدنا موضوع (الكتلة الأكبر) هي اللي نمشي عليها وهي اللي تحسم النتيجة النهائية للأنتخابات!! ، ونكلهم على سبيل المثال لحد الآن لم تحسم النتائج النهائية لأنتخابات مجالس المحافظات التي جرت قبل اكثر من 3 أسابيع!! ، ها ونكلهم ونحجيلهم عن المحاصصة السياسية والقومية والمذهبية اللي هي أساس الحكم بالعراق وخرابه بنفس الوقت!! ، وأذا سألونا أين الحكومة مما أنتم فيه ومن كل ذلك ؟ فنجيبهم صادقين والله شاهد على ما نقول ، بأنهم يعيشون في واد أمين ذي زرع وماء ووجوه جميلة وفيه الكهرباء التي تمثل الحياة وفيه وفيه وفيه وما أدراك ما فيه ! ، أنكلهم بأختصار أنهم يعيشون في واحة خضراء أسمها المنطقة الخضراء! بعيدين كل البعد عن هموم الشعب ومأسيه وأزماته!. السؤال هو: بعد هذا الشرح والمعايشة اليومية في هذه المناطق بكل تفاصيلها وأجوائها وناسها وأهلها التي لا تسر عدو ولا حبيب! ، ماذا ستكون نتيجة تجربة المعايشة هذه؟ وهل ستكمل مجموعة المعايشة الكنديين فترة الشهر المقررة كاملة ؟ الجواب المنطقي والعقلاني والأنساني وعلى ضوء الفروق الكثيرة بين الحياة في كندا وحال الأنسان هناك وبين واقع حياتنا ، وأنساننا العراقي ، هو أنهم سيعتذرون عن أكمال التجربة بعد ثلاثة أيام على أكثر تقدير! ، هذا أذا ما أصيبوا بالجنون وبنوع من الأمراض الجلدية والمعوية أو الأختناق والحسرة ، بعد أنتهاء اليوم الأول من المعايشة وبعد اللي سمعوا وشافوا وعاشوا!! ، وسيطالبون بنقلهم وعودتهم فورا الى كندا! ، وسيقبلون أرض وطنهم كندا ، حال نزولهم من الطائرة وسيدعون ليل نهار بالعز وطولة العمر لرئيس حكومتهم وملكهم ولكل قادتهم السياسيين الذين يجهدون أنفسهم ليل نهار بالعمل من أجل سعادة شعوبهم ورفعة بلدانهم وسوف يأخذون العهد على أنفسهم بالتوبة بعد اليوم اذا قاموا بالتظاهر مستقبلا وعلى أبسط الأمور! ، ويبطلون سوالفهم التعبانة والبطرانة حينما يتظاهرون منتقدين الحكومة وأجهزتها المسؤولة لأنها لم تسارع لأنقاذ كلب من الموت دهس بالخطأ على أحد الطرق الخارجية!؟ ، والأهم أنهم سيكتشفون كم أنهم بطرانين وعلى خطأ عندما ينتحرون بسبب فشل في علاقة عاطفية !؟ ، وبالأكيد سيسألون أنفسهم أحنا أذا عايشين كل هايه الحياة الجميلة بكندا وهلكد عدنا ناس تنتحر، لعد ذولة العراقيين شيكولون!!؟ ( بالمناسبة أن نسبة أنتحار العراقيين هي أقل بكثير من نسبتها ومعدلها في كندا!؟) . ومن الطبيعي ستبقى تجربتهم الفريدة والغنية مثار أحاديثهم اليومية لأشهر ولربما لسنوات وسيتم عقد الندوات ووضع الدراسات العلمية والنفسية للوصول الى كيفية تحمل الأنسان لظروف المعيشة الحياتية والخدمية ولعشرات السنين مثل ظروف المواطن العراقي؟! ، وما هو سر هذا التحمل؟ هل هو في البناء الجسماني والعقلي والنفسي للمواطن العراقي والذي يختلف فيه عن باقي البشر أم ان (الجهاز السمبثاوي) الموجود في كل أنسان والمسؤول عن أداء الكثير من أعضاء الجسم يختلف لدى العراقي عن باقي البشر! وتحديدا عن طبيعة الكنديين أصحاب التجربة ، ولربما سيكتشفون أن قوة (الجهاز السمبثاوي) لدى العراقي تعادل عشرة أضعاف مما هو عليه لدى باقي شعوب العالم! وألا بماذا تفسر تحملنا كل هذا الضيم والموت البطيء وقهر السياسيين ونحن صامتون صامدون بل ونزداد تمسكا بالحياة وبالأمل ، صابرين على من نحب وصابرين على من نكره!؟ كما قال الأمام علي عليه السلام ( الصبر صبران ، صبر على ماتحب ، وصبر على ما تكره) . أخيرا لا نقول ، ألاّ اللهم زدنا قوة وصبرا على تحمل مانحن فيه ، وأنزل الرحمة في قلوب قادتنا وسياسيينا لينظروا ألينا بعين الرحمة والأنسانية بعض الشيء!. اللهم آمين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here